الحكمة تقول (لا تُفكر فى عبور الجِسر قبل الوصول إليه)، هكذا تعلمنا، هذا هو التفكير الصحيح، هذا هو التعامل الأمثل، المنطق يقول ذلك.. لكن ما نشاهده الآن من مداولات بين الأطراف الدولية المتعددة حول عملية البحث عن (اليوم التالى The Next Day) فى «غزة» يدل على الكثير من الاضطراب وعدم التعاطى بإيجابية مع الموقف فى قطاع غزة المنكوب، كيف يتم التفكير فى إجراءات تنفيذية فى قطاع غزة حول طريقة الحُكم وكيفية تأمينه وطبيعة علاقة إسرائيل به وهل ستوجد السلطة الفلسطينية أم لا وهل تقبل أم لا؟، وهل سيكون هناك دور لإسرائيل أم لا وهل سيوجد الجيش الإسرائيلى أم لا؟، وهل سيتم الاتفاق على وجود قوات عربية أم لا، أم قوات دولية أم قوات مشتركة أم مستشار أمريكى للإشراف على الأمن؟، وهل سيكون هناك دور لـ«حركة حماس» أم لا؟، وهل ستُسلم «حركة حماس» سلاحها أم لا؟ وهل ستنضم لمنظمة التحرير الفلسطينية أم لا؟، وهل سيتم تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية أم ائتلافية أم حكومة إنقاذ أم حكومة تكنوقراط؟، وهل ستنضم لها حركة حماس وجماعة الجهاد الإسلامى والفصائل الفلسطينية المسلحة فى غزة؟ وهل المجتمع الدولى سيوافق على ذلك ويدعم ذلك أم لا؟، وهل ستقبل الفصائل الفلسطينية بأسلوب المحاصصة فى الحكومة أم سترفض؟، وهل ستُجرى انتخابات تشريعية ورئاسية أم سيظل الوضع على ما هو عليه؟، وهل ستقبل إسرائيل بدولة فلسطينية أم لا؟ وهل ما تتداوله الإدارة الأمريكية حول النقاش مع عدد من الدول العربية عن ضرورة إعلان دولة فلسطينية سيلقى رضا إسرائيلياً أم لا؟
أسئلة كثيرة كفيلة بأخذ كل تفكيرنا ومجهودنا، أسئلة ستجعلنا نُضيّع وقتنا ونُهدره فى فرض افتراضات غير واقعية وغير محسوبة ولا علاقة لها بما يحدث على أرض الواقع، أقول إنه لا بد أن يتم البحث الآن عن وقف إطلاق النار أولاً، لا بد أن يتم النظر بعين الاعتبار للوضع فى غزة وهو أهم شىء، لا بد من إنقاذ غزة أولاً وقبل أى شىء، إنقاذ أهلها الذين يعانون الأمرين، إنقاذ مواطنيها من الموت -المحقق- جوعاً، إنهم يموتون بالبطىء، إنهم يتعرضون لأبشع مخطط يهدف للتخلص منهم إما بالتهجير القسرى أو الطوعى أو بالموت وهم على قيد الحياة أو بالتعذيب وهم أحياء، لا بد من التفكير فى وقف القصف الإسرائيلى العنيف والمجازر اليومية والاعتداءات التى لا تتوقف دون أن يتحرك أحد من دول العالم، المنظمات الدولية فشلت فى إيقاف الحرب وفشلت فى التصدى لإسرائيل لكنها بذلت مجهوداً فى فضح الممارسات الإسرائيلية، على المجتمع الدولى أن يقوم بمسئولياته تجاه المجازر الإسرائيلية وإيقافها والبحث عن عملية إنقاذ حقيقية لشعب يُباد لا يجد طعاماً ولا ماء ولا دواء ولا وقوداً ولا رعاية صحية، الأطفال يموتون والسيدات يدفعن الثمن، وأكثر من (٧٠٪) من الشهداء فى قطاع غزة إما أطفال أو سيدات، والمستشفيات والمدارس تم تدميرها، حتى مقرات المنظمات الدولية الإغاثية تم قصفها.
الهدف الأول لا بد أن يكون وقف إطلاق النار، وبعده يأتى أى شىء آخر سواء (اليوم التالى) أو (الانتخابات والحكومة والمحاصصة وطريقة حكم غزة)، تسقط «السياسة» طالما لا تحافظ على حياة البشر، تسقط «السياسة» التى تفكر فى طريقة عبور الجسر قبل الوصول إليه، تسقط «السياسة» وألاعيبها طالما لا تحقق مصالح المواطنين، تسقط «السياسة» طالما لا تجعلنا نُفكر بضمائرنا فى مصير (٢٫٤) مليون فلسطينى يعانون الآن فى قطاع غزة ويتعرضون للموت إما قصفاً بالصواريخ أو جوعاً أو إهمالاً فى العلاج أو تشرداً فى شوارع غير آمنة.