حكايات «الألم والإهمال» داخل قصر العينى: زحام على العيادات وقطط فى الطرقات ودورات مياه غير نظيفة وباعة بالعنابر

كتب: أحمد العميد

حكايات «الألم والإهمال» داخل قصر العينى: زحام على العيادات وقطط فى الطرقات ودورات مياه غير نظيفة وباعة بالعنابر

حكايات «الألم والإهمال» داخل قصر العينى: زحام على العيادات وقطط فى الطرقات ودورات مياه غير نظيفة وباعة بالعنابر

مئات يتوافدون يومياً على أبواب مسشفى قصر العينى، ما بين مرضى وطلاب يدخلون إلى هذا الصرح الكبير، الذى تتحمل المسئولية كاملة عنه الدكتورة هالة صلاح الدين عميدة كلية الطب جامعة القاهرة، منذ الساعات الأولى زحام شديد يسود المستشفى لزوار قدموا من القاهرة والجيزة ومحافظات عدة، حيث زحام على «شبابيك» التذاكر الاقتصادية ذات الـ5 جنيهات، كل منهم يبحث عن تذكرة قبل النفاد، لتمر بعدها فترات انتظار طويلة لمرضى كدهم التعب والألم يجلسون وينامون على المقاعد الحجرية المنصوبة فى ساحات مبانى قصر العينى أمام العيادات الخارجية، كل مريض جاء ومعه متاعه ومرضه ينتظر الفرج مع النداء عليه برقم الحجز كنهاية لمحنة الانتظار الطويلة والعرض على الطبيب.

{left_qoute_1}

أمام مبنى قصر العينى بنحو 30 متراً فقط يوجد سور صغير من الحديد له بابان أحدهما للدخول والآخر للخروج، لكن أفراد الأمن رغم عددهم الذى بدا كافياً أغلقوا باب الدخول وتركزوا عند باب الخروج ليصبح مدخلاً ومخرجاً لكل رواد المستشفى، ما تسبب فى زحام، خاصة أن رجال الأمن يوقفون أى شخص لسؤاله عن وجهته وسبب دخوله.

أصوات تتعالى بين الحين والآخر أمام العيادات الخارجية ما بين شجار حول أولوية الدخول أو من تأخير الأطباء فى الفحص أو عدم جدوى الكشف الطبى وطلب تحاليل وأشعة.

{long_qoute_1}

وأمام عيادة العظام تتشاجر زينب أبوالعلا (32 عاماً)، من حى الوراق، من على كرسى متحرك تقوده والدتها، بسبب رفض موظف العيادة دخولها بحجة أنها لا تحمل رقماً فى كشف العيادة، فيما تصرخ هى فى وجهه بسبب تحويلها من عيادة الأوعية الدموية قائلة: «حرام عليكم يعنى أقعد كل ده علشان أدخل للدكتور ومن غير ما يشوف رجليّا يقول لى دى مش أوعية دموية المفروض تروحى عيادة العظام»، لتدخل السيدة بعدها شجاراً لم يستمر طويلاً، تدخل السيدة وهى تلقى بالسباب الهستيرى على أطباء المستشفى وعماله، تحكى ما دار بينها وبين الطبيب للجميع، صارخة: «ما هانش عليه يقوم من على الكرسى يشوف رجلى، بيسألنى بيقول لى رجلى فيها إيه، وقبل ما أكمل يقول لى روحى العظام».

وتضيف «أبوالعلا» أنها قصدت قصر العينى بعد نوبة من الزيارات للعيادات الخاصة والمستشفيات، حيث أصيبت بورم فى قدميها بسبب حزنها على وفاة والدها قبل شهر ونصف، وبعد عدة تحاليل معملية وأشعة قررت أن تذهب إلى قصر العينى لسمعته الكبيرة بوجود أطباء كبار وأساتذة جامعات، معلقة: «ده أنا قلت هلاقى عندهم الحل لقيت فيه إهمال كبير، الدكتور يقول لى أنا ما أعرفش بس ممكن تستنى دكتور أكبر منى شوية يبقى يشوفك أو روحى العظام»، لافتة إلى أنها يئست من محاولات العلاج فى المستشفيات والعيادات الخاصة، حيث إن تشخيصهم كان مشكلة فى الأوعية الدموية، ولهذا السبب قررت اللجوء إلى قصر العينى، لكى يكون مكاناً للعلاج لسمعته لكنه خاب أملها فى العلاج فى المستشفى الكبير.

مبروكة عبدالسلام إبراهيم، سيدة تخطت السبعين من عمرها، جاءت إلى مستشفى قصر العينى من مسكنها بمدينة شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية بصحبة حفيدها الصغير الذى لا يتعدى 12 عاماً، وبرغم وجودها من الصباح الباكر أمام شباك التذاكر فإنها لم تستطع الحصول على واحدة وجاءها الرد «خلصت تعالى بكرة».

تقول «مبروكة»: «ما أعرفش إن التذاكر بتخلص وبحسب الزحمة هتخف وأخش آخد التذكرة، أنا عملت عملية فى رجليّا هنا السنة اللى فاتت ومركبة مسمار بعد ما رجلى اتكسرت، بس رجلى بتوجعنى وعايزة مُسكن وأدينى هارجع تانى شبرا من غير ما آخد حاجة».

ويقف ياسر عوض، سائق سيارة نقل من الجيزة، مستنداً على عكاز، محاولاً دخول عيادة العظام من دون فائدة فلم يتمكن الرجل ذو الـ42 عاماً من الدخول إلى الطبيب وإبلاغه بحالته الصحية بعدما أجرى جراحة فى «الحوض» وانتهت مدة العلاج الطبيعى، مضيفاً: «مفيش متابعة هنا، وكل دكتور يحولنى ويرمينى للتانى، عملت العملية من 4 شهور، ولما تعبت تانى قالوا لى اعمل علاج طبيعى، وبعد ما عملت العلاج الطبيعى ما جابش نتيجة وحالى واقف، الدكتور بتاع العلاج الطبيعى قال لى اعمل أشعة تانى، وأدينى واقف مش عارف أدخل للدكتور، علشان أشوف هايحوّلنى لمين تانى».

{long_qoute_2}

يزحف على يديه بينما يمسك طرف جلبابه الأمامى بأسنانه ليحتفظ بمتعلقاته داخلها، تبدو متعلقاته ككومة كبيرة، مسافة كبيرة قطعها ثروت ثابت، 48 عاماً، من المنيا، والذى أصيب وهو صغير بضمور فى كلتا قدميه بسبب حقنة خاطئة، أتى الرجل أملاً فى إجراء عملية جراحية بعدما أكد له أطباء الذكورة ضرورة إجرائه العملية ليتمكن من الإنجاب، يقول «ثروت»: «الدكتور هنا قال لى عشان تعمل عملية لازم توفر لنا كيس دم. وأنا مش معايا حد خالص عشان كده رايح أدور على كيس دم فى بنك الدم ويمكن ألاقى حد يتبرع لى».

لا يلفت زحف الرجل على الأرض انتباه أحد الأطباء أو أى من طاقم التمريض، فيستمر فى رحلة معاناته بحثاً عن بنك الدم: «والله اتمنيت يجيبوا لى كرسى أقعد عليه بدل ما أنا بزحف على إيديّا كده، بس هعمل إيه الناس كلها شايفانى دكاترة وممرضين وعُمال ومفيش حد سأل فيّا».

تلتفت عاملة النظافة يميناً ويساراً، قلقاً، بينما تدفع بالسيدة الستينية على الكرسى المتحرك متجهتين إلى غرفة للكشف لتجرى الأخيرة بعض الفحوصات قبل أن تعود لقسم الأمراض الصدرية التى حجزت فيه منذ قرابة الشهر، تقول العاملة، التى رفضت ذكر اسمها: «جبتها لأنها كانت بتعيط عشان عاوزة تروح أوضة الكشف ومفيش حد فاضى يوديها، وأنا أصلاً خايفة يتقطع عيشى لو شافونى هنا معاها لأنه ممنوع، بس أنا بعمل ده لله»، تشكرها «زنوبة يوسف محمد»، ثم تقول: «عندى مشاكل فى الصدر وفى العظم وحجزونى فى قسم الصدر بس مبيدونيش أدوية العظم وبجيبها من بره ودفعت حوالى 700 جنيه عشان أشتريهم».

صدمة كبيرة أصابت محمود شمندى، 58 عاماً، أحد سكان منطقة دير الناحية بحى الدقى فى الجيزة، الذى كان محجوزاً بقسم الجراحة العامة، حسب قوله، فبعد تحديد موعد لإجراء عملية «فتاق» له فوجئ بالأطباء يؤجلونها بحجة أنه لم يوقف أدوية السيولة التى يتناولها وهذا يتعارض مع إجراء العملية، يقول «محمود»: «هما عارفين الحالة كويس وكاتبين الأدوية والمفروض متابعين حالتى واللى مستغربه إزاى يعنى اتفاجأوا أنى باخد دواء سيولة قبل العملية على طول».

ويتحدث «شمندى» عن المعاناة التى عاشها طوال فترة بقائه فى المستشفى قائلاً: «العنبر فوق حاجة لا تطاق، مش نضيف، ده أنا بشيل مرتبة السرير لقيت تحتيها زبالة»، موضحاً أن المسئولة عن نظافة العنبر سيدة مسنة لا تقوى على تنظيف العنبر.

وفى عنبرى الرجال والنساء فى قسم 3 أمراض صدرية كانت رائحة الأطعمة تتداخل مع رائحة الأدوية، وبينما كانت بعض القمامة ملقاة على الأرض، أخذت بعض القطط من المكان والطرقات مكاناً لتتجول فيه بحريتها، بينما اتخذت إحداها من أحد الأسرة مسكناً لها استلقت عليه، ولا يختلف الوضع كثيراً فى عنابر قسم 3 عن عنابر قسم 6 أمراض القلب، فأصوات الباعة الجائلين توقظ المرضى بين الحين والآخر، مياه وبسكويتات وكشافات نور وسخان مياه هذه أغلب البضاعة التى يروج لها هؤلاء الباعة بين طرقات المستشفى وداخل عنابرها.

أحد هؤلاء المرضى انزعج من أصوات أحد الباعة ونهره ليتركه ينام، فيما تسببت هذه الجلبة فى إيقاظ آخر فقام متوجها لدورة المياه، استند على أحد أقاربه وذهبا معاً إلا أنه عاد بعدما وجدها كلها غير نظيفة، وطلب من قريبه أن يذهب ويبحث له عن دورة مياه نظيفة ويعود إليه ليأخذه إليها لأن حالته المرضية لن تسمح له بأن يرافقه فى رحلة البحث تلك.

 

القطط اتخذت أحد الأسرة للنوم عليه

 

ثروت ثابت

 

زنوبة يوسف محمد

 

هالة


مواضيع متعلقة