ياسر رزق.. الكاتب الذي عاش في جلباب أبيه

كتب: سيد المليجي

ياسر رزق.. الكاتب الذي عاش في جلباب أبيه

ياسر رزق.. الكاتب الذي عاش في جلباب أبيه

«أبو صوير» المدينة التي شهدت ميلاد الكاتب الصحفي ياسر رزق، عام 1965، كانت بيوتها قبل سكانها تمتلئ بالحكايات عن والده فتحي رزق، باعتباره البطل الذي لم يغادر موطنه وقت الشدة، فهو واحد من أقدم وأمهر المراسلين العسكريين، ويومياته مع معارك العبور تحولت بعد رحيله إلى كتاب أصدرته الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2011 تحت عنوان  «جسر على قناة السويس»، استجابة لتوصية من مؤتمر أدباء القناة وسيناء.

كان ياسر رزق يفتخر بتاريخ والده ومهنته، لم يتعامل مع الصحافة باعتبارها «جلباب أبي»، بل كان يراها المنبر الذي أتاح لوالده أن ينقل للناس الصفحات المضيئة من تاريخ حرب أكتوبر عام 1973، واختار أن يسير على نفس الدرب، وهو القرار ذاته الذي اتخذه شقيقه الكاتب الصحفي خالد رزق، وكلاهما عمل في «الأخبار» التي شارك والدهما في تعزيز مكانتها وقدرها المهني.

ليالي ياسر رزق في المدينة الجامعية

التحق ياسر رزق بكلية الإعلام في جامعة القاهرة عام 1982، وكان واحدا من نجوم دفعته، وكان عادلا في توزيع محبته واحترامه للجميع، يسبقهم في كل نشاط جامعي، ويجمعهم في غرفته بالمدينة الجامعية ليلا، وكان أكثرهم نهما للعمل الصحفي، والمغامرة في سبيل الحصول على المعلومات، لذا لم ينتظر التخرج، والتحق بالعمل في أخبار اليوم بعد عامه الأول في الجامعة، لتمضي سنواته الأربع سريعا، ويحصل علي شهادة التخرج عام 1986.

أول مغامرات ياسر رزق في فلسطين المحتلة

تسرب عشق الصحافة إلى مخيلته منذ كان صغيرا، يشاهد والده يقضي الساعات ليسجل ما حصل عليه من معلومات، ويحولها إلى قصة صحفية يرويها المئات من بعده، وأدرك أنه لأبد وأن يكون مغامرا، ليصنع حكايته.

في صباح أول أيام يوليو من عام 1994 كان رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، ياسر عرفات «أبو عمار» يقطع المسافة من القاهرة إلى العريش تمهيدا لعبور الحدود المصرية إلى قطاع غزة، وفي الثالثة بعد ظهر ذلك اليوم، كان «عرفات» يقبل أرض الوطن على الجانب الآخر بعد 27 عاما من الغياب، بعد أن جاءت رحلة العودة وفق إطار اتفاق «أوسلو» الموقع عام 1993.

كان «عرفات» يقف في ساحة الجندي المجهول بقطاع غزة، لتحية من احتشدوا لاستقباله، وبالقرب منه وقف الصحفي الشاب «ياسر رزق»، الذي كان من بين من قرروا مرافقة الزعيم الفلسطيني، وتوثيق لحظات عودته، إضافة إلى رغبته الشخصية في زيارة الأراضي المحتلة.. ليشاهد فصلا مهما من القضية التي دافع عنها دون أن يرى شعبها أو يلمس أرضها.

تسرب الصحفي الشاب من بين الجموع، وقرر أن يلتقط مجموعة من الصور لهذا الحدث، وسرعان ما اختفى عن الأنظار، ليخوض مغامرته الخاصة في اكتشاف خبايا القضية الأولى للعرب.

أحزان زوجة و4 أبناء

40 عاما عاشها عاشق الصحافة متنقلا بين أروقة صاحبة الجلالة، لم يتوقف خلالها نهمه للمعلومات، ورغبته في توثيق الأحداث، لذا لم يكن غريبا أن تكون إطلالته الأخيرة بمناسبة صدور كتابه الأول «سنوات الخماسين» وهو الجزء الأول من ثلاثية قرر أن يؤرخ خلالها رحلة الجمهورية الجديدة.

لكن قلبه الذي تحمل فوق طاقته من أعباء المهنة.. لم يعد يقوى على الصمود، 4 أزمات قلبية في آخر 10 أيام، ولم تفلح محاولة الأصدقاء والأهل في إقناعه بالاستسلام لنصائح الأطباء.

دخل ياسر رزق المستشفى في محاولة لإنقاذ قلبه المنهك بتركيب دعامة، لكن القدر لم يمنحه سوى مشهد وداع يجمع أبناءه الثلاثة «باسل وعمر وأحمد» وشقيقتهما «مايان»، الأربعة تربوا بين أحضانه، رغم أنه يعترف بالتقصير في حقهم بسبب الصحافة، فبقدر حبه لهذا المهنة، لكنه يراها سرقت من حياته العائلية تفاصيل كثيرة، لقد شعر خلال العام الماضي أن أبناءه كبروا فجأة، «مايان» تزوجت، و«عمر» أنهى دراسته الجامعية، «وباسل» يدرس الهندسة، و«أحمد» ينتظر دوره في اللحاق بالجامعة، أما الزوجة.. فهي الكاتبة الصحفية أماني ضرغام، مدير تحرير الأخبار، وأهم حكاية في حياة عاشق الصحافة، لأن بطلتها كانت أفضل سند دعم حلمه وطموحه طوال سنوات عمله.

التهمة التي أزعجت ياسر رزق.. أهلاوي

مغامرات ياسر رزق مع الصحافة والسياسة كثيرة، فمثلما دفعه الطموح المهني لعبور الأرض المحتلة، دفعه الشغف المهني بالاقتراب من دوائر السلطة، ولم يشغله ما يطاله من تهم، كان دائما يؤمنه بأن دور الصحفي أن يبحث عن المعلومات.. في أي مكان وفي كل وقت.. لأن هناك قارئ ينتظره.

لم تزعجه التهم المنسوبة له زورا، لكن تهمة واحدة أزعجته، وتسببت في تحطيم سيارته، وقتها  كان يجلس في منزل والده بالإسماعيلية، يخطط لرحلة العودة إلى القاهرة، بعد نهاية مباراة كرة القدم بين الإسماعيلي والأهلي، في مايو 2019، كان حزينا، لخسارة الدراويش، لم يصدق أن يرتضي اللاعبون بالبقاء في المركز الـ13، بينما يحتل الشياطين الحمر الصدارة.

لم تتوقف أحزانه عند هذا الحد، فبعد دقائق قليلة تسربت إلى مسامعه أصوات جماهير الكرة الغاضبة، كانوا يجوبون الشوارع القريبة، وبعد ثوان معدودة كانوا يقفون أمام منزله، ويحطمون سيارته التي تحمل أرقاما قاهرية، فقرر الخروج لمواجهة الحشد الغاضب، لكنه تراجع لأنه يعرف طبيعة جمهور كرة القدم.. وخاصة محبي الدراويش، ومضت دقائق قليلة، استقبل بعدها مكالمة من مسؤول بالمحافظة.. يعتذر له عما بدر من ألترس الإسماعيلي، ويبلغه أنه سيرسل من يصلح السيارة، فرد عليه ضاحكا.. «كويس أنها جات في عربيتي.. هم فاكريني أهلاوي.. ده أنا اللي اكتشفت الإسماعيلية»، وتبادل بعدها الضحك مع محدثه.


مواضيع متعلقة