أولاً «إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة» يؤكد رواية أن البيت وضعته الملائكة وليس سيدنا آدم، ولفظ وُضع مبنى للمجهول يوحى بأنه بُنى قبل نزول آدم، ويعنى أن حجارته كلها جاءت من السماء ومن الجنة، وضاعت الحجارة فى سيل العرم مع سيدنا نوح وبقى فقط الحجر الأسود مؤكداً رواية الرسول، صلى الله عليه وسلم، أنه حجر من الجنة ولذا نقبله.
ثانياً لماذا بُنى لسيدنا آدم؟ فلننظر سورتى التين والزيتون ونلاحظ الأقاليم النباتية الجغرافية من ساحل المتوسط بسيناء، حيث أفضل تين، ووسط سيناء أفضل زيتون، وجبال جنوب طور سيناء بلا زرع، ثم نعبر لمكة، وهذا البلد الأمين، حيث جبل عرفة، الذى عرف فيه آدم حواء، ولذا قالت الآية «لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم»، أى أحسن شكل وأحسن موعد للنزول للأرض، وزواج آدم وحواء بعد الهبوط على جبل عرفة، فهو منزل آدم، ومبعث بنى آدم فى أرض المحشر، بروفة الحج للتدريب على البعث عرايا كما ولدتنا أمهاتنا.
ثالثاً آيات البيت عديدة بنص الآية «فيه آيات بينات»، ويعنى أن غير البينات من الآيات موجودة ولا نراها أو نعرفها، وذكر فقط مقام إبراهيم «ومن دخله كان آمناً»، والأمن فى البيت وخارجه لكل من حج واعتمر، وهذا هو فضل البيت الحرام على كل بيوت الله فى بقاع الأرض، أما الآيات غير البينات فيعلمها الله فى الرزق والصحة والأمن فى الدنيا والجنة فى الآخرة، حيث تدخل الكعبة الجنة متعلقاً بأستارها سبعون ألف ألف من غير حساب، وفق رواية ثابتة عن الرسول، صلى الله عليه وسلم.
رابعاً ترتيب أهمية العبادات فى الحرم؛ أهمها الطواف، لأنها لا توجد إلا فيه، ثم القيام، ثم الاعتكاف، ثم صلاة القيام، ثم الصلاة الفريضة ركوعاً وسجوداً، قال تعالى فى سورة البقرة «طَهِّرَا بَيْتِى لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ»، وآية ٢٦ الحج «وَطَهِّرْ بَيْتِى لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ».
خامساً إن آيات بينات للحج أهمها أن دعوة الحج كُتبت من ساعة نداء سيدنا إبراهيم «وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ»، والفعل يأتوك أن الله استجاب لسيدنا إبراهيم فوراً وكتب على كل من قدر له الحج كشفاً كاملاً إلى يوم القيامة، فكل من حج فهو مكتوب فى كتاب الله منذ دعوة إبراهيم فى صحراء ليس بها أحد، ليجتمع حجيج الله باستجابة الله له فوراً، يأتوك وهم ذرارى فى ظهر آدم وظهور آبائهم والله أعلم.
الحقيقة أن اجترار التاريخ الإسلامى بوقائعه أثناء حكم الخلفاء الراشدين الأربعة، الذين قُتل ثلاثة منهم أبشع قتلة وفى حضور وحوزة الصحابة، حتى إن القتلة من الفسطاط والعراق تجمعوا حول منزل ذى النورين شهراً حتى صعدوا الجدار وقتلوه والصحابة يروحون ويغدون على منزله! ثم إن الـ٢٠٠ سنة دولة سنية لمعاوية شهدت قتل آل بيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شر قتلة، ما دفعهم للهجرة لمصر، أى ما تبقى منهم، وأن الـ٧٠٠ سنة دولة عباسية شيعية شهدت أقل منهم قتلاً وتعذيباً، ومصر الفاطمية أزهى عصور العمارة والحضارة والتقدم فلا اختزلوا التاريخ فى وقائع فردية ولا تتبعوا نعرات السنة والشيعة، فكلاهما مسلم بنص كتاب الإمام أبوزهرة وشيوخ الأزهر جميعاً، أما فتاوى التطرف السلفى التى جرت على العالم العربى والإسلامى أبشع دمار فى تاريخه فدعوها لأصحابها.
السنة والشيعة تزاوجوا على أرض مصر وتعايشوا واحتضنت مصر آل البيت دون أن تغلو بالشيعة، واحتضنت قبائل المدينة ومكة الذين هاجروا إليها دون أن تغلو بالسنة، وجاء الفاطميون بعد سنوات من قدوم آل البيت فكان انبهارهم بحب المصريين لآل البيت أكثر من الشيعة أنفسهم.
وختاماً فإن المعنى الأهم لشعيرة الحج هو الإخلاص فى الوحدانية لله والذوبان فى أصول الإسلام، فكل من الشيعة والسنة ديانة واحدة إلا الخلاف فى قشور، فهل تتوقف أبواق الحروب وتحل ترانيم السلام لديانة واحدة يختلف بعضهم فى طريقة تكريم سيدنا على واحترام الصحابة الثلاثة أبى بكر وعمر وعثمان؟.. اللهم آمين.