جراحنا التى داواها النيل

كتب: منى رائد

جراحنا التى داواها النيل

جراحنا التى داواها النيل

بعد صراع سنة كاملة مع الحرب.. لم يكن اختيار عائلتى لأرض الكنانة ملاذاً آمناً سوى صدفة.

كانت الأيام الأولى شديدة الصعوبة على جميع أفراد أسرتى فلم نعد نفرق بين الليل والنهار، الاثنين بالنسبة لنا سواء ظننا وقتها أن هذه نهاية الرحلة واسود كل شىء بأعيننا.. تركنا وراءنا أهلنا وأصدقاءنا والكثير من الشهداء من عائلتنا، لم يستمر هذا الحال طويلاً وبدأنا التحرك بخطوات ثابتة ومتزنة لإعادة إحياء ما قتلت الحرب بداخلنا، اجتزت الثانوية العامة بمساعدة من كان حولى من معارف وجيران، وكذلك إخوتى التحقوا بالمدارس لمتابعة الرحلة.. والتحقت بقسم الإعلام بجامعة عين شمس، كان اختيارى وقتها لهذا القسم رغبة منى فى نقل الحقائق بعد ما شاهدته من الإعلام من كذب وتضليل.. منذ عام بدأت العمل بإحدى الشركات الكبيرة فى مصر ولم أتلق سوى أطيب وأحسن المعاملة، سواء من دكاترة وأساتذة الجامعة والمشرفين وأصحاب الشركة التى أعمل بها.. على الرغم من خسارتنا لجميع ممتلكاتنا وسرقة جميع ذكريات طفولتنا وشبابنا.. حدث غير المتوقع وهو أن مصر لم تكن أرض الغربة التى تسرق أيام العمر والأحلام أيضاً بل أعطت هى وشعبها السوريين ما فقدوا من أمان فى بلدهم وكانت لهم سنداً وعوناً.. مصر كانت بالنسبة لى نقطة البداية بعدما ظننت أن كل شىء قد انتهى.. أعترف أن الجراح لم تشف ولكن على الأقل ضمدت.. والآن بعد خمس سنوات ونصف من إقامتى هنا لا يمكننى سوى القول إننى لست بنادمة أبداً على قدومى إلى هنا... فقد كان الاختيار الصائب لى ولأسرتى لقرب عادات وتقاليد هذا البلد من وطنى.. ولو قدر الله أن أعود يوماً إلى سوريا أو أكون فى بلد آخر فعزائى الوحيد هو ذلك المثل الشعبى المتعارف هنا (اللى بيشرب من مية النيل هيرجعلها تانى).. وأود أن أشكر تلك الصدفة التى اختارت أن تكون هذه الأرض بلدى الثانى لأبنى عليها مستقبلاً جديداً بعد أن سلبت الحرب الماضى والحاضر.

 


مواضيع متعلقة