مصـر أم الدنيا

كتب: سماح عبدالعاطى

مصـر أم الدنيا

مصـر أم الدنيا

موقع فريد.. يقول الجغرافيون إنه يتوسط الدنيا بأكملها، وشخصية رائعة.. يقول أرباب التاريخ إنها تكونت عبر سبعة آلاف عام من التحضُّر والرقى.. ليس غريباً إذاً أن يقصدها الجميع «كنعانيون، وبابليون، وفينيقيون، وفرس، ويونان، ورومان، وعرب، وأتراك، وسلاجقة، وجراكسة..»، هكذا دخلها إبراهيم -عليه السلام- بصحبة زوجته «سارة» فلم يغادرها إلا وفى يده أُم ولده الأول «إسماعيل»، وإليها وفَد يوسف -عليه السلام- عبداً مشترَى فلم يلبث أن أصبح أميناً على خزائنها، التى هى خزائن الأرض، قبل أن يلحق به إخوته ووالده، فيخرج من نسلهم موسى -عليه السلام- ولا تكاد الأعوام تمر حتى تختار السيدة العذراء أن تلجأ إليها بصحبة وليدها هرباً من ملك لا يرحم كان يلهث خلف الطفل الصغير، وحين تظهر الرسالة فى بلاد العرب، لا ينسى الرسول الكريم أن يوصى أصحابه بها، حين يفتح الله عليهم أبوابها، فأهلها فى رباط إلى يوم الدين، وجنودها خير أجناد الأرض.. لهذا يحرص خليفته عمر بن الخطاب أن يؤدب ابن واليه عليها، عمرو بن العاص، حين يجىء إليه واحد من أهلها يشكو ظلم ابن الوالى، فلا يتركه يرحل إلا بعد أن يأخذ له حقه من الوالى وابنه، تاركاً للعبرة والتاريخ كلمته الخالدة وهو يوبّخ ابن العاص قائلاً: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟».

على مدار التاريخ لم يحدث أن أغلقت مصر أبوابها فى وجه أى غريب، فما بالك بالأقربين، هؤلاء الأَوْلى بالمعروف، أبناء الدم والدِّين والعروبة النابضة.. سوريون وليبيون وعراقيون ويمنيون لم يجدوا أمامهم إلا هذه الأرض حين ضاقت عليهم غيرها بما رحُبت، هنا يقتسم المصريون، على غُلبهم، الرغيف وشربة الماء، و«الهِدمة»، مع كل من يلجأ إليهم طالباً الأمان والدفء، لا يهم إن كان صاحب مال أو لا يملك حتى قوت يومه، يكفى أن يطرق الباب فيجد ألف يد تفتحه فى وجهه، فتمنحه السكن، ومقعد الدراسة، ومكاناً فى طابور العيش، هنا لن يشعر الغريب بغربة، ولا اللاجئ بقسوة البعد عن بلاده.. هنا النيل الذى ينبسط فيشرب منه الجميع، هنا البلد الذى خاطب الله الأمم جميعها ليدخلوه ويعيشوا فيه ليالى وأياماً آمنين مطمئنين.. هنا أم الدنيا وقلبها الذى لا يتوقف عن الخفقان.. هنا مصر.


مواضيع متعلقة