«كاملات عقل ودين» مغامرة فكرية لإنصاف المرأة.. سحب الكتاب من معرض القاهرة 2025 بدعوى إنكاره للسنة

«كاملات عقل ودين» مغامرة فكرية لإنصاف المرأة.. سحب الكتاب من معرض القاهرة 2025 بدعوى إنكاره للسنة
خاضت الكاتبة أسماء الشرقاوى مغامرة فكرية، بالتصدى لموضوع مهم ومؤثر فى كتابها «كاملات عقل ودين»، الذى يتضمن قراءة جديدة ومغايرة ونقداً لمتون «الأحاديث» المنسوبة للرسول، صلى الله عليه وسلم، وكذلك توضيح العديد من المفاهيم المرتبطة بموضوع الكتاب. وهذه المغامرة قُوبلت بالترحيب من جانب والهجوم من جانب آخر، فالدعوة للتفكير التى يحملها الكتاب، هى حلقة فى سلسلة الدعوة لفتح الباب لإعادة قراءة الأحاديث و«إعمال العقل فى الخبر»، وأما الهجوم فكان من نصيب أصحاب المصالح من بقاء الوضع على ما هو عليه، فقد مارست التيارات الرجعية ضغوطها على الناشر لسحب الكتاب، خلال طرحه فى معرض الكتاب 2025، باعتبار عنوانه ومضمونه إنكاراً للسنة، وهو ما دفع الناشر للرضوخ واتخاذ قراره بسحب الكتاب.
كتاب «كاملات عقل ودين»، للكاتبة أسماء الشرقاوى تقول عنه إنها تنطلق فيه من الرغبة فى الدفاع عن سنة رسول الله، عليه الصلاة والسلام، ورفضها إلصاق أية أقاويل أو أفكار للنبى تتعارض مع القرآن الكريم أو العقل. والكتاب عبارة عن دراسة نقدية وتحليلية لمجموعة من الأحاديث المنسوبة للرسول، صلى الله عليه وسلم، وتتضمن عينة الدراسة والتحليل والنقد لـ6 أحاديث منها: «ناقصات عقل ودين» و«الْمَرْأَةُ خُلِقَتٍ مِنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ»» و«لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»، وهى عينة من الأحاديث التى تتضمن حطاً من شأن ومكانة المرأة، وهذه الأحاديث من أشهر المقولات رواجاً على ألسنة الوعاظ وبين العامة باعتبارها جزءاً من الدين، ما يفسد علاقة الإنسان بالآخر وبدينه، فكم من امرأة تحمل فى نفسها غصة من وصمها بالنقصان وبالعوج وغير ذلك من الصفات الذميمة التى تتضمنها هذه المقولات.
ويقوم الكتاب على ثلاثة أفكار رئيسية؛ أولها أن البحث ودراسة الدين هى مهمة كل إنسان على حدة، «فالإسلام وراثة، لكن الإيمان عمل فردى لا بد أن يقوم به كل مسلم لكى يحققه لنفسه، فالتقليد فى الإيمان جعله بعض العلماء شركاً بالله تعالى، وتحقيق الإيمان يقوم على دراسة كتاب الله تعالى الذى يسره للناس أجمعين». وأن البحث فى تنقية السنة النبوية مما لحق بها من أكاذيب ليس إنكاراً للسنة، بل هو إيمان وحب وتعظيم وتقدير لأهميتها. والفكرة الثالثة أن الله تعالى ميز الإنسان عن باقى المخلوقات بالعقل والعلم، فإن رفضنا هذه الميزة فقد أصبحنا أقل من الأنعام.
يُحسب للمؤلفة سلاسة عرض الكتاب واستخدامها للغة المبسطة لتكون واضحة وجاءت الأفكار مرتبة ترتيباً منطقياً
تشمل مقدمة الكتاب تمهيداً من المؤلفة للفكرة، ودوافع كتابة هذه الدراسة، المتمثلة فى رغبتها فى التحقق من مدى صحة نسب هذا الكلام إلى النبى من عدمه، وتوضح المنهج المتبع ومرتكزات هذا المنهج وطريقة القياس، ومن المسائل ذات الصلة التى تتناولها المؤلفة، بشكل مبسط، مراحل جمع القرآن الكريم، ومراحل جمع السنة النبوية على مدار القرون السابقة.
وترصد تاريخاً مختصراً لمراحل تدوين الأحاديث النبوية، والفرق بين تدوين الحديث وتدوين القرآن، وتقف بشكل أساسى عند البخارى باعتبار كتابه «صحيح البخارى» أبرز كتب الحديث التى اكتسبت شهرة واسعة، وتذكر أن البخارى اختار 4 آلاف حديث من 6 آلاف جمعها فى نحو 16 سنة.
أسماء الشرقاوى: كم من امرأة تحمل فى نفسها غصة من وصمها بالنقصان بسبب أحاديث ضعيفة
وتوضح أن صحة الحديث تعتمد على شرطين أساسيين هما صحة المتن وصحة السند، وتوضح مفهوم كل كلمة منهما، والسند يعنى ببساطة الرواة الذين رووا الحديث، وقد وضع العلماء معايير لصحة السند فى علم سُمى (علم الرجال) وهو يبحث فى الصفات الشخصية والأخلاقية لكل راوٍ للحديث، بحيث لا تقبل رواية إلا ممن اتصف بالعدالة والثقة والتقوى والحفظ والضبط، أما من يتصف بضعف الحفظ والضبط، أو بصفات سيئة كالكذب والتدليس، فتضعف روايته أو تسقط ولا يُؤخذ بها، كما يبحث السند فى مدى توافق المدى الزمنى للرواة، فيؤخذ مثلاً ممن توافق وجودهم فى تاريخ واحد. كما يعنى سند الحديث أيضاً سلسلة الرجال الذين وصلنا الحديث عنهم، وهى ما تسمى بالعنعنة، يعنى فلان عن فلان عن فلان.
أما المتن فهو كلام الرسول، عليه الصلاة والسلام، «وهذا الجزء فى غاية الأهمية، لأنه كلام رسول الله، عليه الصلاة والسلام، وكلام رسول الله دين، يشمل إلى جانب رسالته الأولى، وهى تبليغ رسالة رب العالمين للناس أجمعين؛ الأوامر والنواهى والأحكام والتوجيهات، لذلك لا بد من اتباع معايير دقيقة وصارمة لمعرفة صحيح المتن من باطله»، فيما تنبه المؤلفة لخطورة وضع متون لم تصدر عن النبى: «لأننا إذا قبلنا بالمتن دون تمحيص، فإننا بذلك ندخل فى الدين ما ليس فيه، وهذا يؤدى إلى خلل فى العقيدة، وخلل فى التعامل مع الله تعالى، ومع الناس، ومع النفس، ويؤدى لكوارث اجتماعية وأخلاقية متوالية».
تثنى المؤلفة على كتاب «صحيح البخارى»، الكتاب الأشهر فى الأحاديث النبوية، وتثمن جهود البخارى، التى استمرت نحو 16 سنة فى جمع وإعداد الكتاب والتحقق من صحـة السند لمحتواه، وقد اجتهد البخارى فيها فى وضع قواعد لصحة السند وجمع ما وجده صحيح الإسناد. لكنها بالمقابل تنتقد المغالاة فى تقديس البخارى، وتقول: «الخطأ الفادح والجملة التى لا أتخيل أن يقبلها مسلم، وهى أن (كتاب البخارى أصح كتاب بعد كتاب الله)»، وتقول: «هى جملة فيها اعتداء صارخ وفاجر على كتاب الله تعالى، الذى يجب ألا يوضع معه أى كتاب».
تستعرض المؤلفة بصورة مختصرة أبرز الانتقادات التى وُجهت إلى «صحيح البخارى» سواء فى عصره أو فى السنوات التالية، فتذكر أمثلة من العلماء القدامى الذى نقدوا متون الأحاديث التى أوردها البخارى فى كتابه بالرغم من صحة سندها فى الأغلب، وذلك لأسباب حقيقية منطقية، فمنها ما يتنافى مع عدل الله تعالى، ومنها ما يتنافى مع التاريخ، أو مع اتصال السند وغير ذلك، وهى معايير القياس التى توافق عليها علماء الدين، والتى تقاس عليها صحة الأحاديث. وتذكر بالأمثلة النقد الذى تعرض له كتاب البخارى وأسباب هذا النقد، ومن هذه الأمثلة التى تسوقها فى الكتاب، كتابات للإمام مسلم فى زمن البخارى نفسه، أو كتابات كل من الإمام محمد عبده، ومحمد رشيد رضا وغيرهما فى العصر الحديث.
من بين فصول الكتاب تتناول المؤلفة قضية الأحاديث الموضوعة (المنسوبة) للنبى، مع الإشارة إلى أسباب الوضع والغرض منه، كما تعاملت المؤلفة مع البخارى بشكل موضوعى من دون أن تقلل من قيمة جهده فى جمع أحاديث النبى.
وتخصص الكاتبة فصلاً لتطبيق منهج نقد المتن لهذه الأحاديث، أى نقد نص الحديث المنسوب للنبى، وفق معايير محددة، أولها ألا يكون هذا المتن متعارضاً مع القرآن الكريم، ولا لصفات الله، وألا يكون منافياً للعقل والمنطق، وتتوصل الدراسة إلى أن الأحاديث الستة التى اختارتها هى أحاديث مكذوبة ولم يقلها النبى فى حق المرأة، معللة كونها تتنافى مع عدل الله وصفاته ومع المنطق والعقل.
وتتضمن الخاتمة توضيح ثلاثة محاور؛ الأول: أسباب التمسك بهذه الأقوال المكذوبة على رسول الله، عليه الصلاة والسلام. الثانى: أثرها فى أحكام الفقه، أما الثالث: أثرها فى المجتمعات الإسلامية.
يحسب للمؤلفة سلاسة عرض الكتاب واستخدامها للغة المبسطة لتكون واضحة لغير المتخصصين، أما الأفكار فجاءت مرتبة ترتيباً منطقياً، بحيث تأتى كل فكرة بناءً على ما قبلها وتمهيداً لما بعدها، كما يعد الكتاب خطاباً فكرياً جسوراً فى مواجهة الأفكار العنصرية، ودعوة مفتوحة لإعادة القراءة وإعمال العقل فى الخبر.