قبل أن تضع حرب الرقائق الإلكترونية بين الصين وأمريكا أوزارها، اندلعت حرب تجارية جديدة بين البلدين، بعد أن أعلن البيت الأبيض فى مايو الماضى، أن الولايات المتحدة رفعت الرسوم على السيارات الكهربائية الواردة من الصين من (25%) إلى (100%)، وعلى الفور ردت «بكين»، واتهمت الرئيس الأمريكى بالتراجع عن تعهده بعدم السعى «للانفصال الاقتصادى عن الصين».
الحرب التجارية والاقتصادية العظمى قائمة بالفعل بين الدولتين، رغم عدم الإعلان رسمياً عن اندلاعها، وسبق للصين اتهام الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات، مثل ضوابط التصدير المرتبطة بالتكنولوجيا، لتقييد صعودها اقتصادياً، وذلك بعد فرض قيود على تصدير المواد المتقدمة اللازمة لصناعة الرقائق الإلكترونية إلى الصين، والتى أدت لتعثر المصانع والشركات الصينية.
وقبل ما يزيد قليلاً على عام، قالت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، إن الفصل الكامل بين البلدين سيكون كارثياً لكل منهما، وأكدت أن بلادها لا تسعى لذلك، وقال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومى الأمريكى، إن الولايات المتحدة تنتهج سياسة «التخلص من المخاطر» وليس الانفصال.
هذه التصريحات وغيرها، فسرها المراقبون من زاوية أن مسئولى الإدارة الأمريكية، يريدون أن تفهم الصين أن الولايات المتحدة ستستمر فى اتخاذ كل ما يلزم من تدابير لحماية الأمن القومى والاقتصادى الأمريكى.
ومع بداية معركة السيارات الكهربائية، خرجت تفسيرات جديدة، تشير إلى أن الرئيس جو بايدن يسعى لإرضاء العمال من أصحاب الياقات الزرقاء فى بعض الولايات، مثل ولايتى «بنسلفانيا» و«ميتشيجان»، باعتبارهما مرتكزات حاسمة فى الانتخابات الرئاسية فى نوفمبر المقبل.
ويبدو أن شبح المنافس الجمهورى المحتمل دونالد ترامب يطارد «بايدن»، ما دفعه لاستخدام سلاح «التعريفات الجمركية»، ليبدو أكثر صرامة فى المواجهة، من منافسه فى السباق الرئاسى، الذى شن حرباً تجارية شرسة على الصين عام 2018، وهو ما انتبهت إليه «بكين»، بعد أن وصفت رفع الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية بأنه «تلاعب سياسى» فى سياق الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وجاء فى بيان البيت الأبيض أن القرار يعكس التزام الرئيس «بايدن» بالدعم الدائم للعاملين الأمريكيين، وأنه عند وجود ممارسات غير عادلة ومضادة للمنافسة سيستخدم جميع الأدوات الضرورية لحماية العاملين والصناعة الأمريكية.
وقالت «لايل بيرنارد»، رئيسة المجلس الاقتصادى الوطنى، إن «بايدن» تحرك لمواجهة الواردات الصينية، على الرغم من سعيه لوجود علاقات مستقرة بين «واشنطن» و«بكين».
قررت الصين تغيير «تكتيك» مواجهة أمريكا فى المعركة الجديدة، خاصة بعد علمها باتجاه الاتحاد الأوروبى لزيادة الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية إلى (48%)، ودخلت «بكين» بعرض لخفض تعريفاتها الحالية على السيارات ذات المحركات الكبيرة القادمة من الاتحاد الأوروبى بنسبة 15%.
وبالتوازى، بدأت الصين مفاوضاتها الثنائية مع الدول الأوروبية، وأبرزها ألمانيا، وفى لقاء أخير بين «روبرت هابيك»، وزير التجارة والصناعة الألمانى، مع نظيره الصينى «وانج وينتاو» فى «بكين»، اقترح الأخير خفض الجمارك الصينية على السيارات الألمانية الفاخرة، ومن بينها «مرسيدس» و«بى إم دبليو»، بما يفيد صناعة السيارات الألمانية، التى تتمتع بنفوذ كبير داخل الاتحاد الأوروبى، كواحد من أهم وأكبر الصناعات، وتسعى الصين لاستغلال هذا النفوذ فى مفاوضاتها مع بقية الدول الأوروبية للوصول لشروط أكثر ملاءمة لصادراتها من السيارات الكهربائية.
النتائج الإيجابية للتكتيك الصينى لامتصاص آثار الحرب التجارية الجديدة، التى بدأتها الولايات المتحدة، تلوح فى الأفق، وهو ما كشفته وكالة «بلومبيرج» فى تقرير أخير -قبل ساعات- تضمن الإشارة إلى اتجاه الاتحاد الأوروبى لتأجيل قراره برفع الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية، انتظاراً لنتائج المفاوضات التى تعكس التفاعلات المعقدة بين المصالح الاقتصادية والاستراتيجيات السياسية بين كل الأطراف.
وحسبما جاء فى التقرير: «طالما أن الجانبين يحرزان تقدماً كافياً، فمن الممكن إيقاف عقارب الساعة».