المنوفية: خيوط العنكبوت تهدد قلعة السجاد فى «أبوشعرة»

المنوفية: خيوط العنكبوت تهدد قلعة السجاد فى «أبوشعرة»
مصانع صدئت أقفالها، وسكنت خيوط العنكبوت أطلال سيمفونية المجد والفخر التى طالما عزفتها أنامل الصغار وضبطت إيقاعها خبرة وعزيمة الكبار، فى واحدة من أهم قلاع صناعة السجاد اليدوى فى العالم.
ساقية أبوشعرة، قرية تميزت بانتقاء أجود الخامات وأبدعت فى اختيار أجمل التصميمات، لتعلن مواكبتها السوق الداخلية ومخاطبتها السوق العالمية، وتفتح كبرى قصور أوروبا أبوابها لمنتجاتها، ويتردد اسمها فى عاصمة النور باريس بدخول سجاد تلك القرية البسيطة إلى قصر الإليزيه أعرق القصور الرئاسية فى العالم.
داخل القرية الواقعة على البر الغربى لنهر النيل، جلس محمود عبده، أحد العاملين بصناعة السجاد بالقرية يروى المراحل التى مرت بها الصناعة داخل قريته الصغيرة، وقال: «مراحل ثلاث، بدأت عام 1958 بمساعده أحد أبناء القرية الذى عاد بخبرته فى هذا المجال من القاهرة إلى قريته وعلم الصبية والشباب، لتنتشر الصناعة فى كل منازل القرية ويصبح نول السجاد أحد أهم مكونات المنزل الرئيسية، لتبدأ المرحلة الثانية التى تعد العصر الذهبى لصناعة السجاد من عام 1975 إلى 1995، حيث ازدهرت الصناعة بالقرية ما انعكس على الوضع الاقتصادى لأهالى القرية الذين يعمل 80% منهم فى صناعة السجاد، فالجميع حتى الأطفال فى فترة الإجازة المدرسية يعرفون طريقهم إلى الورش، والمصانع، أما المرحلة الثالثة، وهى مرحلة التدهور، فبدأت عام 1995 نتيجة عوامل اقتصادية، وسياسية، وزاد الأمر سوءاً بسبب الاضطراب فى المنظومة البنكية عقب قيام الثورة، فضلاً عن ارتفاع سعر الدولار، وبالتالى ارتفاع سعر الخام من الحرير، والصوف، والخيوط المستوردة من الصين، وتركيا، واليابان، ما أدى إلى عزوف بعض المستوردين عن استيراد الخام وبالتالى قلته فى السوق، ما انعكس على ثمن المنتج حيث وصل الحرير إلى 500 و600 جنيه للكيلو الواحد».[SecondImage]
معاناة كبيرة مر بها العاملون فى المهنة، ما أكده أحمد عبدالحميد الذى بدأ رحلته مع السجاد منذ أن كان طفلاً فى الثامنة من عمره، كعامل فى أحد مصانع السجاد بالقرية.
يعود «أحمد» بالذاكرة إلى الوراء مسترجعاً أول سجادة صنعها فى ورشته قائلاً: «كانت سجادة حرير وفرت ثمن الخامات أنا وأخى علاء من مصروف العيدية، واشتغلنا فيها طول الليل والنهار حوالى شهرين كان مقاسها 80 فى 120 وتم بيعها بـ1400 جنيه، أما الآن فلا نستطيع توفير الخامات، فمتر السجاد الواحد يكلف مالا يقل عن 2000 جنيه خامات، إضافة إلى العمالة التى لم تعد متوافرة».[FirstQuote]
ويؤكد أحمد أنه على الرغم مما تمر به صناعة السجاد فى ساقية أبوشعرة من مشكلات، فإنه لن يتركها ويبحث عن مهنة أخرى طلباً للمكسب مثلما فعل الكثير من أقرانه، ويقول: «استمرار الوضع كما هو عليه يهدد وجود الصناعة بعدما هجرتها الأيدى العاملة المدربة وتوقف مشروع الأسر المنتجة الذى ساعد بشكل كبير على رواج الصناعة».
بنبرة قلق يتابع أحمد حديثه: «لو استمر الحال هنقفل، لأن خلاص مبقاش حيلتنا حاجة تانى نصرفها على الشغل، اللى عنده ذهب باعه واللى جاب قرض من الصندوق الاجتماعى مش عارف يسدده، بس لازم نشتغل عشان منمدش إيدينا وعارفين إننا مش هنعرف نسوّق شغلنا، بس بيع سجادة أقل من سعر تكلفتها بيمشى الحال بدل الخسارة».
يصمت «أحمد» لوهلة، محاولاً بعث رسالة إلى الرئيس المنتظر قائلاً: «جودة السجاد اليدوى المصرى لا تقل عن السجاد الإيرانى فى شىء، لكننا نعانى من عقدة المستورد، إضافة إلى فتح باب الاستيراد دون قيود، ما أثر على سوق السجاد المصرى محلياً»، وطالب بوضع قيود على الاستيراد لإتاحة فرصة لتسويق المنتج المحلى والنهوض بالمنتج المصرى والعمل على تحفيز ودعم صغار المنتجين أسوة بالمصدرين، خاصة فى الصناعات اليدوية التى أوشكت على الانقراض.
أحمد الذى لم يعرف طموحه حدوداً أصبح أقصى أحلامه توفير أجرة العاملين معه وتسويق إنتاجه المتراكم منذ سنوات، تغمره السعادة كلما ظهر من يبحث عن السجاد اليدوى.[ThirdImage]
دعاء صبرى، فتاة فى الصف الأول، قبل أن تنتهى من امتحانات آخر العام الدراسى عرفت وجهتها ومكانها على النول تقول دعاء «عندى 3 إخوات وأبويا عامل على باب الله وعندنا نول فى البيت أمى بتخلص شغل البيت وتقعد تشتغل وأنا باجى الورشة أنا وأصحابى نشتغل أهو بنعمل حاجة بنحبها ومش بتتعبنا وبنوفر مصاريفنا طول فترة الإجازة». لم يختلف حال دعاء عن حال محمد صلاح ومحمود هانى وعمرو أحمد، فجميعهم أطفال لكنهم بعقول وعزيمة مقاتلين، لم تعرف أيديهم الصغيرة معنى البطالة والرفاهية، يقبعون أمام الأنوال فى انتظار مستقبل أفضل لمهنتهم التى تخرج منها أطباء ومهندسون وأساتذة جامعة كانت بدايتهم الحقيقية مع صناعة السجاد التى ساعدتهم على استكمال تعليمهم ولكنها باتت الآن مهددة بالضياع.
الأخبار المتعلقة
6 قرى أسقطها الإهمال من «العالمية» إلى خط الفقر
بنى سويف: «أبومليح» توقف تصدير «النباتات العطرية» لـ«عاصمة النور»
قنا: صناعة الخزف «ترتجف» فى «جراجوس»
«صنايعية» كفر المنشى هجروا «الأرابيسك»
الشرقية: تاريخ صناعة البردى يختفى من «قراموص»