نقاط بمناسبة هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة:
1- في ظل واقع تسيطر على كثير من أفراده الكآبة والإحباط واليأس يأتي القرآن الكريم بشعار المعية العظيم: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا»، موقف صعب شديد، الرسول وصاحبه أبوبكر في حصار، ضاقت عليهما الأرض بما رحبت، لا يفصلهما عن الأعداء إلا جدار أهون من نسج العنكبوت، حزن وغم وكرب، شعور بالخطر بلغ ذروته، سيوف الكفار فوق رؤوسهم، فكان المَخرج «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا»، أي إذا تعرضت لموقف عصيب فلا تدخل فى نوبة من إحباط وكآبة وحزن ويأس وفقدان ثقة، بل ارفع شعار: (إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، وسيحدث لك تحوُّل هائل فى المشاعر.
2- يدخل من ضمن المهاجرين -كما قال رسول الله- رجل هاجر لمقابلة معشوقته وحبيبته ليتزوجها، «فمن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه»، فالبيان النبوي يرشدنا هنا إلى أنك إذا أردتَ أن تفعل شيئاً من أجل محبوبتك أو جماعتك أو تنظيمك أو أهدافك أو رغباتك الخاصة فأنت حر، ولكن لا تخلط أهدافك ورغباتك هذه بالإسلام، فيظن الناس أنك تخدم الإسلام، وأنت فى الحقيقة تخدم أهدافك وجماعتك وتنظيمك ورغباتك، فلا يكون الدين غطاءً شرعياً لرغبات الناس وأيديولوجياتهم.
3- استغلال البعض للتضييق والتنكيل الذي تعرّض له الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام، وفرارهم من أوطانهم، لبيان أن التضييق يقع لأهل الحق من أهل الباطل، وأن المحنة لا تكون إلا لأهل الحق، والحقيقة أن ذلك استخدام خاطئ لحادث الهجرة، فالرسول الكريم هاجر لأجل التوحيد، وليس لأجل قضايا أيديولوجية وتنظيمات خاصة، والمشركون هم الذين وضعوه في هذه المحنة، ولم يتعرض للمحنة بسبب فشله، وتخبطه، وسوء ترتيبه، وانغلاقه، وتآكل رصيده المجتمعي، وسلطوية سلوكه السياسي، واستعلائه بالإيمان، فحالة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي: (ابتلاء أعقبه نصر وتوفيق)، وهذه سنة الله مع كل صادق أمين، بخلاف حالة: (بلاء وتخبط وتسرع أعقبها هزيمة وانهيار وخذلان).
4- قبل أن يهاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم - رد الأمانات التي كانت عنده إلى أصحابها، مع أنها أمانات للكفار الذين آذوه وسبوه وأخرجوه من بلده، والمقصود من هذا التصرف العظيم، الفصل التام بين حقوق الناس وبين معتقداتهم الدينية، فكل حق أو أمانة لشخص عندك، يجب أن تردها إليه كاملة كما هي، دون النظر إلى دينه أو معتقده أو إيمانه، فالحقوق ترد للطائع والعاصي والمؤمن والكافر والملحد والمجوسي سواء بسواء.
5- كان أول عمل قام به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أسس مسجداً، وللمسجد دور عظيم، من حيث الارتقاء بالمسلم وروحه ووجدانه وسلوكه، فلا تكون صلاة المسلم مجرد ركعات يقضيها وينصرف، بل تكون أخلاقاً تسري في معاملاته، وتمنعه من الإسراف والظلم والتعالي والرشوة والخوض في الأعراض، وتكون دافعاً له لرفع قيم المودة والإخاء والعدالة، ونشر اللين والهدوء والسكينة، ذلك هو دور المسجد، أما أن يكون المسجد أداة للنزاع ونشر التزمُّت والتشدد، والتعسير على الناس في حياتهم، فكل ذلك خروجا عن أهدافه، وعن دروس الهجرة النبوية.