"عبد الناصر لم يمت": تلك أفة الحكام فى مصر من "السادات" إلى "مرسى"

"عبد الناصر لم يمت": تلك أفة الحكام فى مصر من "السادات" إلى "مرسى"
منذ أن فارق الحياة فى الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970 تحول مَن جَالسوه ندماء إلى ناهشى عظام فى من بات فى ذمة الله.. الافتراء عليه، بل والتجرؤ أحيانا، أضحى ثمة كل من تسلل إلى الحكم، يتحدثون عن عهده مقللين من شأنه، محقرين من بعض إنجازاته.
أحباؤه يعلمون أنه بشر يخطئ ويصيب غير أن خلفاءه تزعجهم المقارنة، فدوماً كان «جمال عبدالناصر» حبيب الشعب، وكما رثاه الشاعر الكبير نزار قبانى «ما زال هنا عبدالناصرْ، فى طمى النيلِ، وزهر القطن، وفى أطواق الفلاحاتْ، فى فرح الشعب، وحزنِ الشعب، وفى الأمثال وفى الكلماتْ، ما زال هنا عبدالناصرْ، من قال الهرم الرابع مات؟».
حملة التشويه بدأت ضد الرئيس الراحل «عبدالناصر» فعلياً عقب أحداث 15 مايو 1971، حين انفرد الرئيس السادات بالسلطة، حسب صلاح عيسى الكاتب الصحفى والمؤرخ، الذى يرى أن الأكاذيب ضد «ناصر» بدأت فى الانتشار بعدما أطاح السادات بالناصريين وهمّش دورهم فى الدولة، علاوة على ازدياد وتيرة التجرؤ عقب نصر أكتوبر، الأمر الذى سمح للسادات بمحاولة طمس تاريخ سابقه المحفور فى قلوب العامة، وكانت أولى الشائعات هى نشر تهمة قتل «عبدالناصر» لطبيبه الخاص «أنور المفتى»، بحجة أنه كشف عن مرض «ناصر» بما عرف بمرض «السكر البرونزى» الذى يُحدث نوعاً من الخلل فى تقدير المواقف، وهو ما يؤثر سلباً على قرارات الشخص المؤثرة، خصوصاً لو كان زعيماً مثل «عبدالناصر»، قبل أن يوضح «عيسى» أنها واقعة عارية تماماً عن الصحة وقد مُحيت فعلياً بمرور الوقت لعدم جديتها.
بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر حصرت الأجهزة الرسمية أمواله وممتلكاته كما بحثت عن أموال باسمه فى الخارج فلم تجد شيئاً، لذلك كان المساس بذمة «عبدالناصر» مالياً أمراً مهماً لحملة تشويهه، فكان بديهياً أن تنتشر شائعات عن وقائع خاصة بتهريب أمواله ورجال مجلس قيادة الثورة إلى سويسرا، وكذلك الإخبار عن امتلاكه مجوهرات خاصة بالعائلة المالكة، ويشرح الكاتب الصحفى الكبير أن السبب الرئيسى فى ذلك هو الحملة الإعلامية التى شنها ضده الصحفى الكبير مصطفى أمين بسبب العداوة الناتجة بينهما بعد اتهامه بالتجسس لصالح أمريكا، فبدأت حملات عنيفة على مشروعات «عبدالناصر» على رأسها السد العالى، بحجة أنه حرم مصر من الطمى المحمّل من غابات أفريقيا التى تساعد على تغذية الأرض، علاوة على مساهمته فى تصحُر الأراضى الزراعية، غير أن «عيسى» يؤكد أن الجميع لم يجد بدّاً من الصمت حين حدث الجفاف فى أفريقيا، فعلموا بأهمية وجود السد. ويرى «عيسى» أن السبب الرئيسى فى الهجوم على ناصر فى تلك الحقبة كان يكمن فى اكتشاف «السادات» عقب وصوله إلى الحكم أنه لم يكن ذا أهمية، رغم حديثه الدائم عن «عبدالناصر» الذى كان محمّلاً بالود «لكنه اكتشف أنه كان فى خلفية المشهد وغير مؤثر، حتى إنه فى إحدى الفترات ترك اجتماعات مجلس قيادة الثورة وأعطى توكيلاً لـ«عبدالناصر» كى يصوِّت بدلاً منه فى جميع القرارات ثقة فيه»، مشيراً إلى الواقعة الأهم التى أحدثت شرخاً فى العلاقة بين الرئيسين -رغم مداراة السادات للأمر- حين عقد «عبدالناصر» اتفاقية روجرز دون علم السادات -نائبه وقتها- الأمر الذى أدى إلى اعتكاف الأخير قبل 3 أشهر فقط من رحيل ناصر، وينتقل «عيسى» إلى محاولة السادات طمْس معالم عصر «ناصر» من خلال اتجاهه لسياسات مغايرة، ففى السياسة ارتمى فى حضن أمريكا، بعيداً عن السوفييت، وارتكن إلى دول الاعتدال بعيداً عن الثورية، وكذلك وهو الأهم اعتماده على الإسلاميين لتصفية الشباب اليسارى فى الجامعات.
الفصيل الأكثر تجرؤاً على الرئيس الراحل «عبدالناصر» طيلة السنوات الماضية كان الإخوان المسلمون بسبب ما تعرضوا له من تهميش فى عصره، على عكس ما بدأوا مع ثورة يوليو من ترحيب، ويشير «عيسى» إلى الصدامات الدموية التى عايشوها فى حكم «ناصر» وكذلك محاولات اغتياله فى 1954، وكذلك فى عام 1965. ويعتبر «عيسى» أن أكبر شائعة تم الترويج لها عقب وفاته هى أن «عبدالناصر» كان ملحداً والدليل هو تعامله الحميم مع الاتحاد السوفييتى، وهو ما كان يرد عليه أنصاره بصور الزعيم الراحل فى صحن الكعبة أو لحظات وضوئه استعداداً للصلاة، فيما حلى لآخرين الترويج بأنه كان عميلاً لأمريكا، معتبرين أنه يصطنع العداوة معها، فيما ينفذ سياساتها حرفياً، أما الحادثة الأهم والأكثر شهرة فى علاقة جماعة الإخوان بـ«عبدالناصر» المعروفة إعلامياً بـ«حادث المنشية» فقد روج لها أنصار التيار الإسلامى على أنها «مفبركة» من قِبل الزعيم الراحل، مشيرين إلى ارتدائه قميصاً واقياً حينها علاوة على اتفاقه مع من أطلقوا النيران، وهو ما يستبعده «عيسى» معتبراً إياه نوعاً من تنظيف اليد من حادث الاعتداء، كذلك كانت أكثر المعارك التى تشن على «ناصر» عقب رحيله هى الادعاء بأنه خطّط لتدمير الجامع الأزهر بقراره تحويل الأزهر إلى جامعة شاملة فى عام 1961، الأمر الذى يعتبره «الإخوان» انتقاصاً من دور الجامع العظيم، فيما يراه «عيسى» محاولة من «عبدالناصر» فى تصدير كوادر علمية من مصر تحمل خلفيات دينية كجزء من القوة الناعمة لمصر فى المنطقة.
أكثر ما يستنكره «عيسى» من حملات التشويه هو ذلك الجزء الخاص بوقوف بعض الإسلاميين فى صف المشير عبدالحكيم عامر ضد «عبدالناصر» محملين الأخير المسئولية الكاملة للنكسة.
التقييم الحقيقى لـ«عبدالناصر» كما يراه «عيسى» هو أنه زعيم كبير ليس داخل مصر وحسب، وإنما كواحد ممن أثروا فى تاريخ العالم خلال القرن العشرين، مشيراً إلى دوره فى استقلال العديد من الدول العربية والأفريقية ودول أمريكا اللاتينية. وينتقل الكاتب الصحفى الكبير إلى عصر الرئيس السابق محمد حسنى مبارك الذى يعتبر أنه كان الأقل حدة قِبل عبدالناصر، مستشهداً بعبارة «المخلوع» الشهيرة فى بداية حكمه حين سُئل إلى أى الفصيلين تنتمى «دولة عبدالناصر أم دولة السادات»؟ فجاء رده «أنا اسمى محمد حسنى مبارك». ويرى «عيسى» أن السبب الرئيسى فى ذلك ينبُع من قناعة شخصية لدى «مبارك» بفضل «ناصر» عليه حين عيّنه قائداً للقوات الجوية عقب النكسة.
عقب ثورة يناير بدت نبرة التجاذب بين محبى وكارهى «عبدالناصر» تعلو، فهناك من رأى فى «يناير» امتداداً لثورة يوليو، وآخرون اعتبروها إنهاءً لحكم العسكر الذى أسس له «ناصر»، فيما يعتبر «عيسى» طرح البعض لثورة يوليو يفتقد الكثير من الدراية، مشيراً إلى أن الثورات تكمل بعضها البعض، وأن «عبدالناصر» كان له من الإنجازات ما لا يمكن إنكاره مهما اختلف معه البعض، قبل أن يتحول «عيسى» إلى الحديث عن الشهور الأخيرة، التى تقلد فيها الدكتور محمد مرسى رئاسة الجمهورية، معلقاً على أولى كلماته «الستينيات وما أدراك ما الستينيات» بأنها كانت غلطة تنبه إليها «مرسى» كون الرئيس «عبدالناصر» يحمل من الشعبية ما قد يؤثر عليه شخصياً إذا عاود انتقاده، فيما رأى فى تعريض جماعة الإخوان بـ«عبدالناصر» وسيرته وإقحام ما ليس فيه على فترة حكمه أمراً بديهياً لما تحمله الجماعة من كره مكتوم لرجل همّشها لسنوات.
أخبار متعلقة:
عائلة "عبد المقصود أفندى": 4 أجيال نامت على مخدة الزعيم
كمال الهلباوى: الخلاف بين الإخوان وعبدالناصر كان سبباً فى هزيمة 67
حكاية عبدالناصر والإخوان: «تار بايت».. ثم «تبادل مواقع»
مصر محتجالك
بتحب عبد الناصر؟.. طبعا.. زرت "الضريح"؟.. لسه .. يبقى مابتحبوش
الـ100 يوم الأولى "تأميم القناة": ضربة كانت من معلم .. خلى الاستعمار يسلم
إحنا آسفين يا زعيم