القطاع المصرفى يقود "التحول الرقمي" في مصر.. والـ"بيج داتا" و"البلوك تشين" يصنعان ثورة تكنولوجية جديدة

القطاع المصرفى يقود "التحول الرقمي" في مصر.. والـ"بيج داتا" و"البلوك تشين" يصنعان ثورة تكنولوجية جديدة
لعب القطاع المصرفى المصرى دوراً رائداً فى عملية الشمول المالى والتحول الرقمى وتطوير نظم الدفع الإلكترونية فى مصر خلال السنوات الأخيرة، وذلك بتوجيهات من البنك المركزى المصرى والقيادة السياسية، التى تولى اهتماماً بالغاً بضرورة التحول إلى مجتمع لا نقدى، حيث ساهم انتشار حلول التكنولوجيا الرقمية فى تسريع عجلة الشمول المالى بالبنوك، وابتكار منتجات إلكترونية تخدم فئات كبيرة من المواطنين، وبما يُمكن عملاء البنوك من إجراء كافة عملياتهم المالية والمصرفية عبر الهاتف المحمول أو الإنترنت دون الحاجة إلى التوجه للفروع بشكل مستمر.
البنوك تصدر 39 مليون بطاقة.. وماكينات الصراف الآلي تتجاوز 14 ألفاً
كما وضع البنك المركزى لأول مرة باباً فى القانون الجديد لتنظيم خدمات ونظم الدفع والتكنولوجيا المالية، حيث نص القانون على أنه يصدر قرار من مجلس الإدارة بتحديد شروط وإجراءات منح تراخيص وتشغيل نظم الدفع أو تقديم خدماتها. وبفضل التكنولوجيا أصبح هناك إمكانية لفتح حساب أو وديعة لأجل أو طلب بطاقات ائتمان جديدة أو قروض عبر تطبيق الهواتف الذى أطلقته البنوك العاملة فى السوق المصرية، حيث أظهر مسح أجراه «الوطن الاقتصادى» على نحو 30 بنكاً أن خدمات الإنترنت البنكى هى الأكثر انتشاراً ويتيحها 29 بنكاً من إجمالى عدد البنوك التى شملها المسح، بينما تأتى خدمات المحفظة الذكية فى المرتبة الثانية، التى يقدمها حوالى 18 بنكاً. وتسعى البنوك إلى تنويع منتجاتها وخدماتها المصرفية خلال الفترة الأخيرة، بهدف الوصول إلى كافة شرائح المجتمع، حيث تظهر أحدث مؤشرات صادرة عن البنك المركزى تقدماً ملحوظاً فى نشاط التجزئة المصرفية ومؤشرات الشمول المالى للأفراد، حيث ارتفع عدد المتعاملين مع البنوك إلى 13.7 مليون شخص بنهاية يونيو 2020. فيما وصل عدد البطاقات الإلكترونية الصادرة عن البنوك بأنواعها المختلفة (ائتمان، وخصم، والمدفوعة مقدماً) إلى 39 مليون بطاقة بنهاية يونيو 2020، وارتفع عدد فروع البنوك العاملة فى مصر إلى 4451 فرعاً بنهاية يونيو 2020 بمعدل زيادة بلغ 3.5% خلال الفترة نفسها من العام الماضى. بينما بلغ عدد ماكينات الصراف الآلى نحو 14.152 ماكينة، وقفز إجمالى عدد نقاط البيع الإلكترونية 98 ألف نقطة دفع إلكترونية بنهاية يونيو 2020، حيث تدل هذه الأرقام على التقدم فى قاعدة القطاع المصرفى التى تمهد لنشر ثقافة الشمول المالى لدى الأفراد بشكل أوسع.
إيهاب السويركي: "كورونا" عجلت من التحول الرقمي
وفى هذا الصدد، قال إيهاب السويركى، العضو المنتدب والرئيس التنفيذى لبنك أبوظبى التجارى مصر، إن هناك توجهاً عاماً نحو التوسع فى المدفوعات الإلكترونية داخل السوق المصرية، مستدلاً بالمبادرة التى أطلقها البنك المركزى مؤخراً لنشر ما يقرب من 6500 ماكينة صراف آلى جديدة، بالإضافة إلى الحملة القومية للتوعية بمزايا السداد الإلكترونى، التى تمكن أصحاب المحال والأعمال التجارية باختلاف مجالاتها من الحصول على ماكينات الدفع الإلكترونى «POS» والدفع عبر رمز الاستجابة السريع «QR Code» بأسهل الإجراءات، تمهيداً للتوسع فى الدفع الإلكترونى والحد من الاعتماد على المعاملات النقدية. وأوضح أن جائحة كورونا عجلت بعملية التحول الرقمى للمؤسسات المالية التى تعمل فى مصر، والتى كانت تسعى الحكومة لتنفيذها على مدار الشهور الماضية، مشيراً إلى أن البنوك ستكون قادرة على التحول الرقمى بشكل كامل لأنها بدأت فى ذلك قبل انتشار فيروس كورونا بتعليمات من البنك المركزى، وبدأت فى طرح البطاقات اللاتلامسية والكيو آر كود والموبايل البنكى وغيرها من الأدوات الرقمية حتى قبل الأزمة.
البنوك تبتكر في "رقمنة المدفوعات"
عكفت الدولة المصرية خلال السنوات القليلة الماضية على التوسع فى مجال المدفوعات الإلكترونية، والتوسع فى تطبيق الشمول المالى، حيث قامت الحكومة بإطلاق المجلس القومى للمدفوعات لتنظيم المدفوعات الرقمية، كما حولت الوزارات والهيئات مدفوعاتها ومتحصلاتها بالكامل للقنوات الرقمية المصرفية، كما أطلقت الحكومة بطاقة ميزة الوطنية للمدفوعات الإلكترونية، وغيرها من الجهود التى تعزز من انتشار التعاملات المالية الإلكترونية. فيما قام البنك المركزى، بصفته المنظم للقطاع المصرفى المصرى، بإطلاق العديد من المبادرات التى تُحفز على تفعيل المنظومة المصرفية الرقمية، وتضمين أكبر شريحة ممكنة للتعامل مع القطاع المصرفى عبر القنوات الإلكترونية، وتقليل استخدام الكاش، وهو ما ظهر جلياً فى الحملات الإعلانية الأخيرة. وتأتى البنوك كلاعب رئيسى فى عملية التحول للمدفوعات الإلكترونية فى مصر، حيث تتسابق البنوك العاملة فى السوق المصرى على استحداث منتجات وخدمات مبتكرة تحفز العملاء على استخدام القنوات الإلكترونية، فتوسعت البنوك خلال الفترة الأخيرة فى إطلاق المحافظ الإلكترونية التى تمكن العملاء من إدارة حساباتهم من خلال الهاتف المحمول، وذلك بجانب خدمة الإنترنت البنكى، واستخدام خاصية الـ«QR Code» فى إجراء المدفوعات، وإصدار البطاقات اللاتلامسية، كما قامت بعض البنوك بتدشين فروع إلكترونية بالكامل.
"القاضي": إقبال العملاء على المدفوعات الإلكترونية ساهم في انتشار نقاط البيع
وقال أشرف القاضى، رئيس مجلس إدارة المصرف المتحد، إن سوق المدفوعات الإلكترونية يشهد نمواً كبيراً عالمياً، والسوق المصرى هو انعكاس لآليات السوق العالمى، فضلاً عن أن المجتمع المصرى يمثل قوى شرائية كبيرة، الأمر الذى أدى لزيادة الطلب السوقى على إصدارات البطاقات بأنواعها المختلفة سواء البطاقات المدينة أو البطاقات الائتمانية التقليدية، بالإضافة إلى البطاقات المدفوعة مقدماً بأنواعها المختلفة سواء العادية وكذلك بطاقات المرتبات. وأضاف أن جميع هذه العوامل أدت إلى زيادة الطلب على نقاط الدفع الإلكترونى وماكينات الصراف الآلى وتزويدها بخاصية الدفع عن بُعد أو اللاتلامسية، ما يساهم فى فتح قنوات دفع جديدة للمواطنين لدى البنوك والجهات الحكومية والمتاجر. ولفت إلى أن توجه الدولة نحو التحول التكنولوجى يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطنى، من حيث إقرار سياسة الشمول المالى وتوسيع مجال الخدمات الإلكترونية فى جميع المؤسسات الموجودة فى مصر. وأضاف القاضى أن هذا التوجه من شأنه أن يعود بفائدة كبيرة على الناتج القومى المحلى من خلال توفير الجهد والوقت المبذول للحصول على الخدمة، مشيراً إلى أن هناك العديد من الدول المتقدمة فى العالم قد خطت إلى هذا التوجه للاستفادة من التطور التكنولوجى فى شتى مناحى الحياة.
"أبوالفتوح": مصر ستحرز إنجازاً في الشمول المالي خلال 3 سنوات
ومن جانبه قال يحيى أبوالفتوح، نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى المصرى، إن التحول الرقمى موضوع يشغل اهتمام القطاع المصرفى والمالى والعالم أجمع، والجميع يتحدث عنه فى جميع المناسبات، موضحاً أنه لا يوجد منهج واحد لفكرة التحول الرقمى، إذ يدخل فى جميع مناحى الحياة، ولا يمكن التحدث عن العلاقة مع العميل فقط فى التحول بالنسبة للبنك، لكن نفكر فيها مع العلاقات الأخرى مثل الشركات والحكومة أيضاً. وأضاف: «مؤخراً بدأنا نتلمس الطريق فى التكنولوجيا المالية بطرح الفروع الإلكترونية، ونحتاج العميل مرة واحدة فقط للتوقيع على آليات التعامل فى أحد فروع البنك، بعد ذلك لا يحتاج الذهاب حتى إلى الفروع الإلكترونية، كما أن رؤية التنمية فى الشمول المالى والتحول الرقمى واضحة، منذ العام الماضى، بداية من رؤية الرئيس عبدالفتاح السيسى، إلى الحكومة والبنك المركزى، لكن نحتاج لبذل مزيد من الجهود التعاونية لزيادة وتيرة العمل فى هذا الشأن». وقال «أبو الفتوح» إن مصر خطت خطوات كبيرة فى تحقيق عملية الشمول المالى، متوقعاً أنه خلال 3 أعوام على أقصى تقدير ستكون مصر واحدة من المتقدمين فى التنفيذ، وأفضل من دول كثيرة فى هذا الشأن.
تحليل البيانات الضخمة والبلوك تشين
ثورة تكنولوجية اجتاحت القطاع المصرفى المصرى فى السنوات الأخيرة، عبرت عنها مصطلحات جديدة كنظام «البيج داتا» و«البلوك تشين»، لتبدأ البنوك خطواتها الجادة لتطويع التكنولوجيا المالية فى كل ما هو فعال وداعم لمستهدفات البنوك من تقديم أفضل خدمات ومنتجات مالية ومصرفية على أن تكون الأسرع والأكثر أماناً للعملاء.
وعلى الصعيد المحلى، كون البنك التجارى الدولى CIB أول فريق مصرى متخصص فى علوم البيانات الضخمة عام 2014، يضم أكثر من 80 متخصصاً، ليصبح أول بنك فى مصر والشرق الأوسط وأفريقيا يبدأ فى استخدام أساليب تحليل البيانات الضخمة، ولعلها أحد الأسباب الرئيسية التى ساهمت فى نمو صافى أرباح البنك بنسبة 293.3% من 3 مليارات جنيه خلال عام 2013، لتصل إلى 11.8 مليار جنيه خلال عام 2019، وهذا ما عبرت عنه كلية لندن لإدارة الأعمال London Business School باختيارها البنك كحالة للدراسة لطلبة الدراسات العليا وماجستير تحليل البيانات والبيج داتا.
"ذكري": الـ"بيج داتا" ستعزز حصيلة التمويل
من جانبه قال إسلام ذكرى، الرئيس التنفيذى لتحليل وإدارة البيانات بالبنك التجارى الدولى، إن «البيانات الضخمة» ساهمت فى معرفة طبيعة العملاء واحتياجاتهم المختلفة، وتصميم منتجات وخدمات جديدة تناسب تلك الاحتياجات، كما وفرت البيانات اللازمة للقائمين على وضع السياسات بالبنك لمساعدتهم فى رسم الخطط المستقبلية للبنك، فعلى سبيل المثال وليس الحصر ساهم تحليل البيانات الضخمة فى تحديد المناطق الأكثر احتياجاً لتكون ضمن خطة التوسع الجغرافى القادمة للبنك. وأشار «ذكرى» إلى أن «البيج داتا» خفضت من نسبة انتظار العملاء فى فروع البنك التجارى الدولى بنسبة 35%، وذلك من خلال إنشاء نموذج يتيح إدخال بعض البيانات للعميل ويقدم النموذج عدداً من المقترحات والأفعال التى يحتاجها العميل فى تلك الفترة، وذلك بعد تحليل البنك لبيانات وسلوكيات العميل منذ بدء تعامله مع البنك. لم تكتف الساحة المصرفية بهذا الحد بل كان لتقنية «البلوك تشين» حيز كبير خلال السنوات الأخيرة، خاصة لدى البنوك التى ترغب فى تعزيز مكانتها فى البورصات وأسواق المال.
"الشربيني": "البلوك تشين" أت صبحشهادة مصداقية لتعاملات البنوك
وفى هذا الصدد، يرى إبراهيم الشربينى، رئيس قطاع التكنولوجيا المالية ببنك مصر، أن استخدام البنوك المصرية لتقنية البلوك تشين أصبح ضرورة لا يمكن التنحى عنها، وإلا سنكون خارج المنافسة والتصنيفات العالمية، مضيفاً أن تقنية البلوك تشين ستسمح للبنوك بمشاركة البيانات بطريقة آمنة ودقيقة، ما سيحد من معدلات الإخفاق، والاحتيال. وتابع «الشربينى» أنه تم إنشاء اتحاد R3، الذى يقود 200 بنك عالمى، للتعاون معاً لتطبيق نظام البلوك تشين فى كافة دول العالم، وهناك العديد من البنوك المصرية اشتركت مع هيئة R3، ويقوم حالياً بنك مصر بالتواصل معها استعداداً للانضمام كأحد الأعضاء الرسميين للهيئة، مشدداً على ضرورة تعاون القطاع المصرفى المصرى لتطبيق هذا النظام، أو تبنى البنك المركزى مبادرة تشجع البنوك على تطبيق الـ«بلوك تشين».