موكب المومياوات.. رحلة إلى المستقبل

موكب المومياوات.. رحلة إلى المستقبل
حلمٌ طال انتظاره بافتتاح متحف يجمع حضارات مصر المتعاقبة آلافاً من السنين التى علمت العالم الفن والفكر والعلم والثقافة، وهو متحف للحضارة يقام ببقعة تتوسط معالم الحضارات الباقية بالفسطاط، وها هو الحلم يتحول لحقيقة والخيال يصبح واقعاً بافتتاح ضخم يشهده العالم عبر ٤٠٠ قناة ومنصة إلكترونية تنتظر بشغف ملوك الماضى العظيم فى مسيرتهم نحو المستقبل بموكب يضم ١٨ ملكاً و٤ ملكات سطروا أسماءهم فى كتاب التاريخ بحروف من نور. فمن رمسيس الثانى، صاحب أقدم معاهدة سلام فى التاريخ إلى «تحتمس الثالث»، أعظم قائد حربى فى مصر الفرعونية لـ«سقنن رع» قائد الحرب ضد الهكسوس والعظيمات «حتشبسوت» و«أحمس نفرتارى» و«تى» وغيرهم فى موكب ملكى يتحرك وسط هالة من نور تحملهم فى رحلة يتوّجها لقاء يجمع مجد الماضى لملوك مصر القديمة بأمل المستقبل، الرئيس عبدالفتاح السيسى، صانع مصر الجديدة فى احتفالية سيقف فيها العالم تقديراً وإعجاباً وإجلالاً لشعب كان وما زال يشع نوراً وعلماً وحضارة ويعلّم العالم.
مصر تعيد كتابة التاريخ: احتفالية بـ«ملابس فرعونية» تنقلها 400 قناة
يترقب العالم، غدا، نقل 22 من ملوك «مصر الفرعونية» وقادتها العسكريين وبناة حضارتها لمرقدهم الجديد بقاعة أعدت خصيصاً بالمتحف القومى للحضارة لتليق بهم، وكأنها اقتطعت من مقابرهم بالبر الغربى بالأقصر لتنقلهم لحياتهم الأبدية فى احتفالية ستجوب شوارع القاهرة من المتحف المصرى مروراً بمسلة التحرير، التى تلتقى بصاحبها رمسيس الثانى للمرة الأولى، يلقون تحية على النيل رفيق حضارتهم الذى سيطروا عليه وعاشوا على ضفافه، وصولاً لمتحف الحضارة، حيث تلتقى حضارة الماضى بأمل المستقبل.
وقال الدكتور أحمد غنيم، المدير التنفيذى لهيئة المتحف القومى للحضارة، إنه «مع الضوء الأخير لشمس الغد، سيبدأ موكب المومياوات الملكية رحلته من موقعه بالمتحف المصرى بميدان التحرير وسيودع بإطلاق الأعيرة النارية، وستتضمن الاحتفالية الافتتاح الرسمى لأعمال تطوير ميدان التحرير، حيث سيمر الموكب بداخل الميدان على شكل عربات فرعونية، على كل واحدة منها اسم ملك من ملوك الفراعنة بالعربية والهيروغليفية والإنجليزية، تتقدمها فرق الموسيقى العسكرية المرتدية للملابس الفرعونية، بمشاركة عدد من العروض يشارك بها أطفال وشباب بعروض وموسيقى مستوحاة من الحضارة الفرعونية». وأضاف «غنيم»، فى تصريحات له، أنه «كما انتشر شعاع نور مصر للعالم سيشع ميدان التحرير بأضواء الليزر فى تشكيلات خلابة، بينما ستقوم الكشافات بإضاءة السماء بأسماء ملوك الفراعنة لتنطلق رحلتهم إلى متحف الحضارة، وهناك سيكون الاحتفال الكبير، ومن المقرر أن يستقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى وعدد من الشخصيات الدولية موكب الملوك داخل المتحف، حيث ستقام احتفالية ضخمة بقيادة المايسترو نادر عباسى، وبالتزامن سيقوم عدد من الفنانين بتقديم رسالة للعالم بلغات مختلفة ومن مواقع أثرية مختلفة، فمن الأهرامات لمعبد الأقصر والكرنك وحتشبسوت، فى رسالة ستنقلها على الهواء 400 قناة تليفزيونية حول العالم»، مختتماً: «فى محطتهم ما قبل الأخيرة سيستقر الملوك بين أيدى المرممين، حيث ستتم ملاءمة درجة حرارتهم مع البيئة الجديدة طبقاً للإجراءات العلمية، حيث ستدخل للمعامل لإجراء عمليات العزل والحفظ النيتروجينى لمدة 14 يوماً، لذا لن تكون باستطاعة الجمهور مشاهدة المومياوات قبلها».
«إسماعيل»: ابتكرنا كبسولة لحفظ المومياوات وجمعنا رمسيس السادس من 187 قطعة
وعن الإجراءات المتبعة لنقل المومياوات، قال الدكتور مصطفى إسماعيل، مدير معمل ومخزن المومياوات بمتحف الحضارة، إن «النقل سيتم بوضع المومياوات على حوامل من معدن تم تصنيعها فى أمريكا حتى لا تتفاعل مع جسد المومياء، ثم ستنقل فى كبسولات معزولة نيتروجينياً بدرجة حرارة ورطوبة حتى لا تنفجر المومياء»، مضيفاً أنه «بعد وضع الحامل وعليه المومياء بداخل كبسولة صنعناها بالكامل، وتعد ابتكاراً علمياً مصرياً، سيتم وضعها داخل صندوق خشبى معالج ضد الاهتزاز، الذى تتم بداخله عملية التغليف، لضمان ثبات درجة الحرارة والرطوبة والغاز الخامل». وأشار «إسماعيل» إلى أنه «سيتم استخدام أجود الخامات فى العالم، وهى جميعها مواد خاملة كيميائياً، لضمان عدم تفاعلها مع المومياء، وهو ما كان يحدث من قبل، ويتسبب فى تفتت المومياء أو تسببها فى ضرر للجلد أو الدعامات الداخلية للمومياء أثناء عملية النقل، وحتى وصولها ووضعها بداخل فتارين العرض المجهزة بداخل متحف الحضارة وهى خالية من الأكسجين».
وعن مواصفات «كبسولة النيتروجين»، أكد أنها «عبارة عن غاز خامل، والجهاز يفصل النيتروجين عن الهواء، وستوفر نقاء كاملاً حول المومياء يقينا شر ما كان يحدث من قبل الابتكار حتى لا تتأثر المومياء بأى عوامل بيئية، وهذا الغاز نستطيع أن نتحكم فيه وتكون درجة حرارته مركزة، بحيث تكون المومياء بداخل الكبسولة الخاصة بها فى حفظ تام، إضافة إلى وجود وحدات اتزان خارجية تتحكم فى الحركة الرأسية والأفقية، بحيث تكون فى النهاية ثابتة، ويضم المتحف مركزاً لترميم الآثار مجهزاً بأحدث الأجهزة العلمية للفحوص والتحاليل الخاصة بالآثار، كما يعد هو المتحف الوحيد فى مصر الذى يحتوى على جهاز الكربون المشع (C14) ومعمل لـ(DNA)».
وعن عمليات الترميم التى سبقت نقل المومياوات، قال «إسماعيل» إن «الموضوع لم يكن بالسهل، حيث كنا سنجرى محاكاة لكل مومياء بصناعة مستنسخ لها، واختبارات على النسخة للتأكد أن المواد المستخدمة لا تؤثر على طبقاتها المختلفة من الجلوتين لمواد الترميم للتدعيمات الداخلية»، مضيفاً أن «كل تلك الخطوات تتكرر مع كل مومياء نظراً لأن كلاً منها تحتاج لتعامل خاص، وأخذت منا مرحلة الدراسة 18 شهراً، ودرسنا فيها كل صغيرة وكبيرة وكان أمامنا العديد من التحديات، أولها أن لكل مومياء معاملة خاصة حسب عمرها وحالتها، وحتى طريقة تحنيطها، فلكل مومياء طريقة ومواد تحنيط خاصة تحتاج لمعاملة مختلفة»، وتابع أن «ثانى التحديات أننا نتعامل مع مومياوات لملوك مصر من صنعوا الحضارة التى نتباهى بها، وهى فى النهاية أجساد عضوية قابلة للتحلل والتفتت، لذا تحتاج لحرص شديد ومعاملة خاصة، وكانت أصعب المومياوات فى ترميمها مومياء الملك رمسيس السادس، التى وصلت لنا فى 187 قطعة متهالكة منذ اكتشافها، وهى المومياء التى استغرقنا فيها فترة طويلة من الدراسات والأبحاث والتجميع لنضع كل قطعة فى محلها، وللمرة الأولى فى التاريخ ستعرض المومياء مكتملة للجمهور».
وقالت الدكتورة سحر سليم، أستاذ الأشعة بجامعة القاهرة، وعضو لجنة العرض المتحفى بمتحف الحضارة، إن «المومياوات خضعت قبل ترميمها لفحص دقيق بأيادٍ مصرية خالصة، بدأناها منذ سنوات بمشروع ضخم لفحص المومياوات الملكية، حيث انتهى حتى الآن فحص 40 مومياء ملكية، ما يسهم فى إنهاء كل ما يتعلق بالمسيرة من رفع ونقل وعرض، وأيضاً ما يخص كل مومياء من تاريخها وما عانت منه فى حياتها من أمراض وجروح وإصابات وما تشير إليه، وحتى طريقة تحنيطها، وكيف تمت؟ وهل رممت بعد ذلك أم لا؟». وأشارت «سحر» إلى أننا «استطعنا بدراسات مصرية خالصة اكتشاف ما لم يفصح عنه المصرى القديم، وحاول علماء كثر الوصول لسر التحنيط، فاكتشفنا أن المحنِّط القديم كان يطور من نفسه، ومن أساليب التحنيط والمواد المستخدمة، حتى إننا اكتشفنا أنه وصل لعمليات التجميل للمومياوات بمواد عاشت لآلاف السنين، واستطاعت حفظ وجوه الملوك دون تشقق أو انكماش لآلاف السنين، كما اكتشفنا أسرار الملك رمسيس الثالث، ومؤامرة الحريم التى اقتصر ذكرها فى البرديات على وجود مؤامرة ضد الملك، وبالفحص والأشعة عرفنا أنه تعرض للضرب بـ(بلطة) قطعت قدمه.
«الداخلية» تعلن حالة الطوارئ القصوى لتأمين عملية النقل
وأعلنت وزارة الداخلية حالة الطوارئ بالمناطق التى ستشهد عملية نقل المومياوات الملكية، فيما أعلنت إدارة مترو الأنفاق عدم وقوف أى قطارات بمحطة السادات اليوم من الساعة 12 ظهراً حتى 9 مساءً، وذلك بسبب موكب نقل المومياوات، وأن حركة مسير القطارات بجميع المحطات ستكون منتظمة، باستثناء محطة السادات.
المومياوات الملكية
نقل 22 من ملوك مصر الفرعونية وقادتها العسكريين إلى متحف الحضارة
منهم 18 ملكاً من عصور الأسرات الـ17 و18 و19 و20
منهم 9 مومياوات عثر عليها فى خبيئة الدير البحرى
منهم 9 مومياوات عثر عليها فى خبيئة وادى الملوك
4 ملكات حكمن مصر الفرعونية
أبرز مومياوات الملوك: رمسيس الثانى، ستى الأول, تى، أمنحتب الثالث، الملك تحتمس الرابع، أمنحتب الثانى، تحتمس الثالث، حتشبسوت، تحتمس الثانى، تحتمس الأول، مريت، أحمس نفرتارى، سقنن رع تاعا
4000 قناة ومنصة إلكترونية تتابع الحدث
متحف الحضارة: هنا بدأ النور
وسط منطقة تاريخية تجمع بين حصن بابليون ومجمع الأديان، وبإطلالة ساحرة على قلعة صلاح الدين، صرح عملاق يستقبل زوّاره بقبّة هرمية ضخمة وهريمات متوازية فى مبنى ذى تصميم متفرد للمعمارى الدكتور الغزالى قصيبة، أستاذ العمارة بكلية الفنون الجميلة، وكأنه هرم مصر الرابع «المتحف القومى للحضارة المصرية»، الذى يستعد لافتتاح مرتقب يُتوَّج بموكب المومياوات الملكية، ويحقق حلماً طال انتظاره منذ وضع حجر أساس المتحف الذى تبلغ مساحته 2570 متراً قبل 20 عاماً، وتم التخطيط كى يكون أول متحف من نوعه يجمع حضارات مصر المتعاقبة فى سيناريو عرض يبدأ حين بدأت مصر تطلق نور حضارتها للعالم قبل أن يبدأ التأريخ.
«هنا بدأت الحضارة، ومنها انطلقت لتمد يدها بالثقافة والعلوم والطب والفلك والفنون لحضارات العالم التى تدين بالفضل لمصر»، هكذا قال الدكتور محمود مبروك، مستشار وزير السياحة والآثار لشئون العرض المتحفى، المشرف على العرض المتحفى لمتحف الحضارة، وأضاف أن سيناريو العرض المتحفى للمتحف القومى للحضارة يعتمد على التسلسل التاريخى للأحداث والفترات الحضارية لكل قطعة، من أدوات الصيد التى استخدمها المصرى القديم، وأقدم ساعة فى التاريخ، مروراً بالطراز المعمارى والتراث الشعبى فى فترات مهمة من تاريخ مصر، وصولاً إلى عرض أكبر كسوة للكعبة التى تُعتبر آخر ما تمت صناعته بدار الكسوة بمصر حين كانت كسوة الكعبة تُصنع فى مصر ويتم نقلها إلى الحجاز، وصولاً إلى أعمال فنانين مصريين معاصرين.
وقال: «لأن فنانينا هم همزة الوصل بين الماضى والحاضر، سنعرض تمثالاً أو اثنين وخطابات بخط اليد للنحات الكبير محمود مختار حصلنا عليها من الدكتور عماد أبوغازى، إضافة إلى بعض أعمال أشهر الخزافين المصريين منهم الفنان سعيد الصدر، والدكتور طه حسين ونبيل درويش، وعدة قطع للفنان محمد مندور»، وأضاف مستشار الوزير: كما نخصص فترينة لعرض تجربة المهندسين حسن فتحى ورمسيس ويصا واصف المعمارية لأنهما من أصحاب التجارب الفريدة، فالاثنان لديهما اتفاق كبير وفكرة واحدة فى رؤيتهما المعمارية.
«مبروك»: يضم أول وأقدم ساعة في التاريخ عرفها المصري القديم.. وعدداً من أدوات الزراعة
وعن مفاجآت العرض قال «مبروك»: «سننتقل من العرض المتحفى المباشر إلى أسلوب يعتمد على عرض موضوع كامل، وليس قطعاً منفردة خاصة بكل حقبة زمنية، وهى الفكرة الأساسية التى تأسس عليها أسلوب العرض، ليكون مختلفاً عن باقى المتاحف الأخرى، ولكن على مستوى القطع نستطيع القول إنه سيُعرض أول وأقدم ساعة فى التاريخ عرفها المصرى القديم، وأول ساعة مائية، وأخرى شمسية، ودرج لمعرفة المواقيت وعدد من أدوات الزراعة لقياس المسافات والأراضى والمساحات لتحدد حدود الجار، كما نعرض أول مقياس للنيل الذى كان يحدد ارتفاع نهر النيل، فقد كان المسئول عن الإنذار وقت الفيضان، وتكريماً للمرأة تُعرض قطعة متميزة لأقدم ملكة فى التاريخ الملكة (حتب حرس) على هيئة أبوالهول بجسد أسد ورأس امرأة».
ولا يقتصر المتحف على قاعات العرض، بل يضم المتحف أبنية خدمية، وتجارية، وترفيهية، ومركزاً بحثياً لعلوم المواد القديمة والترميم، كما سيكون المتحف مقراً لاستضافة مجموعة متنوعة من الفعاليات، كعروض الأفلام، والمؤتمرات، والمحاضرات، والأنشطة الثقافية.