صيام زائف وآخر صحى وثالث حقيقى.. رمضان بين الجدران

كتب: الوطن

صيام زائف وآخر صحى وثالث حقيقى.. رمضان بين الجدران

صيام زائف وآخر صحى وثالث حقيقى.. رمضان بين الجدران

رمضان أنواع فى بيوت الطبقة الهاى لايف، منهم من يفطر الشهر كله ويتخذ من الصائمين مادة للسخرية، ومنهم من يتبع نظاماً غذائياً معيناً خلال الشهر الكريم مع عدم صيامه، ومنهم من يصوم بالفعل ويرتب مقرئاً للقرآن ومؤذناً يرفع الأذان من داخل القصور والفيلات، تعرض مجلة «كل شىء والدنيا» حال أبناء هذه الطبقة فى تقرير صحفى نُشر عام 1935، وتقص النجمة الراحلة كوكا قصة طريفة عن إصابتها بشرخ فى العمود الفقرى، ألزمها الفراش لعام كامل، تزوجت خلاله بالمخرج نيازى مصطفى وهى على فراش المرض، وتنشر مجلة الكواكب عام 1954 مجموعة من الأخبار السريعة أبرزها أن شقة فاتن حمامة الجديدة تكلفت 3 آلاف جنيه، وحسين رياض أجّل أداءه فريضة الحج للعام المقبل.

أمر أثريائنا:

سادة وسيدات شباناً وفتيات - غريب غاية الغرابة فى شهر رمضان، فبينما ترى بعضهم ينسون -أو يتناسون- حلول رمضان ويتبعون نظامهم العادى فى مواعيد طعامهم ونومهم وقيامهم، ترى البعض الآخر يتقيدون بمواعيد رمضان ويطبقون نظمه ولو أنهم غير صائمين، وغير هؤلاء وأولئك قليلون يتعلقون بأهداب رمضان ويتخذون منه موسماً للعبادة وفترة للتوبة والاستغفار فيصومون ويصلون ويتصدقون.

فئة يا فاطر رمضان

أو قل هم المستهترون.. فهم يعلنون إفطارهم فى تبجح وجرأة ويباهون به وينتقدون الصائمين ويتخذونهم هدفاً لتهكمهم واستخفافهم.. أولئك المستهترون من الهاى لايف تراهم فى القصور والأمكنة العامة، وبين الحشد الكثير، مثل ميدان السباق، وقد تصاعد الدخان من سجائرهم أو تدلى السيجار من بين شفاههم، وتزاحموا على «البوفيه» و«سندوتش الجانبون» وقد يقول بعضهم: «هاتها يا.. ». ومما يستوجب أشد الأسف أن بين هؤلاء شخصيات بارزة.

الصيام علاج

والفئة الثانية من الهاى لايف هى التى تطبق نظم رمضان وتساير مواعيد رمضان ولكن فى غير صيام، وهم لا يعرفون رمضان إلا على أنه شهر النقه من مرض الشره والتدقيق فى تقليل كمية الطعام.

أولئك يجوعون أنفسهم ويقللون من وجباتهم ويفرطون فى التدخين نهاراً وليلاً إتماماً للفائدة، لأن التدخين يفقد الشهية وهم يحرصون الحرص كله على تقليد الصائمين. فهم يجلسون إلى المائدة قبيل المدفع ويرهفون آذانهم لسماع الأذان.. فهم لذلك ممثلون، أو إن شئت فقل إنهم يتسلون.

فئة الصائمين

أما الفئة الثالثة -فئة الصائمين والصائمات من الهاى لايف - فعددهم قليل جداً.. وهم يؤدون فرائض رمضان خير الأداء، ولكن من الإنصاف أن نقول إنهم يرخون لأنفسهم العنان فى غير رمضان، ولكن فى رمضان يطهرون أنفسهم ويصومون ويصلون ويتصدقون ويتخذون شهر الصيام مدرسة لتهذيب النفوس ورياضة الأجسام.

برنامج طريف

وبرنامج الهاى لايف فى رمضان طريف جداً، فهم يسهرون مع الصائمين حتى الساعة الثالثة، ويقومون فى الحادية عشرة أو الثانية عشرة فيتناولون طعام الإفطار على عادتهم، ثم يقوم رجال الأعمال منهم -وهم قليلون- لأداء أعمالهم، أما الباقون وهم الأكثرية فيبدأون «التريقة» على عباد الله الصائمين بالتليفون، وأكثر ما يكون ذلك بين السيدات والأوانس، ثم تنتهى «التريقة» بالاتفاق على سهرة الليلة: فإما سينما وإما حفلة فلانة، وإما «برتيتة» الكونكان أو البردج عند فلانة وهكذا..

فإذا اقترب موعد الإفطار سارعوا إلى طلب «السلطات» وأصدروا الأوامر للطهاة بإعداد المدمس، وراحوا يشتهون ما يشتهى الصائم وينتظرون المدفع ليفطروا كما يفطر الصائمون.

ثم تسود بعد الإفطار فترة سكوت ويقومون بعدها للبس والتأنق ويستمر الواحد أو الواحدة منهم نحو الساعة أو الساعتين أحياناً فى عمل «التواليت» و«المانكير» وتسريح الشعر إلخ.. ثم يخرجون: الرجل لزيارة صديقه والسيدة لصديقتها ومن ثم إلى السينما أو الحفلة أو.... أو... إلخ.. فإذا حان موعد السحور تسحروا بما لذ وطاب ثم ناموا كما ينام الصائمون.

ليالى رمضان

وفى ميدان التقوى يتسابق المتسابقون فصاحب السعادة حفنى الطرزى باشا يختار أحسن المقرئين ويكون عادة الشيخ على محمود، ويعين من أول الشهر مؤذناً يؤذن فى العصر والمغرب والعشاء ويؤم قصره بشارع الملكة نازلى كل يوم جمع من الأصدقاء، وتعد للفقراء والمعوزين كل ليلة موائد للإفطار والسحور.

ويتبع نفس هذا النظام سعادة أحمد مصطفى عمرو باشا، حتى إنك لترى ساعة المغرب بجوار قصره تجاه القصر العينى جمعاً غفيراً من الفقراء. هذا فضلاً عن الرواتب والتعيينات التى يتصدق بها سعادته على بعض المعوزين فى بيوتهم.

أما آل عبدالرازق فتجد قصرهم فى رمضان أشبه بصحن من صحون الأزهر يؤمه العلماء ورجال الدين فيتسامرون ويتباحثون وكثيراً ما يدعى إلى قصرهم بعض الأجانب ليتعرفوا ناحية من نواحى فرائض الدين الإسلامى وحكمة التشريع، وللقصر باب خلفى لتوزيع أرغفة العيش واللحم على أكبر عدد ممكن من المحتاجين.

وآل عبدالرازق يوزعون ليالى رمضان بالقسطاس المستقيم، فليلة لهيئة كبار العلماء وليلة لأقطاب حزب الأحرار، وليلة لأساتذة الجامعة من مصريين وأجانب، وليلة لرجال جريدة السياسة.. وهكذا.

وكذلك تفعل السيدة هدى هانم شعراوى والسيدة قوت القلوب الدمرداشية فهما تقيمان فى رمضان حفلات متتالية للوزراء والعظماء والهيئات ويشرف على حفلات هدى هانم الآنسة سيزا نبراوى والآنسة حواء إدريس أما حفلات السيدة قوت القلوب فينوب عنها فيها يعقوب بك عبدالوهاب.

وزراؤنا فى رمضان

ويعتبر أصحاب الدولة والسعادة توفيق نسيم باشا وعبدالعزيز فهمى باشا ومحمد على علوبة باشا وتوفيق عبدالله باشا وعبدالعزيز محمد بك من أكثر وزرائنا احتفالاً برمضان، فهم يختارون المقرئين ويقيمون سهرات دائمة يجتمع فيها العظماء لسماع آى الذكر الحكيم، أما أصحاب السعادة القيسى باشا وحلمى عيسى باشا وعبدالوهاب باشا والهلالى بك فيكتفون بسماع القرآن فى الراديو ويفضلون سماع مقرئ شهير فى الراديو على مقرئ (درجة ثانية) بشخصه.

أما صاحب الدولة مصطفى النحاس باشا فيؤدى فريضة الصيام من سن السابعة وقد استن سنة جميلة فى رمضان هى أن يدعو كل ليلة إلى مائدته ثلاثين يختارهم على التوالى من بين أعضاء الوفد والهيئة الوفدية، فنقابة المحامين، فلجان الوفد، فشبابه.

أما دولة محمد محمود باشا ومعالى ماهر باشا فكلاهما يتبع نظاماً صحياً خاصاً، وعلى الرغم من أن أطباءهما يشيرون عليهما بعدم الصيام فإنهما يجدان فى الصيام صحة وشفاء.

                                    كل شئ والدنيا 1935


مواضيع متعلقة