دينا عبد الفتاح تكتب: وداعاً محمد فريد خميس

دينا عبد الفتاح تكتب: وداعاً محمد فريد خميس
- دينا عبد الفتاح
- محمد فريد خميس
- وفاة محمد فريد خميس
- دينا عبد الفتاح
- محمد فريد خميس
- وفاة محمد فريد خميس
رحل عن عالمنا أمس رائد الصناعة الوطنية، وأحد أهم قصص النجاح المصرية فى التاريخ الصناعى الحديث، رجل الأعمال محمد فريد خميس، تاركاً وراءه تاريخاً يمكن تدريسه فى كيفية تأسيس العلامات التجارية الرائدة، وكيفية إدارة الأعمال، لتنطلق من «الصفر» إلى العالمية.
لا شك أن رحيله يمثل خسارة كبيرة للصناعة الوطنية، حيث تمكن خلال عقود قضاها فى التصنيع والاستثمار من تكوين علامة تجارية مصرية، وهى مجموعة «النساجون الشرقيون»، التى تعتبر الأولى على مستوى العالم فى صناعة السجاد، تنافس السجاد الأمريكى والأوروبى والتركى والصينى، وتتفوق عليها دائماً، ويحدث ذلك فى التصنيفات الصادرة عن معرض هانوفر الدولى فى ألمانيا سنوياً، حيث كانت تحتل العلامة التجارية المصرية المرتبة الأولى بين العلامات التجارية الدولية المختلفة فى صناعة السجاد.
لم يقف فريد خميس عند تطوير الصناعة، بل اتجه إلى تطوير التعليم بدافع اجتماعى بحت، حيث أسّس الجامعة البريطانية فى مصر، وكان رئيساً لمجلس أمنائها، وهى مؤسسة تعليمية رائدة غير هادفة للربح، أسهمت على مدار السنوات الماضية فى تخريج وتأهيل آلاف الشباب فى مجالات علمية مختلفة لسوق العمل، وأصبح خريجوها من أهم المساهمين فى نهضة وتطور مصر خلال العقد الحالى.
التقيت كثيراً بهذا الرجل، كان يقدس العمل إلى أبعد الحدود، وكان وطنياً خالصاً يعشق تراب مصر، ويدافع عنها، ويساند قياداتها وحكوماتها، ويقدم إلى شعبها أجود إنتاج صناعى فى العالم مدوناً عليه «صنع فى مصر».. فسلاماً إلى روحك الطاهرة.. وخالص دعواتنا لك بالرحمة والمغفرة.
نماذج ملهمة
فى الحقيقة، إن مصر تزخر بقصص نجاح ملهمة فى جميع المجالات، وينبغى البناء على هذه القصص فى ترويج الفكر الجديد والثقافة الجديدة التى ينبغى أن يعيش بها أبناؤنا الشباب وأطفالنا فى القرن الحادى والعشرين، ونتعلم منها جميعاً كيفية التخطيط والعمل والتطوير.. وذلك باعتبار أن هذه القصص حدثت بيننا لأشخاص منا عاشوا ظروفنا الحالية نفسها أو أصعب منها، ونجحوا فى مواجهة التحديات والصعاب والانتصار عليها، واستثمار الأزمات فى تكوين الفرص واستغلالها فى تحقيق الاسم والسمعة والمكسب والاستفادة المجتمعية والفردية على حد سواء.
هذه القصص ينبغى ألا تموت، حتى إن رحل عن عالمنا أصحابها، وينبغى أن تبقى ببقاء هذا الوطن، وأن يتم الاهتمام بها ونقلها من جيل إلى جيل حتى نحفّز النشء ونؤكد لهم أن النجاح ممكن مهما كانت الظروف صعبة، وأن التفوق وارد بشرط توافر الإرادة والاجتهاد.
ونموذج محمد فريد خميس أحق بأن يُحسب ضمن هذه القصص وذلك لعدة أبعاد، أهمها أنه تخرّج فى جامعة حكومية وعمل بوظيفة يتمنّاها الكثيرون ذات دخل مناسب بالبنك الأهلى المصرى خلال ستينات القرن الماضى، لكنه كان يملك حلماً مختلفاً عن التطور بداخل القطاع المصرفى، فخرج يبحث عن حلمه فى الخارج، وسافر إلى الكويت، ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأتقن صناعة وتجارة السجاد من القائمين عليها فى هذه الدول.
هنا فكر عكس الكثير من الشباب حالياً، رغم أن ظروف مصر فى هذه الفترة كانت أصعب كثيراً من ظروفها حالياً، حيث اتجه فريد خميس إلى استغلال معرفته لبناء مشروعه الخاص فى داخل وطنه، وعاد إلى مصر وأسس مصنعاً لصناعة السجاد، وتطور شيئاً فشيئاً إلى أن صنع إمبراطوريته الصناعية الحالية، لم يفكر فى البقاء بالخارج، ولم يقرّر بدء استثماره هناك، لكنه عاد لينطلق من مصر، وبالفعل نجح فى مصر وأصبح أهم صانع سجاد على مستوى العالم، لدرجة أنه أسس لمجموعته مصانعها الخاصة فى الولايات المتحدة والصين وأوروبا، لتنافس فى هذه الدول، وتقدم علامة تجارية مصرية مصنّعة فى الغرب.
نماذج أخرى منتشرة فى كل المجالات علينا تسليط الضوء عليها، لأنه يمكن باستغلال نموذج واحد أن نغيّر فكر جيل بأكمله، أو نصنع مجموعة من رواد الأعمال الجُدد، الذين يتّصفون بالقدرة على التحدّى والابتكار والإصرار، لصناعة الفارق والنجاح من مصر أولاً!