- انتهينا فى المقال السابق إلى أن الرواية قد حورت و«شطشطت» بعض الحكايات الشائعة وضفرتها فى بنائها واسمحوا لى أن أتوقف قليلاً أمام ذلك، سمعنا منذ سنوات عديدة إشاعة عن ابن «الكبير قوى» وزوجته، وكيف انبهرا بأحد الدعاة المودرن «التيك أواى»، ثم كيف أُبعدا حتى عادا إلى «رشدهما»، جاء الإسقاط «الإبداعى» بحكاية أخرى، حيث لم يكن الأمر متعلقاً بابن قيل إنه المرشح للخلافة الهاوية بفعل الفساد والإفساد، وانتقل إلى شقيق الزوج الذى ادعى التحول إلى المسيحية كغطاء لفعل إرهابى فظيع، تمثل فى تفجير إحدى الكنائس، كيف ومتى جُند وكُلف من هو مثله؟ واسعة شوية؟ ومثلت هذه الحكاية المحورية فرصة للحديث عن اضطهاد شركائنا فى الوطن، وهى قضية جادة يجب رفضها بحسم فى مجتمع يؤمن بالمواطنة، لكننى أخشى من «ربطها العضوى» بالإرهاب، الذى يستهدف الجميع الذين يقتلهم مدعو الإسلام وضحاياه من المسلمين أضعاف ضحاياه من المسيحيين، لا أقول بالفصل الكامل، ولكنى أعترض على ما وصفته بالربط العضوى، لأن هدف الإرهاب ليس دينياً، لكنه سياسى تآمرى فى كل الأحوال، وأرجو أن يكون الفارق واضحاً، عموماً أرى أن ملف «التحول الدينى» والاحتفاء «العبيط» به الذى تميزت الرواية فى عرضه، لا يحتمل أى خلط.
وقبل أن نترك هذه الملاحظة، أتساءل عن «الضرورة الإبداعية»، وأقسم أنه تساؤل غير مغرض، لما خصت به الرواية الابن من «حلم واقعى» عن الاعتداء الجنسى «مش حلوة»، الذى نجم عنه اضطهاد أحد شيوخ الصوفية، واتهامه بالتشيع، الذى أخذ بدوره مساحة كبيرة من الرواية فى معرض العلاقة بين السنة والشيعة، بالمناسبة، نعرف حكاية أبشع عن شيخ سنى تشيع، وقتله غلاة السلفيين، كقضية من القضايا المتشعبة التى «شُحنت» بها الرواية.
- أما الملاحظة الرصدية الأخيرة فتتعلق ببطلها، الذى وصفته «بمولاهم»، لأنه ليس الداعية الذى نتمناه بالضبط، لكنه والحق يقال حاصل وموجود، وإن كان أو لم يكن متشعباً. سأتخلى عن الحرص الذى أكدته، من أن القارئ ليس ناقداً متخصصاً وأعبر عن إعجابى من خلال القراءة «الثقافية» للرواية ببناء هذه الشخصية «الإبداعى»، صحيح أنه ليس مولاى، فلا مولى لى إلا الله، كما قد يوافقنى «مولاهم»، الذى أعجبت بتجسيد شخصيته كإنسان، وليس كداعية.
إنه يذكرنى بالصورة الذهنية للشخصية، لا الشخص الذى أطلق عليها البعض اسم ميزو، رأيت فيه «ميزو تو» حسب عبارة عبدالفتاح القصرى، أو «ميزو المعدل»، الأكثر تماسكاً وإقناعاً ومراوغة للمخدوعين بقوله، ولمتصورين صدقه التليفزيونى ونجوميته المصطنعة، والعجيب أن بعض الإعلاميين يقدمونه باعتباره «الحل المنشود» للدعوة المستنيرة، استناداً إلى الفيلم فيما يبدو، وليس الرواية، التى هى الأساس الذى نناقشه هنا. لا بأس، إذا كان قد ظهر فى الرواية بما يؤدى إلى ذلك، فالفيلم مرشح للانتشار والتأثير فى الجماهير بصورة أكبر من الرواية، التى تنتظر بالطبع «جائزة البوكر» والله أعلم.
- ختاماً، أرجو من الجميع عدم مهاجمة الرواية أو الفيلم، الذى لم أشاهده، والاستماع إلى النقاد المتخصصين، ولا بأس من إبداء الرأى بتسامح وانفتاح وإعجاب بما يستحق ذلك مهما كان الاختلاف أو الاتفاق كما ذكرت سابقاً (وقد قدمت الاختلاف)، دعونا نقتنع بالعبارة الشهيرة التى تقول إن «الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية»، دون أن نرددها فقط، حتى لا نفقدها معناها ومغزاها واستنارتها.