أستاذ بجامعة «يورك» البريطانية: «القاهرة» قادرة على إعادة الحياة لـ2 مليون فلسطيني

أستاذ بجامعة «يورك» البريطانية: «القاهرة» قادرة على إعادة الحياة لـ2 مليون فلسطيني
أشاد الدكتور سلطان بركات، الخبير فى حل النزاعات وإعادة الإعمار، المدير المؤسس لمركز دراسات النزاع والعمل الإنسانى، والأستاذ الفخرى بجامعة يورك البريطانية، بالخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة. وأكد فى حوار مع «الوطن»، أن فكرة استخدام الركام فى ردم البحر وتوسيع أراضى غزة لبناء ميناء أو مطار بدلاً من إعادة تدويره هى أحد أهم الحلول الذكية الضرورية فى إعادة إعمار غزة.
■ ما رؤيتك لمخطط إعادة إعمار قطاع غزة؟
- إعادة إعمار غزة أمر لا بد منه، والسؤال كيف سيتم التعمير وبأى تكلفة، سواء إنسانية أو مادية، وتكلفة اقتصادية وسياسية وفى الوقت نفسه ما النتيجة النهائية للإعمار، ومن واقع الخبرات التراكمية فى غزة التى مرّت بأكثر من حرب ومحاولة للإعمار، كان الدرس الأساسى المستفاد أنه بدون حل جذرى للقضية الفلسطينية لن يكون هناك إعمار مستدام بأى شكل من الأشكال، فيجب أن تتغير الأوضاع حتى ينجح الإعمار بشكل يتناسب مع المتطلبات الإنسانية والتطورات الخاصة فى غزة ودول الجوار، ويكون هناك حل سياسى واضح لمشكلة الاحتلال الإسرائيلى، وإذا لم يتم حل هذه المشكلة، فالإعمار سيكون مجرد معالجات آنية، بمعنى أنه بعد التعمير ربما تعود إسرائيل للهجوم مرة أخرى، ويجب أن يكون هناك رد فعل عالمى لحماية الشعب الفلسطينى كشعب يتعرّض للإبادة، وكما اقترحت محكمة العدل الدولية تسميته بأمة وشعب معين معروفين بأصلهم وجنسهم ودينهم، كما يجب أن تكون هناك حماية دولية، ومن الضرورى أيضاً إعطاء الفلسطينيين فترة مناسيبة قبل البدء فى الانتخابات والسيادة والاستقرار الداخلى حتى يستطيعوا تحديد القيادة الصحيحة داخل المجتمع.
■ هل تتضمن الخطة المصرية تلك الرؤية؟
- الخطة جيدة بشكل عام، وليس هناك شك بأن مصر بحجمها وحجم سكانها قادرة على إعادة إعمار غزة لـ2 مليون مواطن فلسطينى، وبها بعض الحلول الذكية، وهى فكرة استخدام الركام فى ردم البحر وتوسيع أراضى غزة، بمعنى استقطاع أرض من البحر وتوسيع الأرض فى منطقة أو منطقتين لبناء مثلاً ميناء أو مطار أو حتى كورنيش، والاستفادة من المواد بدلاً من إعادة تدويرها، لأن الركام فى أى مكان يؤدى إلى مشكلات كبيرة بما فيها القذائف التى تستخدمها إسرائيل الممتلئة بمادة اليورانيوم، وهى نفسها التى استخدمتها أمريكا فى حرب العراق، وتؤدى إلى تشوهات خلقية للأجنة، وردمها فى المياه يساعد على التخلص من هذه المشكلة، وأيضاً مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التى تُشكل 70% من المبانى فى غزة كان بها مشكلة أساسية، وهى مادة الإسبستوس، التى كانت مستخدمة فى سنوات ماضية، لأنها أفضل وأسرع وسيلة لسقف المخيمات، ومع الدمار تحول إلى مادة، وأدت إلى الإصابة بسرطان الرئة، فاستخدامها كمادة للردم وتوسيع الأرض هو أمر جيد جداً.
■ هل هناك عوائق تمنع البدء فى إعادة الإعمار؟
- يجب إيجاد حل سياسى، وهو أول تحرّك نحو إعادة الإعمار، وأن يخدم الإعمار الحل السياسى، ووجود حماية دولية لفترة 5 سنوات يتم الإعمار خلالها.
■ كيف تعلق على تصريحات دونالد ترامب المتعلقة بأن غزة مكان لا يمكن العيش فيه؟
- الرئيس الأمريكى يتحدّث من الناحية التقنية، ولا أعلم من أين يأتى «ترامب» بأفكاره، وهو نفسه راجع أفكاره بعد إعلانها، فإعادة الإعمار لا تتطلب نزوح الشعب، وعلى سبيل المثال فى جنوب تركيا وقع زلزال كبير قبل أكثر من سنة ودمّر مدناً وقرى أكثر خمس مرات من حجم غزة، ولم يتم تهجير السكان، وفى دراسة من 15 سنة تتعلق بالأوضاع ما بعد الكوارث، تطلب من الناس الوجود بجانب منازلهم، وليس الهدف حماية ما تبقى من منازلهم، لكن للحفاظ على العلاقات الاجتماعية بين المواطنين وبعضهم البعض، وهذا الأمر جزء أساسى من التعافى بعد الحرب، ولا يأتى نتيجة إعطاء الفرد منزلاً مثلاً، لكن ببناء علاقات بينه وبين جاره، وهذا الأمر ينطبق على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين فى لبنان، فمعظمها مقسّمة إلى المدن والقرى التى نزحوا منها، ويعيشون فيها مع بعضهم، وهذا يحافظ على الاستقرار السياسى والاقتصادى، لكن تهجيرهم غلطة كبيرة، ولن تنتهى المشكلة، ولكنها ستتفاقم أكثر، والمقاومة والرغبة فى الرجوع ستزداد.
■ كيف ترى السرعة والتكاتف بين الدول العربية بعد المقترح الأمريكى الخاص بتهجير الفلسطينيين؟
- معجب بسرعة تحرك العالم العربى والتعاطف مع الفلسطينيين، لكن أى إعمار بدون حل سياسى لن يؤدى إلى نتائج، فيجب أن يكون هناك توجه سياسى أولاً، وحل الإعمار هو لدعم التوجه السياسى.
■ ما متوسط المدة الكافية لإعادة إعمار غزة؟
- لا توجد مدة زمنية لإعادة الإعمار، لكن لو وقفت الحرب خلال الفترة الحالية ويبدأ الإعمار من الآن ممكن على الأقل 5 سنوات حتى يعود الوضع الطبيعى فى غزة.
■ هل إعادة تأهيل المنازل التى دُمّرت جزئياً تُشكل خطراً على السكان وهل يجب إعادة بنائها؟
- الأفضل هو إعادة بناء كامل، لكن ليست هناك أى قدرة على فعل ذلك، والأفضل من الناحية الاستراتيجية إعطاء فرصة لأهل غزة لإعادة التعمير وتوفير مواد البناء فى السوق والحصول على تراخيص للعمل وتشغيل المقاولين المحليين والشباب، وتكون هناك نسبة معينة تُعمرها السوق المحلية، والمبانى الحكومية يكون لها مقاولون متخصصون بدعم خارجى، وأيضاً ترميم المناطق التاريخية التى دمرتها إسرائيل خلال الحرب، ومصر أم الدنيا تستطيع أن تفعل ذلك، وتساعد غزة فى ترميم المناطق التاريخية والحفاظ على التاريخ.
■ هل رحيل «حماس» هو الحل لاستعادة الاستقرار داخل غزة؟
- لا يمكن ترحيل الحركة من غزة، فحماس فكرة، وبقاء الاحتلال يعنى بقاءهم، وحماس نفسها قالت إنه ليس لديها أى اهتمام بحُكم غزة، وحتى فى حال ترحيل حماس خارج غزة لن تكتفى إسرائيل، فسيُطالبون بشروط جديدة ومطالب لا نهائية، فهى طبيعة الاحتلال الإسرائيلى، لن يرتاح أبداً وطوال الوقت يفكر فى أن هناك من يطارده.
■ هل أصبح القانون الدولى الإنسانى مجرد اسم فقط بعد ما حدث فى غزة؟ ومن يمكنه محاسبة إسرائيل؟
- إسرائيل لا تلتزم بأى اتفاقيات، والمشكلة تكمن فى مجلس الأمن، فبقاؤه غير فاعل بسبب الفيتو الأمريكى لا يحل أى صراع، لكن الأمور تختلف يوماً بعد آخر، وتوقعاتى أن المعارضة الإسرائيلية فى حال عادت إلى الحكومة سيُسلمون بنيامين نتنياهو إلى المحكمة الجنائية الدولية مثلما سلمت الفلبين رئيسها السابق، فأعداء نتنياهو فى الداخل أكثر من الخارج، ويجب ألا نفقد الأمل، كما أن الوضع الحالى وحجم الدول الأوروبية اللى طالبت بحل الدولتين واعترفت بفلسطين خلال السنة الماضية ليس قليلاً، لكن وجود ترامب خطر، ويجب توحيد قدرات الدول العربية مع مصر والأردن بشكل جيد.
■ كيف تعلق على الدور المصرى والقطرى فى المفاوضات؟
- لعبت مصر وقطر دوراً كبيراً للغاية وحاولوا حسم الأوضاع، لكن للأسف إسرائيل لا تلتزم، تستجيب مرة ثم تنسحب وتحاول وضع الضغوطات على حماس والفلسطينيين، فالوسطاء يتعاملون مع طرف ليس محل ثقة، ليس طرفاً حقيقياً يثقون به كما حدث فى صراعات كثيرة سابقة، ورأينا إسرائيل تُرسل طرفاً للتفاوض ثم تحدث بها أمور أخرى ويتفاوض الطرف نفسه على أمور أخرى مع طرف آخر، وهذا يؤثر على وضع إسرائيل وثقة الناس بها بشكل عام.