الشقيانين بين السماء والأرض: «الغلطة بموتة»

كتب: جهاد مرسى

الشقيانين بين السماء والأرض: «الغلطة بموتة»

الشقيانين بين السماء والأرض: «الغلطة بموتة»

ودّعوا الخوف وحلقوا فى الهواء بحثاً عن لقمة عيش لا يزاحمهم فيها طابور العاطلين، ولا يعترض طريقهم الروتين والنفسنة والمحسوبية. الخطأ غير مسموح والاستهتار ثمنه حياتهم، ولا مانع من صعود سلم المجد من نهايته، آملين أن يغدوا خماصاً ويعودوا بطاناً.

على لوح خشبى يتوسط سقالتين تبعدان عن الأرض مسافة 5 أمتار، وقف شابان لا يتجاوز عمرهما الـ20 عاماً، يلتقطان عدة الشغل من جيوبهما، ويصممان يافطة لأحد معارض الأثاث المكتبى. وبينما كانا يتنقلان أماماً وخلفاً بِحُرية تامة، إذا بصوت جهور يصيح أسفلهم: «دق هنا يا محمد وشد السلك».

أحمد نصار، متخصص فى تجليد اليافطات. على مدار أكثر من 28 عاماً يمارس المهنة نفسها، التى بدأها كعامل فى إحدى الشركات عام 1990، إلى أن أصبح مسئولاً عن عمالة يتولى تدريبها لتساعده فى العمل.

الوزن الخفيف، وعدم تعاطى أى نوع من المخدرات، شرطان أساسيان فيمن يعمل على مرتفعات، وفقاً لـ«نصار»، فضلاً عن التمتع بصحة جيدة، كما تتطلب مهمة تجليد اليافطات أن يكون العامل ملماً بأكثر من حرفة: «كهربا وحدادة وغيرهما»، ولا تُشترط سن معينة للعامل، فمعظم عمالته من طلاب المدارس، حيث تبدأ أعمارهم من 12 عاماً.

معظم الحوادث التى صادفها «نصار» فى مشواره كان سببها استهتار العامل والطقس غير المستقر.

على بعد مسافة تتجاوز الـ15 متراً، اختفت أصواتهم، وصارت كلماتهم غير مفهومة لمن أسفلهم، حيث يقف عاملان على سقالة لتركيب أحجار على واجهة مركز تجارى، وبعض أعمال النقاشة، قام بتدريبهما أحمد حسن، معمارى، الذى اعتاد أن يقف على مقربة منهما أثناء العمل. وعن المواصفات المفترض توافرها فى عامل المرتفعات، يقول: «أولها مايكونش عنده فوبيا المرتفعات. ممكن عامل يخبى إنه خايف عشان يتقبل فى شغلانة، لكن بيبان من أول مهمة يطلعها».

على مدار 6 سنوات قام «حسن» بتدريب عمالة على أعمال الإنشاءات والصيانة، شهد خلالها 6 حوادث لا تغيب عن ذهنه، واستفاد منها فى تدريب العمالة الجدد: «وقع منى ناس كتير. 6 وقعوا لما كنت بشتغل فى مول تجارى شهير فى مدينة نصر، وللأسف أغلبها كانت بسبب العامل، لازم يكون متزن مش هوائى».

تنظيف الواجهات الزجاجية للمبانى مهمة صعبة، حاول محمد حسام، صاحب إحدى الشركات العاملة فى هذا المجال، التغلب عليها بأكثر من طريقة: «بنشتغل على أوناش يصل ارتفاعها إلى 70 متراً، كما نستعين بسقالات معدنية ثابتة ومتحركة، بخلاف السبايدر مان، وهو العامل الذى يتسلق الواجهات لتنظيفها، وتتفاوت أجور كل وسيلة».

15 ألف جنيه فى الشهر يتقاضاها عامل الـ«سبايدر مان»، نظراً لخطورة مهمته، الأمر الذى يجعله مدللاً لدى أصحاب الشركات، ويملى عليهم شروطه أحياناً.

عمال المحارة والتشطيبات ألفوا المشقة بأشكالها المختلفة، إما بسبب العمل لساعات طويلة أو لطبيعة المهمة أو لخطورة الوقوف على مرتفعات، الأمر الذى يترجم فى يومية العامل، وفقاً لأحمد جدو، صاحب مكتب تشطيبات: «بنقسم العاملين لـ3 فئات، أسطى ويوميته 200 جنيه، ومساعد 150 جنيه وعامل 120 جنيه، وبنحاول نوفر لهم عناصر أمان، وأهمها السقالة، ودى إما العامل بيربطها ويأمنها بنفسه أو ناس متخصصة فى ربط السقالات بنستعين بيهم لأنهم الأسرع والأكثر مهنية».

 


مواضيع متعلقة