الحوار الوطني الأمل
من يتابع المسارات السياسية فى مصر وربما فى العالم بأسره يتحقق من كون السبب الرئيسى فى أزمات، وأحياناً فى انهيار، الدول هو انعدام الحوار، وإغلاق الأفواه بالقمع الرهيب الذى تغلغل فى العقود الأخيرة وأصاب المجتمعات بالشلل وانتشار الفساد، انتشاراً مدروساً يقوم على مبدأ «اخرس»، ومنع الاستشهاد بالآية الكريمة «اقرأ».
ومن هنا تتضح تماماً أهمية الحوار الوطنى الذى دعا إليه، بصدق، الرئيس عبدالفتاح السيسى.. وقد أكد رئيس الحكومة، الدكتور مصطفى مدبولى، بدوره، فى خطابه بمجلس النواب، على دور الحوار الوطنى المحورى الذى لا غنى عنه لكى تنفض مصر عنها غبار الصمت المتراكم، الذى كاد يقتل «المحروسة» خنقاً لولا ثورة يونيو العظيمة.. ولا أظن أن أحداً، حتى الأجيال الشابة، لم يشاهد صورة مصر قبل سطوة التيار القمعى، وكيف تقهقر وضعها المحلى والإقليمى والدولى مع حملات تكميم الأفواه.
وأضرب دائماً مثلاً ظاهراً تماماً بالاعتداء على الأراضى الزراعية، خاصة على كورنيش النيل، الذى تم بواسطة أعضاء فى المجالس المحلية لقاء رشاوى مهولة، تحت سمع وبصر الدولة، التى لم تعنَ بالتحقق عن مصادرها ومتلقيها، وأتذكر عندما عدت فى إجازة قصيرة، أواخر عام 76، بعد غياب أربع سنوات، وتوجهت إلى حلوان لزيارة أمى، وصُعقت من كمية المبانى، وكان معظمها قبيحاً، على الكورنيش، وبكيت بحرقة يومها، وأكملت البكاء عندما توجهت إلى مجمع التحرير للتصديق على تأشيرة خروجى إلى باريس، ومعى جميع الموافقات المؤسسية، حيث كنت أعمل بالمحاماة فى شركة أسمنت طرة، وإذا بالموظف يتفحص كل أوراقى ويقول لى بصفاقة: أريد شهادة ليسانس الحقوق، نزل علىّ طلبه الغريب هذا نزول الصاعقة، وقلت له بغضب إن الليسانس كان يعلق فى المنازل أيام جدى، أما أنت فلك استقالتى وموافقة الشركة ومؤسسة مواد البناء وشهادة إخلاء الطرف.. فأجاب ببرود كريه وإصرار متعالٍ أنه يريد الليسانس.. هرعت إلى اللواء المسئول عن المجمع ورويت له ما جرى، وأنا أصرخ: أنا ممكن أكون حاصلة على الليسانس ولا أعمل بالمحاماة، ولكن يستحيل أن أكون محامية بدون ليسانس الحقوق، فنظر إلىّ بحزن وكتب تأشيرة بضرورة منحى تأشيرة الخروج فوراً.
وعندما عدت إلى الطابور صرخ الموظف فى وجهى: يا ست انتى مش قلت لك هاتى الليسانس؟ أجبته بتشفٍ: اقرأ التأشيرة.. امتقع وجهه وكأننى قتلت أحد أقاربه وأعطانى التأشيرة مكرهاً.. وأنا فى طريقى إلى باب الخروج قال لى موظف بالقاعة: يا مدام كنتى حطى له عشرة جنيه فى الجواز كان اداكى التأشيرة فوراً.. انتابنى فزع عميق، وقلت له: يعنى لو أنا جاسوسة مثلاً أحط له خمسين جنيه.. هز الرجل رأسه مصدقاً على كلامى، وغادرت أنا مصر وقلبى يكاد ينفطر حزناً.. الباقى معروف، فقد تفشى الفساد بصورة مرعبة، وتغاضت الحكومات المتتالية عن التصدى له، مما أوصل الوطن إلى منعطف خطير لولا أن أنقذته ثورة 30 يونيو.
والأكيد أن الحوار الوطنى لا يشكل رادعاً للفاسدين فحسب، بل هو يضىء طريق المستقبل بمحاصرة هؤلاء وفتح الآفاق لأبناء الوطن الشرفاء المخلصين، كما أنه يشكل درعاً فولاذية ضد حملات قوى الشر لإثارة الإحباط والتشكيك التى يواصلون الترويج لها، بعدما اعتادوا صمت الدولة، ولا شك أن مواجهة المسئولين فى الحكومة الجديدة بفضح المتآمرين والمضى قدماً فى تحقيق الإنجازات على أرض الواقع وسد جميع الثغرات التى عانى منها المواطن، وفقاً لتوصيات الحوار الوطنى الذى يفتح أبوابه للجميع للاشتراك بملحوظاتهم ومقترحاتهم دون خوف، يساعد المسئولين على التوصل إلى أفضل الحلول لمواجهة السلبيات وبناء قواعد المستقبل المشرق الذى أرسى أساسه الرئيس السيسى وكلف الدكتور مدبولى بتنفيذه.. الحوار الوطنى طوق النجاة.