أحمد الضبع يكتب: كل ما تخف قنديلها يغلظ!

كتب: أحمد الضبع

أحمد الضبع يكتب: كل ما تخف قنديلها يغلظ!

أحمد الضبع يكتب: كل ما تخف قنديلها يغلظ!

ابتكر الأجداد في المجتمعات الريفية والصعيدية مصطلحًا عبقريًا يقول «كل ما تخف قنديلها يغلظ»، ليشير إلى أنّ إنجاب عدد أقل من الأبناء وتربيتهم بطريقة سليمة في بيئة تتوفر فيها مقومات الحياة والتعليم والتثقيف والترفيه والإبداع، هو خير من دستة رجال يعيشون في دوامة مرهقة من المعاناة ولا يأخذون نصيبهم من أي شيء، فيتحولون إلى عبء على أسرهم ومجتمعاتهم دون أن يكون لهم في ذلك ذنب.      

كان المثل الشعبي العتيق يُطلق على نبات الذرة الشامية، الذي تحتاج زراعته إلى التهذيب والعناية والمتابعة في مراحل نموه الأولى، من خلال تقليل عدد النباتات في البؤرة الواحدة إلى اثنتين أو ثلاث على الأكثر، وكلما قُلل عدد النباتات، تتحرر الزرعة أكثر، وتحقق أعلى استفادة من الأسمدة، وفي النهاية، تنتج قنديلًا غليظًا مليئًا بالخير، على عكس الحقول الغزيرة التي يبدو منتجها هزيلًا وضعيفًا ولا يحقق أي فائدة للمزارع، وربما يعود عليه بالخسارة.   

تطور جوهر المثل ليشمل إشكالية الإنجاب في الصعيد، ويكسر موروثات لطالما ظلت ثابتة في هذه البيئة، لا أحد يجرؤ على الاقتراب منها، لكن جاء الاشتباك هذه المرة بمنطق يحترمه أهل الجنوب، فنجح بعد آلاف السنين في إقناع الأسرة المصرية في تلك البقعة الأصيلة من مصر بإنجاب طفلين أو ثلاثة، بعدما كانت تؤمن بأن «الخلفة عزوة»، وأن «كثرة العيال تفتح البيوت».     

نجحت محاولات المثقفين بالصعيد في رفع الوعي بخطورة الزيادة السكانية على المجتمعات أو الأسر النامية في تبني فئة الشباب بالمجتمع الريفي وجهة النظر المنطقية حول الاهتمام بجودة حياة الأبناء والاستثمار في مستقبلهم، على نحو يؤهلهم لمواجهة الحياة بقلب صلب وعقل متسلح بالعلم والثقافة والتجارب الإنسانية، وجسم سليم يعينهم على استكمال المسيرة وأداء رسالة إعمار الأرض التي من أجلها خُلِقَ الإنسان.

في الوقت الذي يحتفل فيه العالم باليوم العالمي للسكان، يعيش في مصر نحو 106 ملايين نسمة، وفقًا لآخر إحصائية أعدها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كأكثر دولة عربية تعدادًا للسكان، وهو ما يضع على عاتق كل فرد منا مسؤولية اتخاذ القرار، والاقتداء بالأجداد الذين قالوا: «كل ما تخف قنديلها يغلظ».


مواضيع متعلقة