عمر الشريف يكتب: درس فى الحب

كتب: الوطن

عمر الشريف يكتب: درس فى الحب

عمر الشريف يكتب: درس فى الحب

أسمى أنواع الحب فى رأيى هو ما ينتهى بالزواج، وعندما ينتهى الحب إلى هذه النتيجة، تبدأ مهمة أخرى للعاشقين اللذين توّجا حبهما بالزواج، هى أن يجعلا حياتهما الزوجية منهلاً عذباً للحب ليزداد وينمو ويزدهر. تلك هى المشكلة الخالدة فى حياة المحبين، المشكلة التى عجز أكثر من تزوجوا عن حب عن إيجاد حل لها، المشكلة الخالدة وهى كيف يمدون حبهم بأسباب الحياة.

إن تجاربى قد دلت على أن المرأة إذا أحبت وهبت نفسها لحبها، وجاهدت لكى يبقى هذا الحب، ولا بد أن يأتى يوم يرتفع فيه حب الرجل إلى ذلك المستوى الذى اعتادته المرأة، إلا أن كثيرات من النسوة يتسببن بتصرفاتهن فى أن يفقد الحب حيويته وهو فى القمة. ربما خطر لإحدى الزوجات - مثلاً - أن تسأل زوجها عن حبه لها، ثم يتكرر السؤال كثيراً.. وقد تتمادى فى شكوكها فتدبر اختبارات له تمتحن بها حبه لها.. إن هذا مما يضيق به الرجال وينفرون منه.

ثم الغيرة.. لا جدال فى أنها سبب متاعب 90٪ من الرجال الذين يحبون زوجاتهم، فالمرأة بغيرتها تعذب زوجها أو خطيبها، ولكن لا بد أن يأتى اليوم الذى تثق فيه بعد أن يثبت لها ذلك، وعند هذا تبتسم لهما الحياة وتصبح سعيدة هانئة.

وعادة تكون المرأة ثائرة خلال معاناتها للغيرة، تناقش زوجها الحساب، وتغضب لأتفه الأسباب، بينما يحاول هو بروح المحب أن يعالج أسباب الثورة بهدوء، ولكنها تظل ثائرة باستمرار، فإذا فقد الرجل أعصابه حيال هذه الثورة كان حبه هو أول ضحاياه.

التقيت مرة بصديق تربطنى به صلات قوية تعود إلى أيام الدراسة، وكم كانت دهشتى عندما وجدته يسير بمفرده ولا تسير معه زوجته التى كانت تلازمه دائماً فى غدواته وروحاته، وسألته عنها فأطرق برأسه، وجلل الأسى وجهه وقال لى إنه طلقها، وزادت إجابته فى دهشتى، وأنا الذى أعرف مدى الحب الذى كان يربطهما، ولكن دهشتى لم تلبث أن زالت عندما عرفت أن صديقى قد غيّر سلوكه حيال زوجته بعد الزواج، لقد كانت تصرفاته أيام الخطبة تنطق بالحب والنبل، وكان هدفه من هذه التصرفات أن يمتلك قلب المرأة التى أحبها، وعندما تزوجها، أو بمعنى أصح عندما أصبح يملكها، فرغت تصرفاته وأصبح متقاعداً عن تقمص شخصية المحب، بعد أن أصبح زوجاً، لم يعد يدلل زوجته، ولم يعد يبادلها كلمات الحب الحلوة، وصارت حياتهما معاً مجرد روتين عادى، وشعرت الزوجة بالملل، وانتهى حبهما على صخرة الطلاق، ولهذا أنصح كل شاب يقدم على الزواج بأن يضع النصائح التالية نُصب عينيه:

- المرأة تريد من زوجها فى كل مناسبة تأكيداً على أنه يحبها وعلى أنه يقدّرها، وعلى الرجل أن يقدم لها دليل حبه فى كل مناسبة، بل يخلق المناسبات لكى يقدم لها هذا الدليل.

وصديقى الذى حدثتكم بقصته فى السطور السابقة، أخبرنى أنه سارع يطلق زوجته عندما شعر أنها أصبحت باردة، ورأيى أنه هو المسئول عن هذا البرود بعجزه عن تغذية تعطشها للحب والغزل.

ولأضرب لكم مثلاً آخر لأسرة صديقة، فتاة حالمة صغيرة، قبل الزواج من صديق لى بعد قصة حب طاهرة ربطت بينهما، وتزوجت منه وهى واثقة من أنه سيهبها كل ما تريد وتبتغى من سعادة، على أنها بدأت بعد العام الأول من الزواج تشعر بالقلق والاضطراب والخوف، ولكنها لم تفقد شجاعتها، وبحثت عن السبب فعرفت أن زوجها أصبح مشغولاً عنها بعمله، وخشيت أن يؤدى ذلك إلى هدم حياتهما الزوجية، فبدأت تصارح زوجها بما تشعر به، وحاولت من جانبها أن تعالج هذه الأسباب. إنها تثق من أن زوجها رجل مستقيم ومخلص وفيه كل ميزات الزوج الناجح، ولكن مشاغله هى التى تهدد سعادتهما، واستطاعت هى أن تغيّر من روتين الحياة الزوجية، وجعلت زوجها يشعر بشىء جديد كلما عاد إلى البيت، وبعد شهور كان الزوج يسرع من عمله عائداً إلى البيت وهو متفتح النفس وواثق من أنه سيعيش فى دفء زوجته وحنانها، ورُزقا بمولودهما الأول، وكانت الحياة بعد ذلك بينهما قصة حب جميلة رائعة، وأصبح حبهما حديث كل الأصدقاء، وهكذا استطاعت الزوجة المحبة أن تقتل الملل فى حياتهما الزوجية.

ونصيحتى لكل زوجة تشعر بالملل فى حياتها الزوجية أن تفعل الأشياء التالية:

- على المرأة أن تتودد دائماً إلى زوجها وتذكّره بأيام الحب السابقة للزواج.

- على كل زوجة أن تحاول بقدر ما تستطيع أن تجعل من زوجها عاشقاً لها لا مجرد زوج.

- أحسن الطرق لكسب حب الزوج هو أن تُشعره الزوجة باستمرار أنها راغبة فيه وعاشقة له.

- على الزوجة أن تصطحب زوجها، بمفردهما طبعاً، إلى الأماكن التى كانا يلتقيان فيها قبل الزواج، وهذا لا شك يعيد إلى ذهنه ذكريات الأيام الجميلة فيحاول أن يعيشها من جديد.

وهذا الجو العاطفى سوف يحيل الحياة فى بيت الزوجية إلى جنة مقيمة.

وأخيراً.. رب سائل يسأل: كيف تسير الحياة بينك وبين زوجتك؟

وأنا أستأذن الحبيبة فاتن فى أن أقول للقراء والقارئات بصراحة إن الحياة بيننا هى أجمل حياة بين زوجين، فما زلنا أنا وهى نعيش نفس الحياة التى كنا نعيشها أيام خطبتنا، بل إن كل يوم يمر علينا نحس فيه شيئاً جديداً يخالف ما نحس به فى الأيام السابقة، كلانا يغذى الحب بالوفاء والإخلاص والثقة، وكلانا يروى ظمأ الآخر للحب، حتى إننا لا نعرف معنى الظمأ أبداً، تلك هى الحياة.. وهذا هو فن الحب.

                                                           1960


مواضيع متعلقة