«النصر للتصدير والاستيراد».. سلة غذاء الدول الأفريقية

«النصر للتصدير والاستيراد».. سلة غذاء الدول الأفريقية
أكثر من ستين عاماً قضتها شركة «النصر» للتصدير والاستيراد، داخل أكثر من خمس وثلاثين دولة أفريقية وعربية وأوروبية، منذ أن أنشأها الضابط المصرى محمد غانم فى عام 1958، لتكون ذراعاً لمصر فى دول أفريقيا، وجزءاً من القوة الناعمة لتنفيذ سياسة مصر الخارجية عبر مساعدة الدول الأفريقية اقتصادياً وسياسياً واستخباراتياً، خلال فترة حكم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.
بدأت الشركة عملها برأسمال لا يتعدى الـ25 ألف جنيه فى 25 دولة أفريقية وعربية، توسّعت بعد ذلك لتتخطى الثلاثين فرعاً، فتحقق أرباحاً خيالية خلال سنوات قليلة من إنشائها، حيث بدأت فى تصدير المنتجات المصرية التى تحتاجها دول أفريقيا من منسوجات وحديد وأسمنت وماكينات زراعية ومشروبات ومأكولات معلّبة، وكانت تستورد الشاى والأخشاب والمنتجات الخام من الدول الأفريقية، وتقوم بتصنيعها، وحينما صدرت قوانين التأميم فى عام 1961، رفعت الحكومة رأسمال الشركة إلى مليون جنيه، وتوسّع نشاطها فى التصدير والاستيراد، حسب رواية محمد غانم نفسه فى أحد الحوارات الصحفية.[FirstQuote]
بدأت الشركة بثلاثة فروع تم افتتاحها فى دول غانا وغينيا ونيجيريا، حتى تساند وتثبّت حركات التحرُّر الاستعمارية، وفى كل دولة تحصل على الاستقلال، كانت الشركة تؤسس فرعاً جديداً لنفسها بمنشآت ضخمة تجذب انتباه المواطنين، لدرجة أن هذه المبانى أصبحت بعد فترة من المعالم الرئيسية لعواصم بعض الدول الأفريقية، وأصبحت هذه الفروع تسهل مهام جميع الهيئات والمؤسسات المصرية التى تريد العمل فى أفريقيا، حيث أدخلت شركة «المقاولون العرب» للاستثمار فى دول كثيرة، وشكّلت دعماً قوياً لها.
بعد رحيل «عبدالناصر»، بدأت الشركة فى تقليص بعض فروعها فى الدول القريبة من بعضها، حتى لا تحقق خسائر، وتستمر فى حصد أرباح، لتُبقى على توازنها الاستثمارى، أغلقت الشركة ما يقرُب من ستة فروع، ليتبقى سبعة عشر فرعاً فى دول أفريقية، وخمسة فروع فى الدول العربية، وفرع ضخم فى باريس بفرنسا، أشهر الدول التى ضمّت فروعاً فى أفريقيا هى نيجيريا وساحل العاج والسنغال والكاميرون وتوجو وبنين والكونغو وكينيا وأوغندا وزامبيا وزيمبابوى وأفريقيا الوسطى وبوروندى والنيجر».
«28 شارع طلعت حرب بوسط المدينة». مبنى زجاجى ضخم مكون من عدة طوابق، تجتمع فيه الإدارة الرئيسية لشركة «النصر» للتصدير والاستيراد، التى ما زالت تمارس عملها حتى اليوم فى التصدير والاستيراد إلى الدول الأفريقية والعربية.
داخل مكتبه الأنيق الذى يُبرز معالم تاريخ المكان، يجلس اللواء أمين يحيى، رئيس مجلس إدارة الشركة، التى تحولت إلى قطاع الأعمال، يجتمع برجال شركته، ويتابع فروع الشركة فى الدول المختلفة، يؤكد الرجل الأول فى الشركة أنه عازم مع كل المخلصين من أبناء الشركة على عودة دورها الرئيسى فى دعم الاقتصاد المصرى الخارجى.[SecondQuote]
ممرات داخل الدور الرابع تؤدى إلى جميع قطاعات الشركة المختلفة، وإدارة الفروع فى مكتب آخر، يجلس عارف عبدالقادر زكى الرجل السبعينى الذى قضى 44 عاماً يعمل فى فروع الشركة المختلفة فى الدول الأفريقية والعربية، ويعمل الآن مستشاراً لقطاع الفروع الخارجية التابعة لشركة «النصر» والتصدير، ويحفظ جميع فروع الشركة عن ظهر قلب، كما يعلم عن أفريقيا الكثير، لأنه تولى رئاسة عدة فروع فى الدول الأفريقية خلال عمله على مدار الأربعة عقود الماضية.
يتذكر «عارف» جيداً سنوات الازدهار التى شاهدها فى بداية الشركة، منذ أن التحق بها فى عام 1969، بعد تخرجه فى كلية الزراعة، يقول: «كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ذكياً فى التعامل مع الدول الأفريقية، كان يتعامل معهم بمبدأ تجارى «eat now.. pay later».. بمعنى أنه كان يعطى للدول الأفريقية الغذاء والاحتياجات التى يطلبونها، ولا ينتظر منهم أن يسددوا سريعاً، وفى بعض الأحيان كان الرئيس يطلب إعدام الديون التى كانت على بعض الدول الأفريقية».
يقول «عارف» عن قوة الشركة فى عهد «عبدالناصر»: «كانت الشركة تمتلك 5 مراكب تخدم غرب وشرق أفريقيا، كانت تحمل منتجاتنا المصرية إلى أعماق أفريقيا، كانت المراكب تحمل منتجات من شركة إدفينا والمحلة والأسمنت والحديد وإطارات السيارات والبطاريات، والكثير من المنتجات الأخرى، وكانت تعود المراكب إلى مصر بالمواد الخام لتستخدمها فى الصناعة، كالأخشاب والكاكاو والبن والشاى، لأن هذه الدول لم تكن تستطيع تصنيع هذه المواد، ولم يتوقف نشاط الشركة على الدور الاقتصادى فقط، بل لعب دوراً سياسياً واجتماعياً، وكانت الشركة سبباً فى الدعم السياسى لمصر فى الدول التى كانت موجودة فيها، وأسهمت فى إتمام بعض المهام السياسية التى كانت تكلّف بها».
يواصل «عارف»: «بعد وفاة (ناصر)، استقال محمد غانم وبدأ توجه الرئيس السادات إلى أمريكا والغرب، وغض الطرف عن الدول الأفريقية، وتحول نشاط الشركة إلى الاقتصاد فقط، ولم يصبح لها أى دور سياسى، وأغلقت بعض الفروع، ومع مرور الوقت جاء الرئيس الأسبق مبارك، بسياسة الخصخصة وتحويل شركات القطاع العام إلى شركات قطاع الأعمال، وصدر قانون 2003 لعام 1992، وخرجت بعض القيادات ورؤساء الفروع بدول أفريقيا من أبناء الشركة، بسبب بلوغ سن المعاش، وأثّر ذلك كثيراً، لأنهم كانوا على علاقات طيبة برؤساء الدول الأفريقية، وبدأ تنافس القطاع الخاص مع قطاع الأعمال، ولم تعد شركة (النصر) هى الشركة الوحيدة التى تصدّر وتستورد من الدول الأفريقية والعربية، ودخلت بعض شركات القطاع الخاص وشركات أجنبية، وأصبحت المنافسة شرسة، وأثّر ذلك على قوة الشركة، ورغم ذلك، فإن الشركة تحقق أرباحاً يتم توزيع جزء منها على العاملين بالشركة، وأصبح عدد الفروع فى الدول الأفريقية 17 فرعاً فى ساحل العاج والنيجر والسنغال وتوجو والكونغو والكونغو الديمقراطية وبوروندى وأفريقيا الوسطى والكاميرون، وكينيا وأوغندا وتنزانيا وزامبيا وزيمبابوى وغانا ونيجيريا، وفى الدول العربية 5 فروع فى الكويت والأردن ولبنان وسوريا والسودان، وفى أوروبا فرع باريس، كما أن هناك دراسات لفتح بعض الفروع الأخرى فى بعض الدول الأفريقية».
ملف خاص
مصر وأفريقيا العودة إلى الجذور
«الجمعية الأفريقية».. مصنع الزعماء فى قلب القاهرة**
«الكراكات المصرية».. عملاق القارة يغرق فى بحر الديون
معاهد مصر العسكرية تستقبل طلاب القارة السمراء
«المصرية للتنمية» تنظم دورات تدريبية فى الزراعة والصحة والتعليم
معهد البحوث والدراسات.. نافذة طلاب مصر على القارة
«البعوث الإسلامية».. آلة الأزهر العملاقة لتخريج السفراء
أحمد حجاج: على الحكومة إنشاء قناة خاصة بأفريقيا لمناقشة مشاكلها