تزايدت فى الآونة الأخيرة حوادث الاعتداء على المصريين بالخارج. وقد استدعى ذلك قيام جريدة «الوطن» برصد أبرز ثمانى حالات من الاعتداء على المصريين فى الخارج، وذلك فى عددها الصادر يوم الاثنين الموافق 5 أكتوبر 2015م. وفى السابع والعشرين من أبريل 2016م، حدثت واقعة مقتل ثلاثة عشر مصرياً وإصابة ثمانية آخرين، أحدهم فى حالة حرجة. كذلك، وفى الشهر ذاته، تعرض الشاب المصرى شريف عادل ميخائيل للقتل، وذلك بعد تعذيبه وحرقه فى جراج مهجور بالعاصمة البريطانية لندن. وفى يوم السبت الموافق 30 أبريل 2016م، عُثر على جثمان المواطن المصرى محمد باهر صبحى على شريط القطار فى مدينة نابولى الإيطالية. وقد زاد الأمر عن حده بشأن الاعتداء على المصريين فى الخارج، بحيث يمكن القول إن ثمة حالات اعتداء وإهانات متعددة يتعرض لها المصريون فى الخارج، خلال الفترة الأخيرة، حتى أصبح المصريون عرضة فى كل مكان للاعتداء البدنى واللفظى.
وإزاء استمرار مسلسل الاعتداءات عليهم ينادى البعض بوجوب تدخل وزارة الخارجية والقنصليات بشتى الطرق لاسترجاع الحقوق المسلوبة من المصريين فى الخارج، حتى لا يشعر المواطن المصرى خارج بلده بالاضطهاد والعجز. وفيما يتعلق بالمواطن محمد باهر صبحى، الذى عثر عليه مقتولاً فى مدينة نابولى الإيطالية، دعا البعض إلى وجوب أن نتعامل مع إيطاليا بنفس الطريقة التى تعاملت معنا بها بعد مقتل الشاب الإيطالى جوليو ريجينى، وذلك لمعرفة ملابسات الحادث وكشفها، وعما إذا كان حادثاً سياسياً أم جنائياً.
والواقع أن المادة 88 من الدستور المصرى لعام 2014م تنص على أن «تلتزم الدولة برعاية مصالح المصريين المقيمين بالخارج، وحمايتهم وكفالة حقوقهم وحرياتهم..»، ويستفاد من هذا النص أن المشرع الدستورى يلقى التزاماً على الدولة برعاية مصالح المصريين المقيمين بالخارج وحمايتهم وكفالة حقوقهم وحرياتهم.
وبالبحث فى الآليات القانونية التى تكفل تنفيذ هذا الالتزام الدستورى، يلاحظ أن المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب الصادر بقرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 94 لسنة 2015م تنص على أنه «مع عدم الإخلال بأحكام المواد (1 و2 و3 و4) من قانون العقوبات، تسرى أحكام هذا القانون على كل من ارتكب جريمة من جرائم الإرهاب خارج مصر وذلك فى الأحوال الآتية: إذا كان من شأن الجريمة أو الهدف منها: (أ) إلحاق الضرر بأى من مواطنى مصر أو المقيمين فيها، أو بأمنها أو بأى من مصالحها أو ممتلكاتها فى الداخل أو فى الخارج، أو بمقار ومكاتب بعثاتها الدبلوماسية أو القنصلية أو مؤسساتها أو فروع مؤسساتها فى الخارج (ب) إذا كان المجنى عليه مصرياً موجوداً فى الخارج.. ».. وهكذا، وبموجب هذا النص، يقرر المشرع امتداد اختصاص القضاء الجنائى المصرى إلى الجرائم الإرهابية المرتكبة فى الخارج، متى كان من شأن الجريمة أو الهدف منها إلحاق الضرر بأى من المواطنين. وكذلك، يقرر المشرع امتداد الاختصاص إذا كان المجنى عليه مصرياً موجوداً فى الخارج. وفى ضوء هذا النص، يمكن فهم الخبر المنشور فى جريدة الأهرام يوم الأحد الموافق الأول من مايو 2016م تحت عنوان «فى حادثة مقتل وإصابة 21 مصرياً بليبيا.. النائب العام يأمر بالتحقيق فى جريمة بنى وليد».
والواقع أن نطاق تطبيق النص سالف الذكر يقتصر على الجرائم الإرهابية فقط. والمأمول هو أن يتدخل المشرع بحكم عام فى قانون العقوبات ذاته، بحيث يقرر سريان أحكام هذا القانون على الجرائم المرتكبة فى الخارج، متى كان المجنى عليه مصرياً. وقد سبق للمشرع الفرنسى أن تبنى هذا الاتجاه، وذلك بموجب المادة (113-7) من قانون العقوبات، التى تنص على أن «يسرى هذا القانون على كل جناية وكذا على كل جنحة معاقب عليها بالحبس، ترتكب بواسطة فرنسى أو أجنبى خارج إقليم الجمهورية، متى كان الضحية متمتعاً وقت ارتكاب الجريمة بالجنسية الفرنسية». وفائدة هذا النص تكمن فى تمكين الدولة من حماية رعاياها إذا تعرضوا لاعتداء إجرامى وهم فى خارج إقليمها. وتبرز أهمية هذا النص فى الوقت الحالى، حيث عمت الفوضى فى العديد من البلدان المجاورة، بحيث لا توجد سلطات عامة يمكنها تطبيق القانون على الجرائم المرتكبة فى أقاليم بعض الدول.