ليالى الموعودين فى رمضان

كتب: الوطن

ليالى الموعودين فى رمضان

ليالى الموعودين فى رمضان

كيف تزوجت هدى سلطان من فريد شوقى؟ قصة مثيرة ترويها هدى نفسها على صفحات مجلة الكواكب، مؤكدة أن فصولها جرت فى شهر رمضان، فى حين تنشر مجلة «كل شىء والدنيا» تقريراً شيقاً عن متاعب رجال الإذاعة فى العمل خلال الشهر الفضيل، فبرامجهم لا تنقطع طوال اليوم من الصباح حتى آخر السهرة، المذيعون ساهرون، والمهندسون يعملون، من أجل لقمة العيش، وفى نفس المجلة موضوع يتحدث كاتبه عن الخرافات والقصص التى ظهرت فى مصر عن ليالى الموعودين، سواء بالسير على مياه النيل، أو ظهور «بغلة العشر» محملة بالجواهر والذهب، أو حتى ما يعتقده الناس فى ليلة القدر، أما الممثلة الشابة زهرة العلا فتكتب مقالاً عن ضريبة الشهرة التى تسددها بحرمانها من هواياتها المحببة إلى نفسها كالسباحة واللعب فى الحدائق.

شربة البحر - بغلة العشر - بالصلاة على النبى - ليلة القدر - الماء المالح - دموع الملائكة - لقمة واحدة..

لكل خرافة -فى الغالب- أساس معقول. ولما كانت عقلية الجماهير لا تستسيغ الحقائق إلا إذا ألبستها ثوباً من الخرافات والقصص فقد ظهرت فى مصر خرافات وقصص كلها طلاوة عن ليالى الموعودين. نذكر طرفاً منها فيما يلى:

شربة البحر

والبحر هنا هو النيل. ففى كل سنة ينام النيل ليلة واحدة، فتتجمد مياهه ويصبح سطحها مبسوطاً كانبساط الرمال فى الصحراء. والموعود فى هذه الليلة هو الذى إذا جاء إلى البحر ليتوضأ مثلاً يفاجأ إذ يجد الماء أمامه جامداً يمكن السير على سطحه، فيسرع فى المسير حتى يجد مجرى ماء ضيق يمر وسط هذا البحر الجامد، فيشرب من هذا المجرى شربة قد تطول إلى ساعة لعذوبة الماء وحلاوته النادرة وبعد أن يرتوى الموعود يعود إلى داره وقد امتلأ صحة وقوة خارقة للعادة، فمن اليسير عليه أن يحمل الهرم الأكبر فى إحدى يديه ليقذف به فى الهواء ثم يلتقطه باليد الأخرى!

بغلة العشر

أما (بغلة العشر) فميعاد زيارتها دائماً فى الثلث الأول من شهر المحرم. وما أرق خيال الجماهير إذ يرى أن مستهل العام الجديد أحوج ما يكون إلى الاستمتاع بالأمانى والحظ السعيد. فبغلة العشر تظهر فى أحد الأيام العشرة الأولى من المحرم، وتمر على البيوت محملة بالجواهر والذهب وخيرات الله التى لا يحصيها إلا هو، وفوق هذه الجواهر رأس قتيل.. فإذا صادفها الموعود أسرع إلى هذا الرأس فحمله بين يديه وقبّله ووضعه فوق الأرض، ثم هجم على الجواهر والخيرات وأفرغها فى بيته، ثم استبدلها بأى شىء آخر كالتبن أو الردة أو قشر البصل، وأعاد الرأس إلى مكانه من ظهر البغلة فتنصرف إلى حالها ويتمتع صاحبنا الموعود بهذه الخيرات! ومن الطريف أن هذا الموعود يختار من الذين اتقوا وصاموا وصلوا وزكوا فى شهر رمضان.

بالصلاة على النبى

ولعله من أروع ما يعتقده العوام فى تحقيق المثل الأعلى فى تنظيم الحياة الاجتماعية التى تعب «أفلاطون» فى تنظيمها فى «جمهوريته» وتبعه فيلسوف الإسلام «الفارابى» فى «مدينته الفاضلة»، أن تنظم الخرافة هذه الحياة الاجتماعية المثالية فى صورة جميلة. إذ يعتقد العامة أن فى كل سنة تمر على الدنيا مدينة يسميها بعضهم «إرم ذات العماد» ويسميها الآخرون «المدينة» لا أكثر، وهذه المدينة لا يستطيع أن يسكنها الإنسان إلا فى المنام.

فيحلم الموعود بها فى الليلة المحددة لمرورها وكأنه يعيش فيها، فإذا مر فى طرقاتها وأسواقها ومخازنها فله أن يستولى على كل شىء يروقه من الأثاث والتحف والجواهر -مهما غلا ثمنه وعزت قيمته- «بالصلاة على النبى». فإذا صحا من حلمه وجد كل ما اشتراه «بالصلاة على النبى» ماثلاً ملموساً تحت يديه.

ليلة القدر

أما ليلة القدر فموعدها فى الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، ولهذا يكثر فيها المتعبدون فى المساجد -وبالأخص مسجدى الحسين والسيدة زينب- وهم يترقبونها كل ليلة بصبر نافد، وإن يكن الغالب أنها تظهر فى الليلة السابعة والعشرين.

ولقد جاء ذكر ليلة القدر فى القرآن الشريف، فهى الليلة التى بدئ فيها بإنزال القرآن الكريم، وقد يكون هذا هو الأساس التاريخى المعقول فى تعظيم هذه الليلة المباركة، ومن هنا تكون قيمتها التاريخية العظيمة. أما الخرافة فتلجأ إلى تعظيمها بالأسلوب الذى يلائم عقلية الجماهير، فليلة القدر تأتى كما قلنا فى العشر الأخيرة من رمضان، ففى ساعة من ساعات الليل تنفتح طاقة فى السماء يسميها العوام «طاقة القدر» وهى علامة على أن أبواب السماء قد تفتحت، فكل ما يطلب فى هذه الساعة لا يرد ولا يقف فى سبيل الدعوات حائل، وكل ما يتمناه العبد يجاب ما دامت الطاقة مفتوحة.

دموع الملائكة

ومن العلامات التى يعتمدون عليها كذلك الدموع. والمقصود بذلك أن كل من اقشعر جلده ورق قلبه ودمعت عيناه فى إحدى الليالى العشر الأخيرة من رمضان اعتقد أن ذلك من مصافحة جبريل عليه السلام. لأن جبريل لا ينزل إلا فى هذه الليلة وتنزل معه الملائكة كذلك. فمن قال فيها ثلاث مرات: «لا إله إلا الله» غفر الله له بواحدة، ونجاه بواحدة، وأدخله الجنة بواحدة، ثم تعود الملائكة، فأول من يصعد منهم جبريل حتى يصير أمام الشمس فيبسط جناحين أخضرين لا ينشرهما إلا فى تلك الساعة من تلك الليلة. ثم يدعو ملكاً ملكاً فيصعد الكل، يجتمع نور الملائكة ونور جناح جبريل عليه السلام فيقيم جبريل ومن معه من الملائكة بين الشمس وسماء الدنيا يومهم ذلك مشغولين بالدعاء والرحمة والاستغفار للمؤمنين، ولمن صام رمضان احتساباً. فإذا أمسوا دخلوا السماء الدنيا فجلسوا حلقاً حلقاً فيجتمع إليهم ملائكة السماء فيسألونهم عن رجل رجل وعن امرأة امرأة..

لقمة واحدة

وفى هذه الليلة أيضاً ينزل ملك عظيم جداً لو التقم السماوات والأرض كانت له لقمة واحدة.. ومنهم من يرى أن الذى ينزل الأرض هم خلق من خلق الله يأكلون ويلبسون ولكنهم ليسوا من الملائكة ولا من الإنس، ولعلهم خدم أهل الجنة ويعللون نزول الملائكة فى هذه الليلة بالذات برغبتهم فى الاطلاع على المعاصى، لأن المعاصى لا وجود لها فى عالم الملكوت، وليشاهدوا بأنفسهم أعمال الخير والبر التى تبدو فى شهر رمضان.

وربما كان من أغرب المعتقدات فى تعليل نزولهم إلى الأرض ما يزعمه بعضهم من أن الغاية من هذه الزيارة الاستماع إلى أنين المذنبين وإلحاح السائلين وآلام العصاة الطاغين، اعتماداً على قول ينسبونه إلى الله تعالى فى زعمهم وهو: «أنين المذنبين أحب إلىّ من زجل المسبحين».

                                               كل شىء والدنيا 1935


مواضيع متعلقة