«الخط العربي».. فن يجسد اللغة الوطنية ويحمي الهوية عبر التاريخ

كتب: أحمد ماهر أبوالنصر

«الخط العربي».. فن يجسد اللغة الوطنية ويحمي الهوية عبر التاريخ

«الخط العربي».. فن يجسد اللغة الوطنية ويحمي الهوية عبر التاريخ

فى عام 1922 قرر الملك فؤاد إنشاء مدرسة متخصصة لتعليم الطلاب والوافدين أسس وقواعد كتابة الخط العربى بأنواعه المختلفة، وتم إلحاقها بمدرسة خليل أغا الثانوية لتبدأ من هنا أولى خطوات المدرسة على أرض الواقع، حتى جاء عام 1935 وانتقلت تبعيتها لوزارة المعارف بعد أن كانت تابعة للأوقاف الملكية بأمر إنشاء الملك فاروق.

ونصت لائحة وزارة المعارف، «التربية والتعليم» لاحقاً، على أن المدرسة تختص بتحسين الخطوط العربية بكافة أنواعها وما يتصل بها من فنون، وأوصت بضرورة إحياء المدرسة ومحاولة نشر فكرتها فى باقى الدول، ضمن جهود محمد على فى مرحلة بناء دولة حديثة قوية لها خط خاص بها يميزها عن غيرها ويعبّر عن ثقافتها فى فترة كانت تركيا تحارب فيها الخط العربى وتحاول تهميشه، لكن مصر أبت أن يضيع الخط العربى وقررت رفع لوائه، وواكب هذا إعلان استقلال مصر، ومن هنا كان الخط العربى هو الفن المعبّر عن اللغة الوطنية خلال مرحلة الاستقلال.

«عزب»: لائحة «خليل أغا» أوصت بنشر فكرتها في باقي الدول ضمن جهود محمد علي لبناء دولة قوية 

ونجحت مدرسة خليل أغا للخط العربى فى إعطاء صورة مختلفة عن تعليم الخط العربى، والتحق بها عدد كبير من الرواد الذين أثَّروا بعد ذلك فى جماعة اللغة العربية وحافظوا على فنون الخط العربى من الاندثار.

وهنا يؤكد الدكتور خالد عزب، المتخصص فى التاريخ الإسلامى، أن المدرسة استدعت عدداً كبيراً من الخطاطين فى مرحلة لاحقة لنشر الخط العربى على أوسع نطاق ومزجه بالثقافات المختلفة وتزيين المنشآت المعمارية بإبداعاتهم: «كان لا بد من نشر الخط العربى فى الأقطار التابعة للدولة العثمانية وغيرها، وده بيفسر سبب دعوة خطاطين من إيران مثل محمد على البجنوردى الشهير بالصخرة ويُعتبر أهم خطاط فى العالم الإسلامى وكانت له إبداعات عظيمة، ولم يكن الإيرانى الوحيد الذى جاء لمصر فى تلك الفترة، حيث جاء أيضاً خاورى، والتحق مباشرة بديوان الحكومة المصرية، وبعض الوثائق تؤكد أنه كتب العديد من نصوص النياشين ونصوص البردة فى جامع محمد على وجامع البوصيرى بالإسكندرية فكانت من أروع ما خلَّفه لنا بخط النستعليق».

المزج بين الفن التركي والمصري والإيراني

بعد فترة من الاعتماد على خطاطين من تركيا على غرار عمالقة الخط الإيرانى، تم المزج بين الفن التركى والمصرى والإيرانى، وكان أمين أزميرى الذى جاء عام 1835 من أبرز الأسماء التركية التى جاءت إلى مصر، وكانت له إبداعات عديدة فى كتابة آيات قرآنية بخط الثلث بمداخل مسجد محمد على بجانب أسماء الخلفاء الراشدين داخل المسجد: «من أشهر لوحاته (الإخلاص) التى كتبها على شكل دائرة ثم كون من الحروف القائمة فى السورة نجمة ثمانية تتوسط التكوين، بخلاف دعاء مكتوب باللغة التركية على شكل دائرة، كل حروف البداية فيها مشتركة مع بعضها».

يشير «عزب» إلى أن تميُّز الخط العربى لم يستمر طويلاً بسبب اللغة التركية التى كانت لغة فئة كبيرة من الطبقة الحاكمة فى مصر، وبعد فترة من الاحتلال الفرنسى لمصر تغلغلت الفرنسية وكان هناك عدد من الخطاطين البارزين مثل عبدالله زهدى، فلسطينى الأصل، من سلالة الصحابى تميم الدارى، والذى هاجرت أسرته إلى تركيا وتعلم الخط العربى هناك، قبل أن يأتى لمصر فى عهد الخديو إسماعيل الذى كان يعرفه جيداً ويقدّره وأطلق عليه لقب خطاط مصر الأول، لينفذ «زهدى» بعد ذلك العديد من الأعمال الفنية البديعة ويكتب فى المدارس والمساجد بخطوط أبهرت الجميع، وكان له دور كبير فى تخريج العديد من الخطاطين البارعين وكتب نسخة كاملة من المصحف الشريف.

وكان أيضاً من بين أشهر وأمهر الخطاطين فى مصر محمد زاده، شيخ الخطاطين المصريين، الذى اشتُهر برسالته «الميزان المألوف فى وضع الكلمات والحروف» التى تمت طباعتها بتعليمات مباشرة من على مبارك وتوزيعها على طلاب المدارس، وكتب نسخة من مخطوط دلائل الخيرات. وكتب «زاده» مع محمد جعفر على قبر والدة الخديو توفيق، وكان قد برز من تلاميذه عدد من الخطاطين الذين جوّدوا الخط، ومن شدة براعتهم تم اختيارهم مدرسين لمدرسة تحسين الخطوط عقب تأسيسها مباشرة: «بخلاف من سبق ذكرهم هناك الشيخ مصطفى صالح الغر الذى درس الخط فى الأزهر وكان له دور مهم فى اكتشاف سيد إبراهيم الذى أصبح فيما بعد أحد أبرز الخطاطين فى القرن العشرين». من بين الأسماء الشهيرة التى لعبت دوراً مهماً فى تطور فن الخط العربى، بحسب الدكتور خالد عزب، مصطفى غزلان الذى أخذ خطى النسخ والثلث عن الشيخ مصطفى الغر، وأخذ خط الرقعة عن الأستاذ محمود ناجى، وبسبب براعته التحق بالقصر الملكى فى عهد السلطان حسين كامل، وتعلم الخط الديوانى إلى جانب أنه أخذ الخط الريحانى عن محمود شكرى وأصبح خطاط فؤاد الأول.

نجح «غزلان» فى تجديد الخط الديوانى ونُسب بعدها إليه، وزين قاعة المائدة فى قصر عابدين بالآيات القرآنية، وكتب «مونوجرام» للمك فؤاد بالخط الديوانى، وأُسندت إليه كتابة خطوط كسوة الكعبة فى سنة 1937: «محمد حسنى كان من ضمن مشاهير الخط العربى برضه وبسبب موهبته قررت أسرته إلحاقه بمدرسة تحسين الخطوط الملكية».

مرحلة الإحياء والتجديد من بين المراحل المهمة التى شهدها تاريخ الخط العربى وكان بها رواد نجحوا فى حفر أسمائهم بين العظماء، وتمثل تلك المرحلة ذروة المدرسة المصرية المعاصرة فى فن الخط العربى، وكان من بين الخطاطين ذائعى الصيت حينها الخطاط يوسف أحمد الذى يُعد باعث الخط الكوفى فى العصر الحديث.


مواضيع متعلقة