النجمة كوكا تكتب: زواج فى فراش المرض

كتب: الوطن

النجمة كوكا تكتب: زواج  فى فراش المرض

النجمة كوكا تكتب: زواج فى فراش المرض

كنت فى السابعة عشرة من عمرى أحب التمثيل، وأكرس كل وقتى له، وقد كنت فى ذلك الوقت أعمل فى فرقة رمسيس التى كونها الأستاذ يوسف وهبى، والتى كانت أملاً لكل فنان وفنانة فى مصر فى ذلك الوقت.

وكان حبى للتمثيل يدفعنى إلى الذهاب لمدينة رمسيس قبل أن تبدأ البروفات، وقبل أن ترفع الستارة.. نروح ونقطع الوقت -أنا والزملاء والزميلات- فى الأحاديث الفنية الممتعة. وقد وقفت ذات مرة أراقب مدرباً للرقص -وهو إنجليزى اسمه روبى- أراقبه وهو يلقن تلميذاته أصول الأكروبات والألعاب البهلوانية.

وكنت أحب هذا النوع من الرياضة، فطلبت إلى «روبى» أن يبدأ بتعليمى، فقال إننى أستطيع أن أفعل مثلما تفعل تلميذاته إن واظبت على التدريب فى البيت حتى يصبح عودى مثل أعوادهن، وراح روبى يشرح لى التمرين الأول.

وعدت إلى البيت وفى الصباح الباكر من اليوم التالى استيقظت لأعيد الحركة التى عملها روبى أمامى.. وقفت على يدى وقذفت بجسمى إلى الخلف.. وأحسست أن جسمى قد قصم نصفين، وسمعت قرقعة فى عظامى، فسقطت على الأرض وأنا أصرخ..

ولم أستطع حراكاً.. فأقبلت أمى تهرول وحملتنى إلى الفراش، واجتمعت نسوة الجيران فأشرن عليها بتدليلك السلسلة الفقرية بالزيت، وحاولت القيام بعد ساعات فلم أستطع، ولم تجد الأسرة بداً من استدعاء طبيب، وقال الطبيب إننى أصبت بشرخ فى العمود الفقرى.

كنت فى ذلك الوقت مخطوبة إلى الأستاذ نيازى مصطفى، وكان لا يترك مقعده بجوار فراشى إلا ليذهب إلى البيت فينام، ثم يعود مع الفجر، وأقبل يوماً يقول لى إن الشركة الإنجليزية التى وقعت معها عقداً على القيام بدور البطولة لأحد أفلامها -فيلم «ييريكو»- قد طلبتنى ولما أبلغها أننى مصابة فى العمود الفقرى، أبدت الشركة استعدادها لعلاجى فى إنجلترا إذا ما قبلت السفر.

وكنت فى هذه الأثناء قد تقدمت قليلاً واستطعت أن أسير ببطء وأتنقل فى حجرات البيت.

ووافقت على السفر إلى إنجلترا، فقد كان هذا أحد أحلامى وحين استطلعت السفينة كنت بحالة جيدة.

وكان أول ما فعلته حين وصلت لندن أن وصلت مع مدير الشركة إلى أحد الأطباء وفحصنى الرجل بعناية خلال ساعتين قال لى: حضرتك منين؟

فقلت له: من مصر.

قال: وجاية هنا علشان تتعالجى؟ لو كنتِ من أى بلد تانية أنا كنت هابعتك مصر عند على إبراهيم.

وملأنى الفخر بهذه الشهادة، وقلت للطبيب: ولكنى أريد أن أقوم بدورى فى الفيلم وقد لا أستطيع بسبب الإصابة.

فقال لى مطمئناً: تستطيعين أداء دورك بسهولة، لأن الحالة ليست بالخطورة التى تتصورين، ويجب أن تستمتعى بالهواء الطلق قدر الاستطاعة لأنك حين تجرين العملية ستلازمين الفراش ستة أشهر كاملة.

وودعت الطبيب، وبدأت العمل ورغم سعادتى بأننى -وأنا المصرية- أؤدى دوراً كبيراً فى فيلم أجنبى إلا أننى كنت كثيرة التفكير فى عبارة الطبيب الأخيرة.. من أننى سأمكث فى الفراش ستة أشهر.

وانتهيت من الفيلم وعدت إلى القاهرة.

ذهبت لأقابل الدكتور على إبراهيم ورحب بى يرحمه الله فرويت له ما قاله الطبيب الإنجليزى وفحصنى الطبيب النابغة وقال: «لا.. لا بد أن تمكثى فى الفراش عاماً كاملاً» ولم يكن يسعنى إلا الرضوخ، وأُجريت لى العملية ولزمت الفراش.

ولكن خطيبى الأستاذ نيازى مصطفى لم يطق صبراً وقال لى: «إحنا نتجوز وانتى فى السرير، ونفضل مرتبطين لحد ما ربنا يشفيكى».

فقلت له: وأنا أقدر له إخلاصه: «موافقون».

وسارع نيازى ليحضر المأذون، واحتفل من كان فى البيت عندنا بزواج المريضة التى لا تغادر فراشها، لأنها موضوعة فى «قالب» من الجبس السميك.

ووقعت على عقد الزواج وأنا فى فراش المرض.

إن هذه الذكريات الطيبة أحسن الذكريات التى نعتز بها أنا ونيازى، لأنها ذكرى الحب الذى أذكاه «المرض» والإخلاص الذى أذهل المأذون، وأدهش كل من سمع القصة من الأصدقاء والأقارب.. والعواذل على سواء.


مواضيع متعلقة