الصيانة: فريضة غائبة فى مصر

الصيانة: فريضة غائبة فى مصر
لا يكاد يمر يوم واحد فى مصر دون أن نصحو على حادث هنا أو هناك يتسبب فى إزهاق أرواح مواطنين، وتدمير أصول إنتاجية وخدمية ومرافق ومبان حكومية وخاصة.. وفى غالبية الحوادث نكتشف دائماً أن القاسم المشترك الأعظم الذى تختبئ خلفه كل مسببات الفواجع والخسائر والانهيارات، هو غياب الصيانة أو ضعفها أو فسادها!.
وقضية غياب الصيانة فى مصر لفتت انتباه كل الخبراء والمعنيين بالشأن العام، ومع كل حادث ضخم مثل غرق عبارة أو حادث قطار أو احتراق مسرح بمن فيه أو انفجار محطة تشغيل مصنع، نسارع دائماً إلى تعليق الاتهامات فى رقاب أضعف حلقات سلسلة الموظفين أو العمال.. ويجتهد الجميع فى إخفاء الحقيقة الساطعة عن الغياب الكامل لمفهوم الصيانة الحديثة، أو الفساد (الكامل أيضاً) فى إسناد أعمال الصيانة الوهمية لشركات بعينها تتقاسم ميزانيات الصيانة مع المسئولين عن إسنادها، وتظل الأصول الإنتاجية من معدات ومبان وأجهزة تتآكل يوماً بعد يوم حتى تخرج من الخدمة نهائياً.
{left_qoute_1}
وفى كتابه «من دفتر أحوال الاقتصاد المصرى» الصادر عن دار الهلال فى مارس 2003، أثار المفكر الاقتصادى المصرى الراحل الدكتور محمود عبدالفضيل، قضية غياب المعايير العلمية والهندسية المتعارف عليها دولياً للصيانة فى مصر.. وتحت عنوان «حتى لا يأكل المجتمع المصرى رأسماله».. قال الدكتور عبدالفضيل ما نصه: «الحقيقة المؤلمة هى أننا نقوم بشراء المعدات والأجهزة والأصول الرأسمالية بملايين الجنيهات (أو الدولارات) ولا نخصص سوى ملاليم لصيانتها، ما يؤدى إلى تآكل تلك الأصول وضعف كفاءتها فى التشغيل والأداء».. وبعد أن يسرد أمثلة للخسائر المهولة التى تكبدتها مصر فى كل مجالات الخدمات العامة والخاصة، يؤكد الدكتور عبدالفضيل: «إننا فى حاجة إلى إدخال ثقافة الصيانة إلى اقتصادنا ومجتمعنا، وإلى جميع جوانب حياتنا اليومية، لأن الاقتصاد والمجتمع الذى لا ينجح فى صيانة مرافقه وأصوله يكون قد قام فعلياً بأكل رأسماله وتبديد استثماراته». وفى هذا الملف الذى خصصته «الوطن» لـ«فريضة الصيانة الغائبة» عن معظم مواقع العمل والإنتاج فى مصر، سنكتشف أن ثقافة إهمال الصيانة تجذرت فى المجتمع كله، وتساوى المواطنون مع المسئولين، ومبانى الحكومة مع المبانى الإدارية الضخمة التى يشغلها أطباء ومهنيون، فى هذا الإهمال الإجرامى للمعدات والأجهزة وشبكات الكهرباء والمياه والصرف والمبانى، ولكننا أيضاً سنكتشف أن لدينا أماكن أخرى تلعب الصيانة الدورية والوقائية فيها دوراً كبيراً فى الحفاظ على كفاءة المعدات والأجهزة والمبانى، وفى زيادة الإنتاج وسلامة العاملين فى هذه الأماكن، وهو الأمر الذى يشير إلى أننا دائماً نعرف الصواب.. وإلى وجود نماذج ملهمة للحفاظ على ثرواتنا الوطنية من التآكل والانهيار.. ليظل السؤال الموجع معلقاً فى رقابنا جميعاً: إذا كنا نعرف، وإذا كانت النماذج الملهمة متاحة ومعلومة للكافة.. فلماذا يرافقنا الإهمال الإجرامى فى كل مجالات العمل وطرقات الحياة وكأنه قدر لا فكاك منه؟.. ومتى سننتفض لنوقف هذا الهدر المخيف والتآكل المتسارع لثرواتنا الوطنية؟!
اقرأ أيضًا:
المحافظات خارج «الرعاية الوقائية»: كل «الطرق» تؤدى إلى الموت
«خدمة التوكيل»: «نصب» بحجة الإصلاح
السكة الحديد: الورش مهجورة.. والخردة فى كل مكان.. والبنزين إلى جوار العربات
مترو الأنفاق: مهدد بلعنة «العمر الافتراضى» وخطر «سوء الاستخدام»
أستاذ «هندسة طرق»: يجب تخصيص 10% من تكاليف «الطرق والكبارى» لضمان استمرار جودتها
ملاك عقارات وسكان يتخلون عن «الترميمات العقارية»: «هنصرف ليه فلوس ع الفاضى؟»
أصحاب سيارات: طول ما هى ماشية.. نتفادى غلاء «العفشة» و«مصنعية الميكانيكى»
معاناة «فنيى» الأجهزة المنزلية: أصحابها يتركونها حتى «تحتضر»
سكان «الكمباوندات» والمدن الجديدة.. أصحاب «مصلحة» فى الحفاظ عليها
قيادات «قطاع الأعمال»: غياب الصيانة سبب 60% من فاتورة الخسائر
كوادر عمالية: إهمالها أخرج المنتج المصرى من المنافسة
رئيس «القابضة المعدنية»: ندفع ثمن الإهمال.. والمتابعة فى شركات الدولة عشوائية
«مركز غنيم للكلى والمسالك البولية»: قصة نجاح تصطدم بصعوبة تعيين المهندسين
رؤساء جامعات حكومية: إهمال «الصيانة» سبب تراجع ترتيبنا فى التصنيفات العالمية
إعلانات «فرق الصيانة» فى كل مكان.. ضجيج بلا خدمة
أجهزة المستشفيات فى الإنعاش.. وكارثة «ديرب نجم» جرس إنذار
برج الدقى الإدارى: أصحاب الشقق الشاغرة «يطنشون» رسوم الصيانة.. والمرضى يصعدون على السلالم
هيئة «الأوقاف»: مصعد معطل وقمامة فى «المنور» وأسلاك كهرباء مكشوفة
مدير «محطات المياه»: الصيانة تكلفنا 900 مليون جنيه سنوياً.. ولم تخصص لها ميزانية
«الأوبرا»: صبية عمرها 30 سنة.. والسر فى «إعادة الشىء لأصله»