أوائل عام 2012 كانت مصر تعيش لحظة خاصة جداً فى تاريخها المعاصر، لحظة تبلورت خطورتها فى سؤال حول المستقبل، تردد على لسان الجميع، هو: «مصر إلى أين؟». منذ أول اجتماع ضم المجموعة المؤسسة لـ«الوطن»: مجدى الجلاد، ومحمود مسلم، وأحمد محمود، ومحمد البرغوثى، والراحل العظيم محمود الكردوسى، وعلاء الغطريفى، والعبد لله. انضم إلينا آخرون من نجوم المهنة ومبدعيها فيما بعد، وبدأنا التفكير فى الكيفية التى نصنع بها صحيفة تستطيع الإجابة عن «سؤال المستقبل»، المطروح فى الشارع المصرى، من الشارع نفسه، قناعة منا بأن المحتوى الصحفى الناجح «من القارئ وإليه». حركنا وقتها أيضاً حلم بصناعة صحيفة «مليونية» تضع قدماً فى عالم الصحافة الورقية بـ«جورنال» قادر على توزيع مليون نسخة، وتضع القدم الثانية فى عالم السوشيال ميديا، وتصل بمحتواها فى أشكال جديدة تناسب عشرات الملايين من القراء فى الفضاءات المهنية الإلكترونية.
لم يكن الطريق سهلاً، بل كان قدرنا منذ العدد الأول الذى صدر صباح يوم الأحد 29 أبريل عام 2012 هو الاشتباك، كيف لا والاشتباك كان السمة الأبرز للشارع المصرى فى ذلك الوقت، تجلى ذلك بشكل واضح فى انتخابات الرئاسة 2012، والتى مثلت الحدث الأخطر الذى كان ينتظرنا بعد أيام معدودات من الصدور. كان لدينا إصرار على تقديم «محتوى مهنى» بالأساس، بعيداً عن حالة الاستقطاب التى تسود الشارع، محتوى يحترم عقل القارئ، ويُفسح المجال لكل الأصوات لتعبر عن نفسها، وينقل بأمانة صورة التفاعلات التى تشهدها الساحة السياسية، ويجتهد فى شرح وتوضيح خلفيات هذه الصورة. لم تهدأ الأوضاع فى الشارع بعد الانتخابات، بل التهبت أكثر، حين تشكل تيار عريض رافض لأداء السلطة التى باتت جماعة الإخوان تسيطر عليها، كنا وقتها الأسبق إلى الإجابة عن «سؤال المستقبل» والأسرع إلى التنبيه بأن فشل الجماعة يكاد يكون حتمياً، وأن قادتها وضعوا أنفسهم فى مأزق حاد، يوم اندفعوا إلى مقاعد السلطة، ووضعوا شعاراتهم على المحك، وأخطرها أنهم يملكون حلاً لكل المشكلات التى تواجهها مصر، فإذا بهم بعد الوصول إلى السلطة عاجزين عن حل أى مشكلة، بل زادوا مشكلات البلاد تعقيداً.
عبر العديد من الموضوعات الحصرية استطعنا أن نحقق أرقاماً فى التوزيع لم يحققها غيرنا فى ذلك الوقت، دائماً ما كنا نفاجئ القارئ بالجديد، ليس على مستوى المعلومة وفقط، بل على مستوى المعلومة والصورة والفيديو، ولكى تتأكد بنفسك من ذلك راجع أى فيلم وثائقى أو عمل درامى يتناول الأحداث التى شهدتها مصر خلال السنوات الممتدة من 2012 إلى 2014، وستجد فيه موضوعاً صحفياً، أو صورة منشورة بالوطن الورقى، أو فيديو تم بثه على موقعنا الإلكترونى. هذا التميز وتحول صحيفتنا إلى «شاهد على العصر» وضعنا بشكل سريع على طريق الحلم، وبدأنا بالفعل نخطو نحو رقم فيه رائحة «المليون» للنسخة الورقية، وبات متابعونا على الفضاء الإلكترونى بالملايين فى أسرع وقت. وكانت الأعداد الخاصة البديعة التى أنتجناها عبر هذه السنوات علامات فارقة على طريق المهنة، وانتشر صداها فى مصر، بل وتجاوزها إلى شتى أنحاء العالم. من ينسى العدد الذى أصدرناه دفاعاً عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وواجهنا فيه بالمعلومة والرأى المتزن الصحف التى تطاولت على النبى الكريم؟
باستمرار كنا نحاول الابتكار، وكان «التطوير» بالنسبة لنا عقيدة ثابتة، تحكم رؤيتنا المهنية، وأسلوبنا فى الاشتباك مع قضايا الحاضر، والإجابة عن أسئلة المستقبل، وتقديم محتوى متفرد قادر على المنافسة، أضف إلى ذلك إفساح المجال أمام القراء للمشاركة فى صناعة المحتوى، كنا نحلل ردود أفعال القراء على المحتوى المنشور على الموقع، ونجلس مع ممثلين للقراء فى جلسات عصف ذهنى، ونجتمع بكبار موزعى النسخة الورقية، ونستفيد من نتاج ذلك فى تحديد أولويات الصحيفة والموقع. كان من الطبيعى أن يكون القارئ منطلقنا وهدفنا، ونحن الذين صدرنا فى زخم تجربة غلب فيها صوت الشعب على ما عداه.
عوامل عديدة جعلت من تجربتنا فى «الوطن» تجربة شديدة الخصوبة والتأثير، ومكَّنتنا -فى غضون أسابيع- من أن نصبح رقماً مهماً فى سوق الصحافة الورقية والإلكترونية، كان أهمها أن الجورنال امتلك دائماً طاولة إنتاج محتوى قوية، تعرف كيف تفكر وتخطط وتصنع مضموناً متفوقاً على غيره. تحية إلى رفاق أول طاولة خططت لإصدار صحيفة الوطن ورعت تجربتها لسنوات، مجدى الجلاد فارس التجارب الصحفية الناجحة، ومحمود مسلم المهنى القدير، والمبدع الفنان أحمد محمود، والمثقف الكبير وصاحب الأفكار المهنية اللامعة محمد البرغوثى، والمهنى المتطور المجتهد علاء الغطريفى.. وتحية إلى روح المبدع الكبير الأستاذ محمود الكردوسى.