أحمد الضبع يكتب: الرياضة «أخلاق مش خناق»

كتب: أحمد الضبع

أحمد الضبع يكتب: الرياضة «أخلاق مش خناق»

أحمد الضبع يكتب: الرياضة «أخلاق مش خناق»

كنتُ وما زلتُ، أعشق السباحة كهواية مفضلة، أشعر معها وكأنني في عالم من المتعة الآسرة والحرية بلا حدود والتناغم مع الذات، ولم أفكر مرةً في ممارسة رياضة غيرها، وقبل نحو 13 عامًا، نظّمت مدرستنا الثانوية مباراة نهائية لدورة كرة قدم في آخر أيام الدراسة، ولسوء حظي، غاب أحد اللاعبين لظرف طارئ، ففوجئت بأصدقائي يتوسلون إليّ بإلحاحٍ عجيبٍ حتى أنضمّ لفريقهم، تاركين لي حرية اختيار أيّ مركز في الميدان، فاخترتُ اللعب كمدافع.

بدأت المباراة، وشكّل طلاب المدرسة دائرةً واسعةً حول الملعب، واشتعلت الهتافات، وتحمّس لاعبو الفريقين لاقتناص الهدف الأول، وبعد عدة هجمات من الطرفين، لم تفلح أيّ منها في التسجيل، لمحتُ لاعبًا من الفريق المنافس ينطلق نحوي بسرعة البرق، فقرّرتُ اعتراضه وعرقلة مروره، وخلال لحظات أصبحنا متواجهين، فبادرتُ بمدّ قدمي في اتجاه الكرة لإبعادها عنه، فركل الزميل ساقي بكلّ ما أوتي من قوة، فسقطتُ أرضًا ولم أتمكّن من إبعاد الكرة.

توقف اللعب، وتجمهر الجميع فوق رأسي للاطمئنان عليّ، استجمعتُ قواي وحاولتُ الوقوف، فلم أستطع، شعرتُ بأنني فقدتُ السيطرة على ساقي، فأصرّ لاعبو الفريقين على اصطحابي إلى المستشفى، وهناك أجرى الطبيب الإسعافات اللازمة، وأخبرنا بأنّ الإصابة عبارة عن كسر في الساق يتطلب الراحة في المنزل لمدة شهر على الأقل، كان والدي قد علم بالخبر، فجاء إليّ واصطحبني إلى بيتنا، توقعتُ آنذاك أن يذهب الزملاء لاستكمال مباراتهم، لكنني وجدتُهم جميعًا في انتظاري عندما دخلتُ البيت.

لم أكن أرغب في إفساد فرحتهم، وحاولتُ مع أسرتي إقناعهم بالذهاب إلى المدرسة ولعب المباراة التي توقفت بسبب إصابتي، لكنّ محاولاتنا باءت بالفشل وظلّوا بجواري حتى آخر اليوم، وبعد ذلك، ظلّ الزميل الذي شاط ساقي يزورني كلّ يوم تقريبًا إلى أن أصبحنا صديقين ودودين، ومرّت الأيام واسترددتُ عافيتي، ومع بداية الدراسة بعد انتهاء إجازة نصف العام، ذهبنا إلى المدرسة وقرّر الزملاء إقامة المباراة المؤجلة احتفاءً بعودتي من الإصابة، كانت أجمل مباراة شاهدتها في حياتي، تجسّدت فيها كلّ معاني النبل والأخلاق والروح الرياضية، ورغم أنّها انتهت بخسارة الفريق الذي كنتُ أنتمي إليه ولم أشارك فيها، أصرّ المنافسون على تكريمي معهم لجبر خاطري.

تلك الذكريات قفزت إلى ذاكرتي بعد الأحداث المؤسفة التي شهدها الوسط الرياضي مؤخرًا، وحاصرتني التساؤلات عن أسباب غياب الروح الرياضية، والتضحية بالأخلاق من أجل الفوز والانتصار على المنافس بطرق ملتوية، في ألعاب مبنية على المنافسة الشريفة للترفيه عن النفس دون ضغائن أو إيذاء للغير، سواء نفسيًا أو جسديًا، وأيقنت بعد تفكير طويل أن الوسط الرياضي بحاجة إلى التذكير بأخلاقيات «المعلمين» محمود الخطيب وحسن شحاتة وفاروق جعفر.

في فبراير 1990، أقيمت مباراة ودية بين فريقي شباب الأهلي والزمالك (تحت 18 سنة)، لدعم إنشاء وحدة لعلاج مرضى القلب في مستشفى القصر العيني، وشارك الثلاثي في هذه المباراة، ولعب الخطيب في صفوف الزمالك مرتديًا القميص رقم 14 الخاص بـ«شحاتة»، بينما تواجد شحاتة وجعفر ضمن فريق الأهلي، واختار جعفر قميص رقم 10 الذي كان يرتديه الخطيب، مما يبرز الروح الرياضية في أجمل صورها، ويؤكد لنا جميعًا أنّ الرياضة في جوهرها سلوك إنساني بالغ التهذيب يعبر عن الأخلاق النبيلة، وليست «خناقة» بين لاعبين أو فريقين.


مواضيع متعلقة