مصر - فلسطين من التاريخ إلى الحاضر

لينا مظلوم

لينا مظلوم

كاتب صحفي

منذ ارتباط مصر الوثيق بالقضية الفلسطينية عام 1948، نأت بنفسها عن ممارسات المزايدة، بل حتى وصل الأمر بالبعض إلى المتاجرة ورفع شعارات زائفة استثمرتها أطراف مشبوهة -تحديداً جماعة الإخوان المنحلة- بهدف خداع الوعى الشعبى العام، ولو كان الثمن المتاجرة بالقضية التى ارتبطت تاريخياً بالضمير والوجدان العربى.

دعم مصر التاريخى لم يعرف الخطابات الإنشائية، وإنما ارتبط بتضحيات بدماء أغلى رجال القوات المسلحة الذين استُشهدوا دفاعاً عن القضية الفلسطينية، بل ما زال التاريخ يذكر مجموعات المدنيين الذين التحقوا عام 1948 وبعدها بالكتائب التى شكّلتها المقاومة الفلسطينية، وحاربوا واستُشهدوا على أرض فلسطين.

موقف مصر واضح بعد نصر أكتوبر 1973، حين ربطت المسار التفاوضى المصرى - الإسرائيلى مع شرط تفاوض مع الطرف الفلسطينى سعياً لإحداث انفراجة فى القضية.

مصر هى صاحبة المبادرة الأولى، مع كل احتدام للصراع الفلسطينى - الإسرائيلى.

يبدأ دور المفاوض المصرى تحت ظروف تفرض أقصى درجات الصبر والحكمة والاحتواء.. دور اضطلعت به مصر عبر التاريخ.

تتّجه كل مساعيها إلى التهدئة بدليل أن مصر وقيادتها السياسية وأجهزتها الأمنية والدبلوماسية أصبحت مقصداً لكبار مسئولى الدول العربية والغربية.

منذ 7 أكتوبر الماضى لم تنقطع لقاءات واتصالات الرئيس عبدالفتاح السيسى برؤساء وقادة دول العالم ولم تهدأ التحرّكات الأمنية والدبلوماسية.

حشدت مصر أكبر حجم من المساعدات الإنسانية والطبية على معبر رفح الذى لم يغلق لحظة منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى.

مصر أقامت مخيّمات داخل الأراضى الفلسطينية ومستشفيات داخل الحدود المصرية لاستقبال حالات لا حصر لها من ضحايا الاعتداءات الوحشية الإسرائيلية.

لم يتأخر الرئيس عبدالفتاح السيسى -أمام التعنّت الإسرائيلى- فى استخدام جميع أوراق الضغط لإيصال الدعم الإنسانى والطبى، كما حدث عند منع الجانب الإسرائيلى مرور هذه الشاحنات إلى سكان قطاع غزة من معبر رفح، مما دفع مصر إلى وضع شرط مرور الشاحنات مقابل السماح بعبور الأجانب والفلسطينيين من حاملى الجنسيات الأجنبية وممثلى السفارات الأجنبية.. وهو ما حدث فعلاً.

على الصعيد السياسى، لم يتأخر الشارع المصرى فى الخروج إلى الشوارع تعبيراً عن التأييد لثوابت أعلنها الرئيس السيسى لصالح القضية الفلسطينية.. «لن نسمح بأى انتهاك للحدود المصرية، لن نسمح بتصفية القضية الفلسطينية أو تهجير الشعب الفلسطينى من أرضه، لن نقف صامتين أمام أى انتهاك لاتفاقية السلام من الجانب الإسرائيلى».

ثوابت تحقّقت على أرض الواقع، ثم أمام جنون التحدى والمغامرة من طرف الكيان الصهيونى باجتياح رفح واحتلال الجزء الفلسطينى من المعبر، قامت مصر بإجراء تصعيدى يحمل رسائل دبلوماسية تتّسم بالمزيد من «الخشونة» بانضمامها إلى دولة جنوب أفريقيا فى الدعوى المقامة أمام محكمة العدل الدولية وشهدت مجموعة أكاذيب أطلقها جانب الدفاع عن إسرائيل ضد مصر حول معبر رفح، الذى نقلت جميع وكالات الأنباء العالمية مشاهد تؤكد استعداديته لعبور شاحنات المساعدات دون توقف.

انضمام مصر يعكس تطوراً مهماً فى الدعوى لما لمصر من ثقل عربى ودولى، مع ارتباطها بعد نصر أكتوبر 73 بمعاهدة سلام.. هى الآن تذهب إلى المحكمة الدولية مؤكدة للمجتمع الدولى ضرورة إعادة حساباته باتخاذ مواقف أكثر جدية وحزماً لوقف وحشية الانتهاكات الصهيونية وجرائم الإبادة الجماعية التى تمارس بحق الشعب الفلسطينى.. وما قد يحمله هذا التحدى للإرادة الدولية من تهديد لأمن واستقرار المنطقة.

إشارات هذا التحول الدبلوماسى بين مصر وإسرائيل جاءت مؤكدة لعدة رسائل تحذير وجّهتها مصر، تحمل إنذاراً شديد اللهجة إلى الجانب الإسرائيلى من تبعات جنون التصعيد الذى تمارسه فى تحدٍّ سافر لكل المواقف الدولية الرافضة لهذا التصعيد، مما قد يُهدد أيضاً الاتفاقات السياسية بين مصر وإسرائيل، وبالتالى سيدفع باقى الدول العربية إلى اتخاذ مواقف مماثلة.

أخيراً هذه مجرد أمثلة من التاريخ والواقع على فاعلية وتأثير الدعم المصرى للقضية الفلسطينية التى أخذت مصر على عاتقها تحمل الدور الأكبر فى الدفاع عنها.