شباب يحاربون الزحام بـ«الاسكوتر»: الحاجة أم «التوصيلة»

كتب: هيا حسن

شباب يحاربون الزحام بـ«الاسكوتر»: الحاجة أم «التوصيلة»

شباب يحاربون الزحام بـ«الاسكوتر»: الحاجة أم «التوصيلة»

تقترب الساعة من السابعة صباحاً، تستيقظ نهى مسرعة لتذهب إلى عملها الذى يبعد عن منزلها ما يقرب من نصف ساعة بسيارتها الصغيرة، تبدأ مشوارها محاولة المرور بين شوارع متكدسة بطبيعة الحال فى هذا التوقيت يومياً، المسافة التى تقطعها فى نصف ساعة يجبرها الزحام على أن تقطعها فى ساعة ونصف بسبب زحام السيارات تارة، ورحلة البحث عن مكان لتركن فيه سيارتها تارة أخرى، خاصة أنها قررت ألا تتعامل مع «بلطجية» الشارع الذين «اشتروا الشارع لحسابهم وبيأجروه لينا بفلوس»، على حد قولها. أيام ويأتى ميعاد تسلمها للراتب، فتجده مخصوماً منه ربع المبلغ بسبب التأخيرات، تبيع سيارتها وتذهب إلى أحد المعارض وتضرب بكل ما سمعته من أصدقائها عرض الحائط وتشترى «اسكوتر»، تسمع كلمات من أسرتها عن أنه لا توجد بنت «بتسوق موتوسيكل»، وفى النهاية يتحول الأمر إلى ظاهرة انتشرت بين جيرانها وأصحابها، من البنات والأولاد، ويوقن الجميع أنها كانت على حق، لا مكان لمزيد من السيارات فى شوارع القاهرة.

{long_qoute_1}

استخدم الشباب الدراجات النارية صغيرة الحجم مؤخراً كنوع من توفير الوقت والتخلص من الزحام، حيث انتشرت تلك الظاهرة وسط السيارات الملاكى والأجرة. يوضح أحد صاحبى محلات بيع الاسكوتر، محمد حسين، أن الـ«اسكوتر» له أنواع وأسعار مختلفة: «الموتوسيكلات عموماً أنواع، لكن الاسكوتر انتشر فى الفترة الأخيرة، خاصة الصينى والكورى لأن أسعارهم قليلة».

واستكمل قائلاً إن أسعار الدراجات النارية «الاسكوتر» تبدأ من 8 آلاف جنيه وتصل إلى 45 ألف جنيه، حسب النوع والتصنيع، بالإضافة إلى أن الاسكوتر يعمل أوتوماتيكياً: «أغلب اللى بييجو يشتروا الاسكوتر شباب، وفيه منهم طلاب جامعات وبيشتغلوا مهندسين ودكاترة، الاسكوتر بقى وسيلة سريعة بتقدر من خلالها تتجنب الزحمة وتوصل مشوارك أسرع، وده حل كويس للتخلص من الزحمة وقرفها».

وعلى النقيض قال أحد أصحاب محلات الموتوسيكلات إنه لا يستورد سوى الدراجات النارية القوية مثل الدراجات الألمانية، وتبدأ أسعار الدراجات التى يبيعها من 40 ألفاً لما فوق، وإن الفئات التى تتعامل معه ليست من الشباب وإنما هى الفئة الأكبر عمراً: «اليابانى يمكن أفضل أنواع الاسكوتر المنتشرة حالياً، إنما الصينى والكورى موتوسيكلات مالهاش قطع غيار فى مصر، وسيئة الصنع وبتبوظ بسرعة، الشباب غالباً بيشتروه علشان رخيص وبيحقق لهم نفس مبدأ الموتوسيكل المحترم، لكن هو ردىء الصنع وممكن يتسبب فى حوادث تؤدى للموت». «من جسر السويس إلى الخليفة المأمون وصولاً إلى صلاح سالم ثم كوبرى أكتوبر ومنه إلى كوبرى 15 مايو حتى ميدان لبنان»، مشوار يومى دفع كريم فريد، 25 سنة، لشراء اسكوتر بمبلغ 11 ألف جنيه فقط.

قرر شراء الاسكوتر بسبب مصاريف صيانة السيارة وقطع الغيار باهظة الثمن ومصاريف البنزين المكلفة جداً، بالإضافة إلى العصبية التى غالباً ما تنتج عن زحام شوارع القاهرة وقواعد السائقين المصريين الفريدة من نوعها، خاصة سائقى الميكروباصات واحترامهم اللامتناهى لقواعد وآداب المرور.

وبعد مرور عام كامل على قيادته لتلك الدراجة النارية وترك سيارته تحت منزله، عبّر كريم فريد عن استخدامه للاسكوتر بأنه شعر كأنه «عصفور» يطير بانسيابية بين كتل خرسانية متراصة فى الشوارع، وبذلك فقد هرب من الطقس شديد الحرارة، والزحام، ومفاجآت السيارات، وقرر توفير طاقته التى تُستنفد فى السخافات التى يواجهها خلال رحلته فى الشوارع، والأهم من كل ذلك قرار هروبه من حبسته فى السيارة.

وعلى الرغم من حبه الشديد للاسكوتر فإنه ظل فترة طويلة بعد الحادث الذى تعرض له يرهب قيادته مرة أخرى، لأنه ما زال مستمراً فى علاج قدمه حتى الآن، ولكنه كسر عائقه النفسى وعاد لقيادة الاسكوتر، لدرجة أنه كسر أسنانه من شدة الضغط النفسى الذى كان يتعرض له، ولأن الاسكوتر يوفر له الوقت والبنزين، فبدلاً من 200 جنيه أسبوعياً للسيارة أصبح ينفق 25 جنيهاً كل 10 أيام للاسكوتر.

شغفت بالموتوسيكلات منذ الصغر، حيث إن والد دُنيا قاسم، 22 سنة، كان لديه موتوسيكل كبير، فأحبت شكله وسرعته وإنجازه وتوفيره للوقت وتجنبه الزحام، بالإضافة إلى أنه متوفر فى كل شوارع أوروبا، وكانت تشاهد الأجانب يستخدمونه بكل سهولة وتحضر، وعلى الرغم من أنها تمتلك سيارة فإنها أصرت على شراء الاسكوتر لأنه وسيلة جديدة وسهلة لإنجاز مشاويرها وتوفيراً للبنزين وحلاً لأزمة عدم وجود ركنة أمام مقر عملها فى الزمالك، وساعدها والدها فى تعلم قيادته.

«الغلطة فيها بموتة»، هكذا وصفت دنيا قيادة الاسكوتر، حيث إنها ترى أن كل من يستطيع قيادة الدراجات العادية يستطيع قيادة الدراجات النارية، وأنه أسهل بكثير من قيادة السيارة، خاصة إذا كانت «مانيوال»، ولكنها تعرضت لحادث سيئ من فترة قريبة، أدى لإصابات فى معظم أنحاء جسدها، ولذلك قررت أن تستخدم الاسكوتر فى المشاوير القريبة فقط: «نفسى الناس تعتبرنا توك توك أصبح ليه احترامه فى الشارع».

لم تتعرض لأى سخافات من المجتمع، سوى أن الجميع ينظر لها كأنها تفعل شيئاً شاذاً وخارجاً عن المألوف فى مجتمعها، ولم تسمع أى لفظ خارج من أحد السائقين أو المارة، ولكنها تحاول تجنب تلك السخافات فى حقيقة الأمر، حيث قررت عدم الذهاب يومياً إلى العمل بالاسكوتر لأنها تسلك الطريق الدائرى الملىء بالسخافات والتعليقات من قبل «إيه يا مزة اللى ممرمطك كده؟».

ومن ضمن التعليقات التى شجعتها على الاستمرار فى قيادة الاسكوتر، إحدى السائقات السيدات التى خرجت من نافذة السيارة «مخصوص» على طريق الواحات وقالت لها: «عاش يا بنتى»، وسائق نقل ساعدها فى أحد «الملفات» الصعبة وفتح لها الطريق.

أما عن هشام يسرى، 26 سنة، فقال: «أنا كاره لفكرة السواقة بالعربية فى مصر أصلاً، بسبب الزحمة، وعدم احترام قواعد المرور، وقلة الأدب بتاعة السواقين سواء نقل أو ميكروباص أو حتى ملاكى والله»، غير أنه يحب شكل الموتوسيكلات الكبيرة والصغيرة، وهو على دراية بكل أنواعها وأشكالها، وخطط لشراء اسكوتر من ماله، حيث وفر بعض الأموال من راتبه الشهرى، وعندما اكتمل مبلغ الاسكوتر لم يتردد لحظة فى شرائه، بحوالى 9 آلاف جنيه، وهو كورى الصنع، من أحد المحلات بالعجوزة.

لم يكن يتخيل أن قيادة تلك الدراجة النارية الصغيرة توفر كل هذا الوقت والمجهود البدنى والنفسى، بل إنه كان يصل مشاويره فى وقت الزحام والذروة فى خلال دقائق معدودة، حيث إن صغر حجم الموتوسيكل يجعله قادراً على الطيران وسط السيارات والوصول سريعاً، ويوفر أيضاً فى البنزين نسبة لمعاناة بنزين السيارات التى يسمعها من أصدقائه.

ولأنه شاب وحيد ليس لديه زوجة أو أطفال أو خطيبة، لم يضع فى باله فكرة شراء السيارة، لأن الاسكوتر يفى بالغرض بشكل كبير، ويوفر له ما يحتاج توفيره، ولكنه يرى أنه إذا حدث وتزوج سيشترى سيارة بجانب الاسكوتر وسيترك الاسكوتر لمشاويره الخاصة السريعة، وقضاء وقت آخر للاستمتاع بقيادته فقط، حيث إنه وصف قيادة الاسكوتر بأنها «أسهل من المشى».

لم يتعرض هشام لأى انتقادات، على العكس هناك الكثير من أصدقائه يتمنون أن يفعلوا مثلما فعل، أو على الأقل أن يستقلوا الاسكوتر معه، ومن ضمن المواقف الطريفة التى تعرّض لها فى الشارع المصرى أن عدداً لا بأس به من المارة يستوقفه ويقول له: «وصّلنى معاك والنبى يا ابنى»، وبوصّلهم.

أما عن الخطر وصعوبة سواقته فى شوارع مصر غير المؤهلة للسيارات من الأساس، فعندما اشترى الاسكوتر فى بداية قيادته له، تعرض لأكثر من 6 حوادث، وأضاف أن سائقى الملاكى لا يراعون أبداً فكرة قيادة الاسكوتر، ويعاملونه معاملة السيارة الملاكى.

رغم أن محمد صلاح، 26 سنة، مهندس، يرى أن السيارة بها خصوصية أكثر بكثير من الاسكوتر، فإنه لا يستمتع بتلك الخصوصية بسبب زحمة المرور ومصاريف البنزين، فلجأ إلى الاسكوتر كوسيلة مواصلات سريعة، أسرع من الميكروباص وسيارات الأجرة.

«إيه اللى هيخلينى أجيب عربية طالما أنا مش خاطب ولا عندى أسرة»، رده التلقائى على فكرة امتلاكه لسيارة ومعرفته بأن السيارة لها فوائدها مثلها مثل الاسكوتر، إلا أنه متمسك بفكرة الاسكوتر الذى يُعتبر أكثر إنجازاً له فى الحركة والوقت، ولكنه من الممكن أن يفكر مرة أخرى إذا خطب أو تزوج لأنه لن يستطيع أخذ زوجته معه: «أكيد مش هركّب عيالى ومراتى ورايا على الاسكوتر يعنى، لازم أوفرلهم وسيلة كويسة يركبوها، لكن حالياً أكيد أريح ليا».

وعلى الرغم من أن مكان عمله قريب جداً من مكان سكنه فإنه كثير الذهاب لمناطق بعيدة عن منزله مثل السادس من أكتوبر، المهندسين، والتجمع، وكل هذه المناطق تأخذ ساعات فى الطريق إذا كنت ذاهباً بسيارة، لكنها تأخذ دقائق بالاسكوتر، حيث إنه دائماً يصل قبل أصدقائه إلى أى مكان. وأضاف أن قيادة الاسكوتر على الرغم من سهولتها تحتاج لمهارة ودقة وحرص، لأن الخطأ فيها يؤدى للوفاة غالباً، حيث ذكر إحدى الحوادث التى تعرض لها: «كنت ماشى فى حارتى وبنت كسرت عليا بسرعة وكانت يا هتدخل فى الرصيف، يا هتطيرنى أنا، بس الحمد لله جات سليمة»، غير أن الاسكوتر الذى يمتلكه كورى خفيف الصنع.

 

 


مواضيع متعلقة