مدرسون: الخط مفتاح الحضارة.. وجماله يَسُرّ الناظرين إذا كتبه أهل الاختصاص

كتب: أحمد ماهر أبوالنصر

   مدرسون: الخط مفتاح الحضارة.. وجماله يَسُرّ الناظرين إذا كتبه أهل الاختصاص

  مدرسون: الخط مفتاح الحضارة.. وجماله يَسُرّ الناظرين إذا كتبه أهل الاختصاص

يعمل فى مدرسة خليل أغا للخط العربى العديد من رواد الخط العربى، جميعهم يدركون جيداً أن الخط هو مفتاح الحفاظ على الحضارة، لا توجد أمة بدون خط يعبّر عنها، ولكن ربما ما يميز الخط العربى كونه يمتاز بعدة شروط ومقومات تجعله يسر الناظرين، وخاصة إن كان من يكتب هم أهل التخصص أى الطلاب الحاصلون على درجة التخصص فى الخط العربى، الأمر الذى يؤهلهم للكتابة الاحترافية الجمالية.

داخل المدرسة كان المدرسون مندمجين مع طلابهم، يحاولون إخراج فنون الإبداع من هؤلاء الشباب الذين جاءوا لتعلم الخط العربى داخل واحدة من أعرق مدارس الخط العربى كى يصبحوا فيما بعد سلاح المواجهة الأول لاستمرار الخط العربى بأنوعه المختلفة بعد تراجعه بشدة بسبب التكنولوجيا الحديثة وبرامجها التى جعلت الكثيرين يستغنون عن الورقة والقلم ومن ثم تراجع الخط العربى كثيراً.

بحسب الأساتذة فإن الخط العربى يُعرّف بأنه نمط من أنماط الكتابة المتعددة، يُستخدم منذ القدم، يعبّر بدقة عن مراحل تطور العالم الإسلامى، ولهذا يحتل مكانة مميزة بين الفنون فى العالم الإسلامى، فهو وسيلة يمكن من خلالها التعبير عن اللغة العربية، ومن هنا جاءت أهمية تطويره كى يتمكن من التعبير الصادق عن التراث الإسلامى، حيث بدأت أهميته مع أول نسخة مكتوبة من القرآن الكريم بواسطة زيد بن ثابت، ومن تلك المرحلة بدأ الخطاطون فى كتابة الحروف بأشكال جمالية حتى تم استخدام تلك الأحرف فى تزيين القصور والمساجد.

«شبل»: نعلِّم الفن لعشاقه دون النظر للعائد المادي ويكفينا فخراً حَمْل لوائه والحفاظ عليه

تطور بعد ذلك الخط العربى، بحسب محمد شبل أستاذ الخط العربى بمدرسة خليل أغا، وساهم ذلك التطور فى إبراز جمال حروف اللغة العربية، حتى جاءت لحظة فارقة فى التاريخ الإسلامى وهى كتابة المصاحف، حيث كان يتم الاعتماد فى ذلك على الخط الكوفى الذى يخلو من النقاط، ويُعتبر أقدم خط متعارف عليه، واستُخدم فى كتابة القرآن الكريم لمدة خمسة قرون، لأنه يمتاز باستقامة حروفه، ورغم صعوبة الخط الكوفى فإنه استُخدم لفترة طويلة، ليظهر بعد ذلك خط النسخ وسُمِّى بذلك لكونه يُستخدم فى نسخ المراسلات: «بعد 300 سنة بدأ يظهر خط النسخ وكان أوضح من الكوفى، ورغم مرور كل هذه السنين وكثرة أنواع الخطوط فإنه ظل منتشراً حتى الآن».

بدأ الإسلام فى الانتشار، وهنا قام الفرس بمحاولة دمج الأحرف الأبجدية العربية مع الفارسية، وزادت أهمية هذا النوع من الخطوط، كونه نال مكانة مميزة فى الشعارات واللافتات: «من بين أهم الخطوط المستخدمة حتى الآن الخط الديوانى، وهو خط كان يُستخدم خلال العهد العثمانى، وهو خالٍ من أى نوع من الزخارف، وكان أيضاً صعب القراءة كحال الخط الكوفى، ووضع قواعده الخطاط إبراهيم منيف، وكانت له أهمية كبيرة فى كتابة دواوين الحكومة العثمانية وكان شائع الاستخدام فى المراسلات الخاصة الملكية».

وقبل ظهور خط النسخ ظهر العديد من أنواع من الخط العربى، يُكمل شبل حديثه موضحاً أن خط النسخ قاوم التغيرات التى طرأت على المجتمعات منذ ظهوره وتمكّن من البقاء حتى الآن: «من أحسن الخطوط، وله دور مهم فى إظهار أناقة الحروف العربية، وكان مزدهراً جداً فى العصر العباسى لأن حركة الترجمة وقتها كانت قوية، وطبعاً من مميزاته أنه ليِّن ويمكن إطالة حروفه، وكذلك سهل لأى كان أن يقرأ الحروف المكتوبة بخط النسخ».

من بين أنواع الخط العربى المميزة، بحسب «شبل»، خط الرقعة الذى يُعد أسهل أنواع الخطوط للمبتدئين، ويمكن لأى شخص تعلُّمه بسهولة إذا ما تمكن الدارس من إتقان حروف النون والعين والباء والألف، وله مميزات عديدة إلى جانب سهولته، فهو أيضاً سريع ولا يتطلب التشكيل، ويتم استخدامه فى مساحات قليلة: «أصعب أنواع الخطوط الثلث، واللى ظهر فى القرن الرابع الهجرى، وكان بيُستخدم فى تزيين المساجد وعناوين الكتب والصحف»، وتلا خط الثلث ظهور خط جديد جمع بين خطى النسخ والثلث، وكانت له استخدامات محددة من قبَل الخلفاء عند التوقيع على الأوراق الرسمية.

مميزات عديدة للخط العربى جعلته من بين أهم الخطوط فى العالم، من بينها كونه قابلاً للكتابة على هيئة أشكال هندسية إلى جانب إمكانية استخدامه فى تزيين المساجد وتحلية المخطوطات أيضاً: «زمان مدارس الخط العربى ماكانش فيها مكان للطلاب من كثرة الطلب عليها علشان كان تعلم الخط العربى بمثابة وظيفة مرموقة من خلالها سهل تحصل على وظيفة، كان عصر قوى من الناحية المادية للخطاطين لأن كان فيه اعتماد كبير على الخطاط فى كل مكان، عكس دلوقتى الناحية المادية تكاد تكون منعدمة وده دورنا الأصيل فى دعم الخط العربى لحد ما يرجع لسابق عهده».

«فهد»: المدرسة ما زالت تحتفظ ببريقها رغم مرور قرن على تأسيسها

يُمسك بطرف الحديث أحمد فهد، مدرس الخط، ويقول إن احتفال المدرسة بالمئوية يُعد من الأمور المميزة التى أدخلت السرور على قلبه لكونه أتيح له حضور هذا الحدث الفريد، مشيراً إلى أن المدرسة كانت تتبع الأوقاف الملكية، وكانت مدرسة مزدهرة خلال تلك الفترة بشكل كبير: «الطلاب كانوا بيستلموا الورق مطبوع بختم الملكية، والريشة كانت بتتصنع بره ويتكتب عليها اسم الحكومة لحظة تسليمها للطلاب، وهى الأولى فى العالم العربى بعد إغلاق مدرسة الخط العربى فى تركيا».

بعد إغلاق مدرسة الخط بتركيا استقدم الملك فؤاد الخطاط التركى عزيز الرفاعى كى يكتب المصحف الشريف له ويزخرفه، وأمر بعدها مباشرة بتأسيس مدرسة مصرية للخط العربى: «كان شايف إنه لا بد من وجود خط يعبّر عن اللغة العربية فى مصر واستفاد من خطاطين إيران وتركيا».

قديماً لم تكن المدرسة تقبل غير الخطاطين لكون هدفها هو تخريج فنان متكامل، والآن بعد مرور قرن من الزمان ما زالت المدرسة تحتفظ ببريقها: «الطالب بيدرس 5 خطوط أساسية وهى النسخ والثلث والفارسى والديوانى والرقعة، والخط الكوفى خلال مرحلة التخصص».


مواضيع متعلقة