أسرة الشهيد كريم عاشور: نزل لشراء طلبات لأخته الصغرى فعاد جثة هامدة

كتب: مها البهنساوى:

 أسرة الشهيد كريم عاشور: نزل لشراء طلبات لأخته الصغرى فعاد جثة هامدة

أسرة الشهيد كريم عاشور: نزل لشراء طلبات لأخته الصغرى فعاد جثة هامدة

فى أحد بيوت تعاونيات المقطم، منطقة قد تكون بعيدة نسبيا عن شارع 10، حيث يقع مبنى الإرشاد لتنظيم الإخوان، شباب يقفون أسفل المنزل يتحدثون إلى بعضهم وعلامات الذهول لم تفارقهم، أحدهم تدمع عيناه وهو يقول: «طب ده واحد ما كانش ليه فى السياسة ولا عمره نزل فى مظاهرة، ليه قتلوه؟»، فيرد الآخر: «هو كان لازم يربى دقنه عشان ينجو من الموت»، يذكرهم ثالث بالهداية والرشد وعدم الانسياق خلف وساوس الشيطان؛ فاليوم «كريم» أصبح شهيدا حيا عند الله يُرزق، لكن من يحتاجون الشفقة حقا هم أهله، أسرته التى كان هو عائلها، الأب مسن مصاب بالشلل، والأم مكلومة كانت تستند على ابنها البكرى لتجهيز شقيقته للزواج، والأخ الأصغر حضر مسرعا من الجيش فى إجازة استثنائية ليرى أخاه الأكبر لآخر مرة، ثم يدفنه فى صمت ويودعه الوداع الأخير.[FirstQuote] فى الطابق الثالث يقع منزل كريم عاشور حسن، الشاب العشرينى الذى لقى حتفه بعد ساعات من إصابته بطلق نارى أثناء وجوده بجوار مكتب الإرشاد، باب المنزل مفتوح لاستقبال المشيعين، الأم يميزها الناظر بمجرد الدخول، تجلس على أريكة صغيرة، علامات الاستغراب لم تفارق ملامحها، الكل حولها، تستند على ابنتها التى لم تتوقف عن البكاء، الكل يبكى، إلا الأم عيناها مثبتتان، تنظر إلى السماء من نافذة مجاورة، تتمتم بكلام وكأنها تشكو لأحد، تدخل إحدى السيدات لتعزيها: «البقاء لله»، فتنظر لها باستغراب شديد وكأنها لم تصدق بعدُ أنها ودعت فلذة كبدها، ترفض الحديث أو التصوير، ترد ابنتها: «سيبوها، اللى فيها مكفيها، هى مش بترد على حد ولا هتكلم حد». الأب لم يظهر وسط الجنازة، يشير أحد الموجودين إلى إحدى غرف شقة الشهيد كريم ويقول: «أبوه مش هيقابل حد، هو عاجز وصحته على أده، والخبر أرقده فى لحظتها بلا حركة أو كلمة، ولم يقف فى العزاء، ويكفيه أنه تلقى الخبر فجرا فسقط فى لحظتها وسط صراخ لم يتوقف إلا بعد محاولات مضنية من الجميع، ولولا تدخلنا لتهدئته أكثر من مرة وإقناعه بأنه شهيد عند ربه يرزق لما توقف عن الصراخ الذى اهتزت له جدران المنزل من شدته». الأخ الأصغر «أحمد» لم يقف فى مكان واحد، ظل مشتتا بين الأب الراقد فى حجرته، والأم التى لم تنطق بكلمة وسط المعزين، وبين تقبل واجب العزاء من أصدقاء وجيران «كريم»، وعندما تسنح له الفرصة أن يبعد عن كل ذلك، يقف على سلم المنزل مع أحد أصدقائه ويترك العنان لدموع حبسها بداخله خوفا من رد فعل أمه وأخته، رفض الحديث مع وسائل الإعلام، البعض أرجع ذلك إلى أنه لا يعلم شيئا عن الحادث لأنه كان فى تأدية الخدمة العسكرية بالجيش وعاد بعد خبر الوفاة، بينما وقف هو ليقول جملة واحدة عبّرت عمّا بداخله وعن رفضه الحديث، ردد بانفعال شديد: «هترجعولى أخويا لو اتكلمت؟ هو عند اللى خلقه وانا مؤمن بده، طب هتجيبولى حقه؟ هتجيبوا اللى قتله، اللى صفى دمه؟ هتجيبوا واحد للعدالة يقول أنا قتلت كريم وناخد حقنا منه؟». حضر رضا حسن، خال الشهيد كريم، بمجرد أن سمع كلمات «أحمد»، طلب من الجميع أن يبعد أحمد عن المكان لحين تهدئته، وطلب أن يكون الحديث معه كواحد ممن حضروا المأساة من أولها، وقال: «كريم كان نازل يجيب حاجات لأخته وللبيت، ولاجل حظه مر بشارع 10 اللى عنده مكتب الإرشاد، ما حدش فينا عرف إيه اللى حصل غير إن كريم اتأخر، بدأنا نتصل بيه نعرف هو فين لحد الساعة 12 بليل، رد علينا واحد قال ابنكم اتصاب بطلقة فى فخذه، وفى المستشفى تعالوا شوفوه، رحنا ع الفور واحنا مطمنين نسبيا؛ لأن الطلقة جت فى رجله مش فى أى مكان خطر، لكن هناك فوجئنا أن الأطباء يحاولون إسعافه بشتى الطرق؛ لأن الطلقة اخترقت فخذه اليسرى وقطعت الشريان الرئيسى للقلب، وأنه نزف أكثر من 4 لترات دم، يعنى الواد اتصفى».[SecondQuote] يمسك «رضا» بصورة ابن أخته، وهو يتذكر اللحظات الأخيرة من حياته ويقول: «من 12 بليل لحد 5 الفجر حاول الأطباء نقل الدم ليعوض ما فقده كريم، لكن الطلقة كانت مصوَّبة من مكان قريب اخترقت فخذه وخرجت من الجهة الأخرى، أى أن الشريان تهتك تماما وكان من الصعب السيطرة على الدم المفقود، مات الشاب اللى ما كملش 22 سنة، كان لسه شغال موظف فى مدرسة بعد ما خد الدبلوم، كان بيصرف على مامته وباباه واخواته، ربنا يلطف بيهم من بعده، أخته لسه طالبة وأبوه مشلول، ولا كان ليه فى السياسة ولا غيره، لكن إحنا مش هنسيب حقه وقدمنا بلاغ ضد مكتب الإرشاد ككل عشان ناخد حقه». أخبار متعلقة: "اقتلنى.. قتلى ما هيعيد دولتك تانى" والد الشهداء: الأول استشهد في "25يناير" والثانى قتله اللصوص والثالث أمام "الإرشاد" والد الشهيد أحمد: قتلت ابنى وخربت البلد.. ارحل يا مرسى أسرة وجيران الشهيد عبدالرحمن: "ربنا ينتقم منك يا مرسى" «ناردين» : شاهدتهم يقتلون الثوار.. فقتلوها شقيق «يسرى»: «قتلوا أخويا بدم بارد»