أنا باكره إسرائيل.. وبحب فلسطين

تظل القضية الفلسطينية وإعادة الحق الفلسطينى ضمن أولويات مصر دائماً، ويشهد التاريخ أن مصر كانت فى صدارة الدول المدافعة عن فلسطين منذ حرب ١٩٤٨.. وكانت وراء قرار الجامعة العربية بعدم منح أى فلسطينى لاجئ للدول العربية جنسية مغايرة لجنسيته للحفاظ على الهوية الفلسطينية أملاً فى عودة اللاجئين لوطنهم الأم.

مواقف مصر تجاه فلسطين لا يتسع لكتابتها كتب ومجلدات، وكانت تفعل ذلك دائماً بالفطرة من منطلق عروبتها، وهذه السياسة المنحازة دائماً وأبداً للحق الفلسطينى.. انتهجها الملك فاروق ثم الرئيس الراحل عبدالناصر ومن بعده الزعيم الشهيد أنور السادات بطل الحرب والسلام، والرئيس حسنى مبارك رحمه الله.. ويطبقها الآن الرئيس عبدالفتاح السيسى.

وأنا أحاول أن أجتر مواقف مصر تجاه فلسطين ترددت أن أبدأ من أول النضال أو من النقطة الراهنة، وأتصور أن بيان الخارجية المصرية الذى صدر أمس الأول هو بمثابة إنذار لإسرائيل لصالح فلسطين، فقد تضمن أن مصر تعتزم الانضمام إلى جنوب أفريقيا فى دعواها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، واتهامها بارتكاب حرب إبادة ضد الفلسطينيين المدنيين.

وقالت مصر فى بيانها إنها اتخذت هذا القرار بعد تفاقم حدة ونطاق الاعتداءات الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين فى قطاع غزة، وإمعان إسرائيل فى اقتراف ممارسات ممنهجة ضد أبناء الشعب الفلسطينى من استهداف مباشر للمدنيين وتدمير البنية التحتية فى القطاع، ودفع الفلسطينيين للنزوح والتهجير خارج أرضهم، مما أدى إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة أدت إلى خلق ظروف غير قابلة للحياة فى قطاع غزة، فى انتهاك صارخ لأحكام القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، واتفاقية جنيف الرابعة لعام ١٩٤٩ بشأن حماية الأشخاص المدنيين فى وقت الحرب.

وإسرائيل تعلم تمام العلم مدى قدرة مصر على إدارة الدعاوى القضائية، لأنها لا تنسى كيف انتزعنا حقنا فى طابا، وقت أن حاولت التحايل لسلب طابا، والمماطلة لعدم إعادتها.

وهذه الخطوة لن تثنى عزم وإصرار مصر فى السعى كوسيط للتوصل إلى هدنة لوقف حرب الإبادة وإنقاذ الفلسطينيين. ولن تجعلها تيأس من الإلحاح لإدخال المساعدات الإنسانية والطبية لأهل غزة، الذين يموتون من الجوع والعطش وانعدام العلاج والأدوية.

الاتصالات مستمرة على مستوى رئيس الجمهورية والخارجية، ومندوبى مصر فى المنظمات الدولية، للعمل على وقف الحرب وإدخال المساعدات، والضغط على الجانب الإسرائيلى، للتوصل إلى اتفاق والالتزام بحل الدولتين.

ولن ينسى العالم أن مصر كانت أول من نبّه إلى خطورة المخطط الذى تسعى لتنفيذه إسرائيل عن طريق التهجير القسرى للفلسطينيين، وإعادة احتلال غزة. ويقدر العالم الدور المصرى فى السعى لنزع فتيل اشتعال حرب شاملة فى المنطقة، جراء التهور والحماقة التى ترتكبها إسرائيل فى الأراضى المحتلة، وبخاصة ما تقوم به حالياً فى رفح المكتظة بأكثر من مليون ونصف المليون نسمة، وأنها كانت وراء الضغط الأمريكى ومنع أمريكا مد إسرائيل بشحنة القنابل الذكية.

نعم هناك استفزازات إسرائيلية لمشاعر المصريين لما يحدث من انتهاكات فى غزة الفلسطينية المحتلة، لكننا لن نجر لمعركة يحددها أو يريدها العدو، بل إننا من يحدد زمن ومكان المعركة. فمصر قادرة -وهم يعلمون- على ردع كل من تسول له نفسه المساس بأمنها أو شعبها أو ذرة هواء أو حبة رمل أو قطرة مياه فى أرضها.

مواقف مصر الثابتة لم تتغير ولم تتزعزع فى المطالبة بعودة الفلسطينيين إلى أراضيهم وإقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشرقية، ويتذكر الفلسطينيون أن الرئيس الشهيد أنور السادات أصر على وضع كرسى وعلم لفلسطين أثناء محادثات السلام فى مينا هاوس، ويتذكرون كلماته أمام الكنيست عن فلسطين عندما قال: «إننى لم أجئ إليكم لكى أعقد اتفاقاً منفرداً بين مصر وإسرائيل. ليس هذا وارداً فى سياسة مصر، فليست المشكلة هى مصر وإسرائيل، وأى سلام منفرد بين مصر وإسرائيل، أو بين أية دولة من دول المواجهة وإسرائيل، فإنه لن يقيم السلام الدائم العادل فى المنطقة كلها، بل أكثر من ذلك، فإنه حتى لو تحقق السلام بين دول المواجهة كلها وإسرائيل، بغير حل عادل للمشكلة الفلسطينية، فإن ذلك لن يحقق أبداً قيام السلام الدائم العادل، الذى يلح العالم كله اليوم عليه».

وسيتذكر الفلسطينيون أن الرئيس السيسى أول من دعا إلى مؤتمر دولى فى مصر بعد اندلاع الحرب فى غزة قبل مائتى يوم وحذر من مغبة استمرارها، وشرح خطورة السيناريوهات التى تحدث الآن.

مصر قيادة وحكومة وشعباً تقف بجانب الفلسطينيين وقضيتهم، ولن يتخلوا عنهم أبداً، كما لم يتخلوا عنهم من قبل. العالم كله الآن يعرف أن إسرائيل عدو للسلام، واسمع كل أحرار العالم فى الشوارع والميادين والجامعات يرددون بكل اللغات «بنكره إسرائيل ومتضامنين مع الفلسطينيين».