لماذا تنسى الأم المصرية تطعيم بناتها ضد سرطان عنق الرحم؟

كتب: أ. د عمر عبدالعزيز

لماذا تنسى الأم المصرية تطعيم بناتها ضد سرطان عنق الرحم؟

لماذا تنسى الأم المصرية تطعيم بناتها ضد سرطان عنق الرحم؟

عنوان المقال يبدو خيالياً منذ الوهلة الأولى؛ فمن يفهم ما هو السرطان يجد العنوان صعب التصديق، فالتحول السرطانى للخلية يجعلها خلية مسيطرة تسخر كل الغذاء والنشاط بالعضو المصاب لإنتاج كمية مضاعفة من الخلايا السرطانية التى تختلف فى الخواص تماماً عن الخلايا الطبيعية للعضو المصاب، وكذلك لهذه الخلايا القدرة على الانتشار الموضعى، ليس فى العضو فحسب بل فى أعضاء الجسم الأخرى عن طريق الدورة الدموية أو الخلايا الليمفاوية، فكيف سيكون هناك تطعيم وقائى ضد هذا المقتحم المسيطر؟ {left_qoute_1}

هناك حرب مستمرة منذ سنين طويلة بين الباحثين والأطباء وبين هذه الخلية «الوحش» ومعرفة الأسباب التى تؤدى إلى تحولها وتطوير وسائل تشخيصية تدل على وجودها، وحديثاً تم تطوير هذه الوسائل للتنبؤ بهذا التحول قبل حدوثه بفترة طويلة، ومن ناحية أخرى هناك تطوير مستمر لوسائل العلاج، سواء كانت جراحية أو كيماوية أو إشعاعية، وكان عنق الرحم هو أول ساحة قتال لمعركة التطعيم ضد هذا الوحش.

عنق الرحم هو الجزء السفلى من الرحم، ويمكن رؤيته بسهولة أثناء الكشف الروتينى الخاص بأمراض النساء، ويعتبر سرطان عنق الرحم ثانى أكثر السرطانات شيوعاً فى السيدات بعد سرطان الثدى، وأظهرت الإحصاءات أن هناك نحو نصف مليون إصابة جديدة سنوياً على مستوى العالم تتسبب فى نحو 270 ألف وفاة سنوياً بمعدل حالة كل دقيقتين تقريباً، من هنا يتضح مدى أهمية هذا النوع من السرطان، خاصة أنه يصيب السيدات فى أعمار صغيرة نسبياً فى أواخر الثلاثينات والأربعينات؛ حيث تكون السيدة فى قمة عطائها العملى والأسرى، ما قد يؤثر بشدة فى الأسرة والمجتمع.

على مدى سنوات طويلة، تمت دراسة التطور المرحلى لخلية عنق الرحم حتى تتحول إلى خلية سرطانية ووُجد أنها تحتاج إلى مدة طويلة قد تصل إلى خمسة عشر عاماً حتى يتم التحول الكامل، وقد أعطى هذا الفرصة للعلماء لاكتشاف طرق للكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم، وأشهرها المسحة الخلوية ودراستها باستخراج صبغة خاصة أو استخدام محلول اليود الذى يغير لون الخلية الطبيعية فقط، ويمكن رؤية ذلك بالعين المجردة وكذلك منظار عنق الرحم الذى يقوم بتكبير الخلايا ودراستها فى مكانها فى عنق الرحم. استمر هذا لسنوات طويلة؛ حيث كان الهدف الرئيسى هو اكتشاف الخلايا فى مرحلة مبكرة ومنعها من الوصول إلى المرحلة النهائية بوسائل علاجية مختلفة تتراوح بين الكى الموضعى أو استئصال عنق الرحم أو الاستئصال الكامل للرحم حسب نوع الخلايا ودرجة التغير وسن السيدة، وأخيراً حدث انقلاب كامل فى التعامل مع هذا المرض، وذلك بفضل الاكتشاف التاريخى للبروفيسور الألمانى هارالد هاوزن الذى أكد فيه أن 100% من حالات سرطان عنق الرحم هى نتيجة الإصابة بفيروس H.P.V، وهو فيروس ينتقل بواسطة الاتصال الجنسى ويتكاثر فى خلايا عنق الرحم، ما يتسبب على مدى سنوات فى تحول هذه الخلايا إلى خلايا ما قبل السرطانية أو خلايا سرطانية، وقد نال هذا العالم جائزة نوبل فى الطب سنة 2008م عن هذا الاكتشاف المهم.

من المعروف أن هناك نحو 100 نوع من هذا الفيروس، لكن هناك نوعين فقط هما 16 و18، مسئولين عن نحو 70% من حالات سرطان عنق الرحم على مستوى العالم، ومن هنا كان التفكير فى إنتاج مصل مضاد لهذا الفيروس، وبالفعل تم إنتاج هذا المصل باستخراج جزيئات غير معدية من الفيروس، مضافة إليها مواد خاصة تحفز مناعة الجسم حتى تقوم بإنتاج أجسام مضـادة تمنع هذا الفيروس من إصابة خلايا عنق الرحـم، ويستخدم هذا المصل على نطاق واسـع على مستوى العـالم ويتم إعطـاؤه للإناث منذ أكثر من خمسة عشر عاماً فى صورة ثلاث جرعات على مدى ستة شهور، وأثبتت الدراسات أنه ينجح فى منع الإصابة بهذا الفيروس بنسبة 90% على مدى سنين طويلة.

هل تكون هذه هى بداية ترويض وحش اسمه السرطان؟ وهل سيأتى اليوم الذى يتم فيه تطعيم البنات المصريات ضد سرطان عنق الرحم كما يتم تطعيمهن ضد شلل الأطفال، أم أنه سيلاقى رفضاً اجتماعياً لأن الفيروس ينتقل بالاتصال الجنسى، وهذا معناه، كما قال أحد الآباء، أنك تتهم ابنتى فى المستقبل بأنها ستصبح قليلة الأدب. ما علينا إلا الانتظار حتى تُحسم المعركة الاجتماعية كما حُسمت المعركة العلمية.


مواضيع متعلقة