يمكن القول إنه كان مستبعداً تماماً لدى جماعة حسن البنا وتوابعها، بل بينهم من أعلن أنهم باقون فى الحكم خمسمائة سنة، وهذا يكشف أننا أمام أناس لم يكن لديهم استعداد لخوض انتخابات مجدداً وقبول نتائجها، دعنا الآن من سذاجة هذا التصور، الدولة الأموية بعظيم قدرها لم تكمل قرناً من الزمان.
بعيداً عن تلك الجماعة فإن الذى يعرف جيداً تاريخ وطبيعة المصريين وبنية مؤسسات الدولة، أدرك من اللحظة الأولى أن وجود الجماعة فى الحكم مؤقت، وأن الشعب المصرى سوف ينزل مجدداً، وفى تاريخنا الوطنى حدث ذلك أكثر من مرة.
ربما كان المفاجئ فعلاً هو ضخامة الأعداد التى نزلت إلى الشوارع والميادين، تجاوز الرقم ثلاثين مليوناً، كان الرقم القياسى يتراوح من (11 إلى ١٤ مليوناً) كانوا فى الشوارع والميادين يوم الجمعة ١١ فبراير سنة ٢٠١١، حين أعلن الرئيس مبارك تخليه عن الحكم.
فكرة النزول مجدداً إلى الشوارع كانت مطروحة منذ الإعلان الدستورى الذى أصدره د. محمد مرسى فى نوفمبر سنة 2012.
ما جرى حول قصر الاتحادية فى الأسبوع الأول من ديسمبر، حين اضطر الحرس الرئاسى إلى إخراج الرئيس مرسى من القصر إلى مكان آمن، كان بروفة لم يستوعبها محمد مرسى ولا مكتب الإرشاد، كان إنذاراً مبكراً وقوياً.
لكن تصور أمراء جماعة حسن البنا أنهم بمجموعات البلطجية قادرون على فرض رجلهم ونظامهم على الشعب المصرى. يمكننا القول إن النهاية الفعلية لحكم جماعة حسن البنا كانت فى ديسمبر 2012، ما حدث بعد ذلك وحتى يوم ٣٠ يونيو، كان محاولات مد عمر افتراضى.
لكن لم تتقبل الجماعة كل المحاولات، الموت الإكلينيكى وقع فى ديسمبر، بعدها بفترة قصيرة صدر الحكم الذى أصدره المستشار خالد محجوب فى قضية الهروب من السجن يوم ٢٨ يناير ٢٠١١، أدان الحكم جنائياً د. محمد مرسى وأركان الجماعة فى اقتحام السجون والهروب، بدلاً من التعامل القانونى والسياسى مع حكم المحكمة، تلقى القاضى الجليل تهديدات تمس حياته من الجماعة.
يوم صدور هذا الحكم سقطت شرعية محمد مرسى وجماعته، هذه الجريمة التى أدين بها تمنع صاحبها من الترشح للانتخابات الرئاسية، وهذا يعنى أن الترشح كان غير صحيح أو مشكوك فى سلامة بعض الإجراءات وما يترتب عليه يصبح غير صحيح، كان يجب يومها أن يصدر بيان رئاسى يحدد الموقف من هذا الحكم.
من الوهلة الأولى لإعلان فوز د. مرسى فى يونيو ١٢، كنا ندرك أن الجماعة ليس لديها مشروع دولة ولا أفكار تقيم دولة، هم معادون للفكرة الوطنية وللدولة الوطنية، هم كذلك يعادون الدولة المدنية، بل يعادون مفهوم الدولة ذاته، هم يريدون الولايات الصغيرة والإمارات المحدودة.
لكن كان رهان المصريين على الاستقرار والخروج من فوضى ما بعد يناير، وكان التصور العام أن الرئيس سوف يغادر جماعته، مؤقتاً على الأقل، احتراماً لجلال الموقع الجديد ويعمل بمؤسسات الدولة.
يمكن للانتخابات أن تدفع بفائز بلا أفكار ولا برنامج جاد، لكن هناك مؤسسات وإدارات يمكن أن تعالج مثل هذه الأمور، لكن بدا واضحاً من حلف اليمين فى ميدان التحرير بطريقة بهلوانية والتمنع عن الذهاب إلى المحكمة الدستورية، ثم الذهاب مكرهاً، مؤشر على أن التصور المبدئى بأنه سوف يحترم ويلتزم بتقاليد الدولة غير دقيق، ثم توالت الأحداث والوقائع تؤكد أن الرجل يعمل من خلال جماعته ولصالحها فقط، حتى إذا كان ذلك مناقضاً تماماً لصالح الدولة وعموم المصريين.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث بدأت الجماعة فى عملية خلخلة مؤسسات الدولة من داخلها، سواء بالخلايا النائمة التى زرعوها داخل كل مؤسسة، فضلاً عن القيام بعمليات فوضى وإحكام السيطرة على كل مؤسسة، ما حدث فى المؤسسات القومية نموذجاً، محاولة تخريب الهيئة العامة للكتاب ودار الكتب والوثائق القومية ما زال فى الذاكرة، هل نتذكر غارات محمد البلتاجى على مقر الرقابة الإدارية ومحاصرة دار القضاء العالى والمحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامى.
على أن أخطر ما قامت به الجماعة هو التحرش بالمؤسسات الوجودية بالنسبة للدولة، فلا تقوم دولة دونها، وهنا تأتى المؤسسة العسكرية والمؤسسات الدينية فى المقدمة.
عن المؤسسة العسكرية قامت عناصرهم الإرهابية بالاعتداء على جنودنا فى سيناء أكثر من مرة، ثم قاموا باختطاف عدد من الجنود ولما كانت أجهزة الدولة على وشك القيام بتحريرهم، أوقف رجل الجماعة بالاتحادية د. محمد مرسى العملية بالكامل وأعلن أنه سيعيدهم بالتفاوض وأطلق مقولة مخزية «تهمنى سلامة الخاطفين والمخطوفين»، ربما تكون المرة الأولى فى التاريخ التى يعلن فيها رئيس اهتمامه بسلامة عصابة من الإرهابيين، كان المعنى هنا أن الجماعة الإرهابية لا تحترم ولا تقدر أى مؤسسة وطنية.
المؤسسة الدينية، تحديداً الأزهر الشريف، ناله الكثير من جماعة حسن البنا، منذ أن تأسست تلك الجماعة، تعرض فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب إلى الكثير من سخافات الجماعة وبذاءة عدد من قادتها مع فضيلته، رأينا جميعاً محمد مرسى وهو يتجاهل يد فضيلة الإمام الممتدة إليه بالمصافحة، ثم كانت مؤامرة تسمم طلاب المدينة الجامعية بالأزهر ومحاولة اغتيال الأمام معنوياً وعزله من موقعه، رغم أن واقعة التسمم لو صحت، يساءل فيها مسئول التغذية والمطاعم بالمدينة.
أما الكنيسة القبطية، فقد اقتحموا وأشعلوا النار فى مقر الكاتدرائية فى غمرة بالعباسية، وهى جريمة لم تعرفها مصر فى العصر الحديث وأحرقوا عشرات الكنائس.
مشهد ديسمبر سنة 2012، حول قصر الاتحادية، كان مؤشراً على أن الجماعة تحتكم إلى قاعدة البلطجة والإرهاب فى مواجهة المصريين ولا تعرف غير هذا الأسلوب، لو مددنا الخط على استقامته فإننا سوف نكون بإزاء حالة من الفوضى واحتراب أهلى، وهذا ما كانوا يدفعون البلاد نحوه ويراهنون عليه.
ظهور وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى فى المشهد وكذا وزير الداخلية، فضلاً عن بقية مؤسسات الدولة، هو الذى حال دون الدخول فى الفوضى والاحتراب الأهلى، وجعل النزول إلى الشارع ثورة أخرجتنا من حالة الظلام إلى النور، الخروج إلى النهار وإلى الطريق الواسع، طريق الدولة الوطنية - المدنية