ماكرون رسم الكاريكاتير المسيء للنبي.. خرافة صدقت في عاصفة الغضب

كتب: كريم عثمان

ماكرون رسم الكاريكاتير المسيء للنبي.. خرافة صدقت في عاصفة الغضب

ماكرون رسم الكاريكاتير المسيء للنبي.. خرافة صدقت في عاصفة الغضب

أزمة كبيرة ظهرت مؤخرًا، مع انتشار بعض الرسوم المسيئة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، في فرنسا، ما أدى لموجة من الغضب من قبل المسلمين وغير المسلمين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ردا على ما تم نشره، معتبرين أن ذلك إهانة للدين الإسلامي ورمزه، وهو ما فتح بابا لبعض الأكاذيب التي اختلطت بالحقيقة، فصدقها البعض رغم أنها لم تحدث من الأساس.

"ماكرون هو من رسم الرسومات المسيئة للرسول".. جملة تكررت كثيرا من قبل بعض مستحدمي السوشيال ميديا، ترويجا لإشاعة أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو من صمم الرسومات المسيئة للنبي، وهو ما يعد أمرا عاريا تماما من الصحة.

حقيقة الرسومات المسيئة للرسول تعود إلى مصدرين، الأول هو صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية، التي نشرت تلك الرسومات قبل شهرين من الآن، وهو ما لاقى استياءً كبيرا من قبل المسلمين في جميع أنحاء العالم.

حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تنسب لـ"ماكرون" رسم الكاريكاتير المسيء للرسزول

المصدر الثاني للرسومات الكاريكتارية المسيئة تعود لمدرس تاريخ فرنسي، صمم تلك الرسومات خلال إحدى الحصص المدرسية التي يدرس فيها الطلاب حرية التعبير، بمدرسة "كونفلان سان أونورين"، وتلقى بعدها عدة تهديدات بالقتل أبلغ بها إدارة المدرسة طالبًا توفير الحماية له.

16 من أكتوبر الحالي، كان شاهدا على مقتل المدرس صاحب الرسومات المسيئة على يد شاب شيشاني مسلم مواليد عام 2002، بسبب تلك الرسومات، لتعيد "شارلي إيبدو" الفرنسية من جديد نشر الرسوم المسيئة.

ما سبق ينفي تماما المتداول بين رواد السوشيال ميديا، سواء نتيجة فهم خاطئ لحقيقة الأحداث أو بقصد من جانب لجان إلكترونية تسعى لاستغلال الموقف سياسيا، بأن الرئيس الفرنسي هو صاحب الرسومات المسيئة، ولكنه لا ينفي حقيقة علاقته بالواقعة، والتي تلخصت في تصريحاته جاءت عقب ذبح المدرس في باريس، والذي جاء على إثرها حملات مقاطعة للمنتجات الفرنسية من المسلمين والعرب.

كلمة الرئيس الفرنسي في حفل تأبين المدرس الفرنسي، وفق قناة "فرانس 24" التي نقلت نصها، حيث جاء فيها العديد من الرسائل فقال: "ما من كلمات تكفي لكي نتحدث عن محاربة الإسلام السياسي الأصولي الذي يؤدي للإرهاب"، ثم عاد ليؤكد أن المدرس الفرنسي صامويل باتي "قتل لأنه كان يجسد الجمهورية، وإنه بات اليوم وجه الجمهورية، بل راح ضحية للإرهاب الأعمى، لم يكن عدوا للدين الذي يستغلونه، قد درس القرآن واحترم تلاميذه مهما كان دينهم، كان يهتم بالحضارة الإسلامية، بل بالعكس قتل بسبب كل تلك هذه الأمور".

رغم أكذوبة الكاريكاتير المسيء.. تصريحات ماكرون عن التمسك بالرسومات بعد مقتل المعلم الفرنسي تسببت في إيذاء نفسي لـ 1.5 مليار مسلم

خطاب ماكرون حمل أيضا الرسالة التي أشعلت الغضب في الدول الإسلامية ضد فرنسا، وأدت للحملات الداعية لمقاطعة منتجاتها، فقال ماكرون "سنواصل أيها المعلم وسندافع عن الحرية، وسنحمل راية العلمانية عالية، لن نتخلى الرسومات والكاريكاتورات وإن تقهقر البعض". 

وفي مطلع أكتوبر الماضي، كان للرئيس الفرنسي تصريحات وصفت بأنها معادية للإسلام وأيضا غير مسئولة، حينما قال في خطاب له: "إن الإسلام الراديكالي يشكل خطراً على فرنسا لأنه يطبق قوانينه الخاصة فوق كل القوانين الأخرى ويؤدي في كثير من الأحيان إلى خلق مجتمع مضاد".

الانعزال الإسلامي وأزمة الإسلام .. تصريحات أخرى لـ"ماكرون" أغضبت المسلمين

"الإسلام دين يمر بأزمة في جميع أنحاء العالم اليوم، ونحن لا نرى هذا في بلدنا فقط"، كلمات جاء أيضا في الخطاب الذي أعلن فيه عن مجموعة الإجراءات ستكون تشريعاً مقترحا سيطرح أمام البرلمان الفرنسي قبل نهاية 2020، ومنها مراقبة أكثر صرامة للمنظمات الرياضية والجمعيات الأخرى حتى لا تصبح جبهات لتعاليم إسلامية، وإنهاء نظام لاستقبال أئمة من الخارج، وتحسين الرقابة على تمويل المساجد، وكذلك تقييد التعليم في المنزل، واصفا تلك الخطوات بأنها بهدف تعزيز العلمانية ضد ما وصفه بـ"الانفصالية (الانعزالية) الإسلامية" في فرنسا.

تصريحات ماكرون في مطلع أكتوبر، أثارت الكثير من الجدل، ووجهت أيضا برد قوي من الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، جاء في تدوينة قصيرة له على موقع التواصل الاجتماعي تويتر:

أعقبها تدوينة أخرى للرد على إلصاق جريمة الإرهاب بالإسلام، وجاءت في 18 أكتوبر 2020، وعقب جريمة ذبح المعلم الفرنسي، قال فيها: "(المسلمون إرهابيون؟!).. هذه المقولة خُدِعَ بها وابتلعها كثيرون حتى من أبناء المسلمين أنفسهم، الحقيقة التي يشهد بها الواقع والتاريخ والضمير الحر أن المسلمين هم بناة حضارة في كل مكان وُجِدوا به حتى في قلب أوروبا، والآن هم ضحايا الكيل بمكيالين في عدد من هذه البلدان". 

نشر الرسوم المسيئة للرسول، والذي جاء بالتزامن مع الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في بلدان العالم، أشعل غضب المسليمن، وأجج من حملات المقاطعة للمنتجات الفرنسية، والهجوم على الرئيس الفرنسي بسبب تصريحاته، وهو ما دفع الأزهر للرد مرة أخرى على لسان شيخه برفض تلك الرسوم المسيئة وأي عمل يسيء لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم. 

وفي الوقت الذي كان يرد الأزهر بعقلانية وحزم على تلك التصريحات، خرج موقف رسمي قوي من الدولة المصرية، رافض للإساءة للرسول على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته خلال الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف، أكد فيها إن الإساءة للأنبياء والرسول استهانة بقيم دينية رفيعة.

رسالة واضحة حملها الرئيس السيسي في خطابه، جاء فيها: "جرح مشاعر الملايين، حتى لو كانت الصورة المقدمة هي صورة التطرف، فلا يمكن أن أبدا أن نتصور أن يحمل المسلمون بأوزار ومفاسد وشرور فئة قليلة انحرفت، فنحن لنا حقوق بألا يجرح شعورنا وألا تؤذى قيمنا، وإن كان من حق الناس أن تعبر عما يجول في خواطرها، فأتصور أن هذا الأمر لابد أن يقف عندما تجرح مشاعر أكثر من مليار ونصف، من فضلكم كفى إيذاء لنا"، وأعقبها تحرك أيضا من علماء المسلمين العرب لمقاضاة من تسبب في نشر تلك الرسومات. 

صوت العقل في الرد على الرسوم المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتصريحات الرئيس الفرنسي التي دعمتها، تخللها أيضا أكاذيب روجت وصدقت في سياق الغضب، كان منها أكذوبة، أن ماكرون رسم تلك الرسوم المسيئة، وهو ما اتضح أنه خبر مضلل، صدقه الكثيرون، وروجوه دون وعي في سياق حملة الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي ضد ماكرون وتصريحاته، التي عاد وتراجع عنها.


مواضيع متعلقة