يثير أسلوب العمل فى أول حكومة فى عهد الرئيس السيسى مجموعة من الملاحظات، لا بد من الإشارة إليها والتنبيه إلى ضرورة التعامل مع المشكلات العامة والقضايا الوطنية بشكل آخر غير الذى شاهدناه فى الأسبوعين الماضيين، وبوتيرة أسرع وأكثر شفافية.
وأولى تلك الملاحظات أن رئيس الوزراء المكلف قد استغرق وقتاً طويلاً حتى أعلن عن تمام تشكيل الحكومة، بالقياس إلى إلحاح المشكلات العامة وطبيعتها التى طال انتظار الناس لحلها، فقد كان المعروف أن المهندس محلب سيستمر فى رئاسة الوزراء بعد انتخاب الرئيس السيسى، ومن هنا كانت لديه فرصة كبيرة ومتسع من الوقت كى يختار وزراءه ويتفق معهم على دور الحكومة فى العهد الرئاسى الجديد، وبصفة خاصة مع الصلاحيات الكبيرة التى أوكلها الدستور لرئيس مجلس الوزراء. وكان المنتظر أن يؤدى أعضاء الحكومة اليمين الدستورية فى اليوم التالى مباشرة للاحتفال بتنصيب الرئيس السيسى وأن يعقد مجلس الوزراء أول اجتماعاته ويمارس الوزراء مسئولياتهم بعد ذلك ودون تأخير، وذلك تأسياً بالرئيس السيسى الذى أعلن أنه سيبدأ العمل والتزم بما أعلنه فى اليوم التالى مباشرة لتوليه رئاسة البلاد.
وقد صاحب التأخير فى إعلان الحكومة الجديدة مع التكتم والسرية التى أحاطت بالمشاورات رواج فى الشائعات واضطراب فى التصريحات بشأن موعد تقديم قائمة الوزراء الذين وقع الاختيار عليهم إلى رئيس الجمهورية، وموعد أداء اليمين، وذلك بخلاف الأقاويل عن تعيين نواب لرئيس الوزراء، واختيار أسماء بعينها لشغل مناصب وزارية، أو استمرار وزارة الإعلام ضمن التشكيلة الحكومية ثم العدول عن هذا الرأى، حيث تم إلغاء منصب الوزير مع بقاء أجهزة الوزارة على ما هى عليه. ومن غرائب التشكيل الوزارى الجديد، التى لم يجد الناس لها تبريراً أن وزير العدل كان مرشحاً قبل ما يقرب من أربعة شهور فى وزارة محلب الأولى ثم صرف النظر عن ذلك ليعود وزيراً للعدل فى وزارة محلب الثانية! وكان اللواء عادل لبيب قد اختير ليجمع بين التنمية المحلية والتنمية الإدارية بعد ضمهما لكن سرعان ما أسفر التشكيل الجديد عن فصل الوزارتين واكتفاء الوزير عادل لبيب بحقيبة التنمية المحلية وإلغاء وزارة التنمية الإدارية التى أسندت مسئولياتها إلى وزير التخطيط بعد فصل التعاون الدولى عنه وإنشاء وزارة مستقلة لهذا الملف! كما كان وزير التعليم العالى السابق د. وائل الدجوى هو من اختاره المهندس محلب ضمن تشكيلة وزارته الأولى ثم عاد سيادته إلى اختيار د. السيد عبدالخالق رئيس جامعة المنصورة ليكون وزيراً للتعليم العالى بعد صرف النظر عن اختياره لنفس الحقيبة فى وزارته الأولى وبعد أن استقبله وأعلن عن تلك المقابلة. ومن طرائف التشكيل الجديد العودة إلى تحميل حقيبة البيئة للدكتور خالد فهمى الذى شغل ذلك المنصب وكان زميلاً للمهندس محلب فى وزارة الببلاوى، ولم يقع اختياره عليه ليكون وزيراً للبيئة فى وزارته الأولى ثم عاد وكلفه بالحقيبة ذاتها فى الوزارة الثانية! وعن ضم وفك الوزارات وإنشاء وزارات جديدة دون معايير واضحة وأسس مستقرة فحدث ولا حرج!
والملاحظة الثانية والأهم هى أن الحكومة الجديدة لم تعلن حتى الآن عن برنامجها وخطتها فى مواجهة المطالب الشعبية والاستحقاقات التالية لخارطة المستقبل. وقد يقال إن رئيس الحكومة أعلن أن رؤية الرئيس وخطابه الذى ألقاه ليلة الاحتفال بتنصيبه هو برنامج الحكومة، وإن تبنى الحكومة لرؤية الرئيس أمر وارد وطبيعى فى ظل القبول الشعبى العام لتلك الرؤية، فما زال مطلوباً من الحكومة وهى السلطة التنفيذية، تفصيل خطتها فى تنفيذ رؤية الرئيس والأولويات التى ستلتزم بها والنتائج التى من حق الشعب أن يعلم بها وألا تكون محلاً للتغيير والتبديل حسب اختيار الحكومة.
ويشارك الرئيس الحكومة فى مسئولية عدم الإفصاح عن برنامج عمل له توقيتات محددة ونتائج منتظرة، حتى يكون للاجتماع الشهرى المزمع عقده بين الرئيس والحكومة فعالية، باعتباره سيكون اجتماعاً للمتابعة والتعرف على ما تم من إنجازات بالقياس إلى أهداف محددة أعلن عنها مسبقاً، وإلا لن تكون لتلك الاجتماعات الفعالية والتأثير فى المشهد الوطنى الذى كان الرئيس يستهدفه بإعلانه عقد تلك الاجتماعات الشهرية!
إن القائمة طويلة من المطالب الشعبية والآمال التى أوجدها إعلان الرئيس عن رؤيته للمستقبل واشتمالها على ما يرنو إليه المصريون من أهداف فى العدالة الاجتماعية وإصلاح البنية الاقتصادية والحد من البطالة واستقرار الأسعار فى الأسواق إلى التطوير الجذرى للخدمات العامة والالتزام بتحسين نوعى ملموس فى منظومة التعليم والصحة والتعامل الحاسم مع العشوائيات ومشكلات توفير السكن الملائم المجهز بخدمات مياه الشرب والصرف الصحى، فضلاً عن ضبط الشارع المصرى وانتظام المرور وصولاً إلى القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه وتحقيق سيادة القانون واستقلال القضاء.
ولا زالت أساليب الحكومة الجديدة لم تختلف جذرياً عن أساليب حكومات ما بعد 30 يونيو، فالتردد لا يزال هو السمة فى اتخاذ القرارات الصعبة، مثل إلغاء دعم الوقود أو رفع أسعار الكهرباء، ولم نسمع أى قرارات بشأن تطهير الجهاز الإدارى للدولة وتخليصه من الفساد والأخونة. كما لم يختلف أسلوب مفاجأة الناس بقرارات تغيير محافظين وتعيين آخرين وفق معايير غير معلنة ولأسباب يجهلها المواطنون وهم أصحاب المصلحة الحقيقيون للمشاركة فى اختيار المحافظين حتى يُقر أسلوب انتخابهم.
وكلمة للسيد الرئيس.. لماذا تأخر إعلان فريقكم الرئاسى؟