مأساة على أبواب المستشفيات: روتين.. وانتظار بالشهور.. وتكاليف «تخرب البيوت»

كتب: إيمان هلب

مأساة على أبواب المستشفيات: روتين.. وانتظار بالشهور.. وتكاليف «تخرب البيوت»

مأساة على أبواب المستشفيات: روتين.. وانتظار بالشهور.. وتكاليف «تخرب البيوت»

«روتين.. وتكاليف باهظة.. وانتظار لفترات طويلة» ثالوث يصاحب مرضى العيون فى مصر أينما حلوا، خاصة أن أغلبهم دائماً يبحث عن علاجات قليلة النفقة، ما يدفعه دوماً إلى المستشفيات الحكومية، التى ربما يجد فيها العلاج الاقتصادى».. فقط، ادخل من هذا الممر الطويل، الذى سيقودك إلى عيادات المياه الزرقاء والبيضاء والقرنية والشبكية الموجودة بمعهد بحوث أمراض العيون بالجيزة، حيث يستقر فى بدايته مكتب تجلس عليه ممرضة تجمع تذاكر الكشف ذات الـ10 جنيهات من المرضى الذين جلسوا على المقاعد الخشبية فى أروقة المستشفى لساعات طويلة منتظرين دورهم.

ووسط ذلك الزحام الشديد من المرضى تجد «سهام رمضان»، صاحبة الـ20 عاماً، بجلبابها الأسود البسيط تستند على الحائط أمام عيادة القرنية وإلى جوارها تقف والدة زوجها التى جاءت معها من مسكنهم فى محافظة البحيرة لمتابعة حالة عينها اليمنى التى بدأت تلتهب وتؤلمها بعد نحو أسبوعين من خضوعها لعملية ترقيع قرنية منذ 4 أشهر بذات المستشفى، لعدم توافر تلك العمليات بالمحافظة، احمرار والتهابات فى العين اليمنى وشعور بحروق شديدة وعدم القدرة على رؤية الأشياء هو ما شعرت به من آلام دفعتها للذهاب للطبيب لتكتشف أن قرنية عينها اليمنى انفجرت، وأنها بحاجة لعملية ترقيع تتكلف 45 ألف جنيه فى بعض المستشفيات الخاصة، وهو مبلغ لا تستطيع توفيره.

{long_qoute_1}

«قعدت سنين تعبانة بدور على مستشفى حكومى تعالج عينى اليمين فى البحيرة وطنطا مع إنى كنت عاملة ترقيع قبل كده فى عينى الشمال، ونجحت فى مستشفى خيرى بطنطا من 4 سنين، لكن لما رُحت دلوقتى قالوا لى مافيش قرنيات»، هكذا تروى «سهام»، رحلة معاناتها مع المرض وبحثها عن مستشفى حكومى يجرى تلك العمليات بأسعار رمزية، حيث جابت محافظتها وطنطا والقاهرة وصولاً للجيزة التى اهتدت فيها إلى مستشفى الرمد لتجرى فيه العملية بعد رحلة بحث مريرة.

«عملت العملية بعد العيد اللى فات على نفقة الدولة بـ17 ألف جنيه وطلع فى أسبوعين، والعملية اتأجلت كام يوم عقبال ما يستوردوا القرنية»، مضيفة: «المشوار صعب عليّا قوى لأنى بنزل من بيتنا الفجر عشان أوصل هنا الضهر، وبدفع 200 جنيه مواصلات بس، غير الأدوية اللى بعمل جمعيات عشان أجمع تمنها، وأنا جوزى فلاح يوم شغال ويوم لا».

وأمام بوابة العلاج الاقتصادى بالمستشفى تجد «هناء محمد»، موظفة بالأرشيف فى إحدى الهيئات الحكومية، تقطن بالعمرانية، تسير بخطوات صغيرة حذرة، ترتدى نظارة سوداء تحجب نور الشمس عن عينيها، وتتكئ على يد شاب ثلاثينى، نحو أحد أطباء المستشفى لتستشيره بخصوص حالة عينها اليمنى التى أصبحت لا تستطيع إبصار الأشياء بها بوضوح سوى عن قرب، على الرغم من نجاح عملية ترقيع قرنية لعينها اليمنى منذ 4 سنوات.

واختلفت معاناة «هناء» ذى الـ47 عاماً قليلاً، حيث خضعت لعملية ترقيع قرنية فى أحد المستشفيات الخاصة بمنطقة السيدة نفيسة، بعد أن شعرت بالتهابات واحمرار فى العين اليمنى، وكلفتها 30 ألف جنيه، المبلغ الذى جمعته من بيع مجوهراتها هى وابنتها إضافة إلى جزء من مكافأة نهاية الخدمة لزوجها، وذلك على الرغم من أنها ضمن قافلة طبية تحملت باقى تكلفة العملية التى وصلت لـ75 ألف جنيه.

{long_qoute_2}

«عينى اليمين لما تعبت من ضغط الشغل والتهبت، رُحت مستشفى خاصة، واكتشفت إنى محتاجة عملية قرنية فدفعت فلوسها، واستنيت أكتر من 6 شهور لحد ما القرنية تيجى من بره»، لم تنته معاناة «هناء»، عند ذلك الحد ولكنها تفاجأ بعد أشهر قليلة من العملية بإحساسها بالتهابات، وعدم القدرة على الإبصار بوضوح، وكذلك اليسرى التى تحتاج لعملية إزالة للمياه البيضاء قبل أن تفقد الإبصار تماماً.

ظلت السيدة الأربعينية تترد على الأطباء لسنوات تشكو فيها من آلام أفقدتها قدرتها على أداء عملها، للبحث عن راحتها إلى أن قررت تكملة رحلة علاجها بمستشفى الرمد الحكومى بالجيزة بعد أن فاقت مصاريف العلاج قدرتها المادية، وتقول: «بطلت أروح المستشفى الخاص بسبب قلة الفلوس، وجيت هنا لأن سعر التذكرة بـ10 جنيه على قدى»، وتتابع حديثها قائلة: «أنا مابقدرش أتحرك لوحدى ولازم أركب تاكسى لشغلى فى اليوم بـ50 جنيه، وكمان مابقتش بعرف أشتغل لأنى مش شايفة، ونفسى آخد أجازة طويلة لحد ما أخف لكن الشغل رافض يديهالى بمرتب».

بينما يخرج عمرو عبدالفتاح، 25 عاماً، يقيم بمنطقة «صفط اللبن»، من عيادة القرنية، بعد «أن أنهى الكشف على عينيه الاثنتين اللتين أجرى لهما عملية قرنية منذ شهرين تقريباً على نفقة الدولة»، ويقول: «أنا باجى متابعة كل 15 يوم للدكتور هنا، عشان أطمن على عيونى، والمرة دى قالى أجيله بكره عشان فيه غرز فكت فى العملية وهو هيعيدها تانى»، لافتاً إلى أن الأطباء ظلوا يؤجلون له عملية الترقيع لما يقرب لشهرين لحين إنهائه كافة الفحوصات والتحاليل وتجهيز ورق قرار العلاج، ووصول القرنية من الخارج، وأن يتم شفاء كلتا عينيه من مرض حساسية الرمد الربيعى تماماً، لضمان نجاح العملية، ويضيف الشاب العشرينى، الذى يعمل بالفلاحة: «جيت المستشفى هنا عشان معارفى قالوا لى إنها المستشفى الوحيدة اللى تعمل عملية الترقيع ببلاش ومضمونة، وكمان تذكرة الكشف أرخص من بره»، معبراً عن ضيقه من الروتين وانتظار الأطباء لأوقات طويلة لحين قدومهم وبدء الكشف.

{long_qoute_3}

لأكثر من 10 سنوات ظل يتردد «طه حسن» على العديد من أطباء العيون يومياً لعلاج طفليه اللذين ولدا بعيب خلقى تسبب فى جعلهما فاقدى البصر، رحلته اليومية دفعته لترك مسقط رأسه فى «بنى سويف»، والاستقرار فى قرية أبوالنمرس بالجيزة ليوفر نفقات السفر، ويقول: «عندى شيماء 10 سنين وعلى 8، والاتنين اكتشفنا بعد ما اتولدوا بشهر إن عينهم زرقاء خالص، والدكاترة قالوا لى إنهم عندهم ميه زرقاء على عينيهم» هكذا بدأ الرجل الثلاثينى حديثه.

«حسن» أوضح أن رحلة علاجهما بمستشفى أبوالريش اليابانى استغرقت 5 سنوات دون جدوى، حيث لم تشهد حالتا طفليه تحسناً ملحوظاً بسبب اقتصار عرض حالتهما على أطباء الامتياز، وتكلفة التنقل بهما دفعته للتوقف عن الذهاب لذلك المستشفى، ليكملا رحلة علاج استمرت 3 سنوات فى أحد المستشفيات بمنطقة منشية البكرى ومستشفى روض الفرج، ولكن كانت حالتهما غير مستقرة، حيث لم يتماثلا للشفاء بشكل تام.

«الأولاد كانوا كل شوية الضغط يعلى على عينيهم، وترجع حالتهم تسوء من تانى، وعملت 7 عمليات إزالة مياه زرقاء من على عين شيماء، وعملية لظبط الننى و10 عمليات لعلى»، 70 ألف جنيه هو المبلغ الذى صرفه الأب الذى يعمل عاملاً بإحدى الشركات الخاصة براتب لا يتجاوز الـ2300 جنيه، طوال رحلة علاج الطفلين، حيث حصل على قرض بمبلغ 24 ألف جنيه بضمان محل عمله، وباع نصف بيته وذهب زوجته واستلف من أقاربه وساعده زملاؤه بالعمل لسداد ثمن تلك العمليات، لافتاً إلى أن ابنته أصبحت ترى بعين واحدة بنسبة 30% فقط، أما على فلا يرى نهائياً، ولكن اشتدت معاناته عندما أخبره الطبيب بأن طفليه الاثنين بحاجة إلى عمليات ترقيع قرنية، وتتراوح تكلفتها ما بين 50 و60 ألف جنيه، ما دفعه للتوجه بجميع تحاليل وفحوصات ابنيه إلى إحدى المؤسسات الخيرية فى منطقة المقطم متخصصة فى مساعدة الحالات المشابهة، بعد أن فقد الأمل فى علاجهما بالمستشفيات الحكومية، ويقول الأب: «المؤسسة حولتنى لمركز عيون فى الدقى عشان يعملوا العملية، وبقالنا 4 شهور مستنيين القرنية، وكان المفروض تتعمل من 3 شهور عشان الحالة ما تتدهورش، والعمليات اللى قبلها ما تفشلش».


مواضيع متعلقة