الوجود العسكرى الأمريكى فى الشرق الأوسط لا يخفى على أحد، تواجُد مُكثف جداً ومُتزايد منذ أحداث (٧ أكتوبر)، حضور عسكرى غير مسبوق وحشد للجنود وحاملات الطائرات وأحدث الأسلحة، تواجُد كبير لكبار قادة الجيش الأمريكى فى المنطقة بصفة مُستمرة لدرجة أن زياراتهم لا تنقطع، عدد القوات الأمريكية تعدى الـ(١٠٠) ألف جندى ويقيمون فى المنطقة منذ (عام ٢٠١١) لأن المصالح الأمريكية تتحدث عن نفسها، مصالح مع دول الخليج والحفاظ على حركة الملاحة الدولية والحفاظ على أمن إسرائيل، مما يحتم الوجود الضرورى لعدم ترك الساحة خالية لقوى كبرى أخرى.
هنا اختلف الأمر بين المحللين السياسيين، وبعضهم وصف ذلك بأنه تصعيد محسوب واستعداد لما هو آت فى ظل تزايد لغة التهديد والوعيد بين إسرائيل وإحدى القوى الإقليمية وتابعيها، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية حريصة على الحفاظ على أمن إسرائيل، والبعض الآخر أكد أن ذلك ما هو إلا حرب نفسية تمارسها أمريكا من أجل التصدى لأى تصعيد قد ينشب فى أى وقت ولأى سبب، لكن الثابت لدينا أن أمريكا لديها مصالحها فى المنطقة واستقرار المنطقة هدف استراتيجى مُهم بالنسبة لها للسيطرة على الموقف وليس تصعيده.
بطبيعة الحال فإن للولايات المتحدة الأمريكية حسابات أخرى، وزيادة وجودها العسكرى عبارة عن تصعيد محسوب بدقة والهدف من ورائه استبعاد المواجهات العسكرية، ومن حقنا وصفه بأنه مُجرد حرص أمريكى على الاستعداد لكافة الاحتمالات القادمة فى ظل تحولات مُريبة فى التحالفات بالشرق الأوسط وتغير شديد فى المصالح، وكلنا نعلم بأن هناك زيادة فى نفوذ عدد من القوى الكبرى فى الشرق الأوسط، وهذا يستدعى من الولايات المتحدة الأمريكية تجهيز خطة جديدة لانتشار قواتها وهو ما حدث بالفعل، فحاملة الطائرات الأمريكية «آيزنهاور» غادرت مياه البحر الأحمر -بحسب ما أعلنه باتريك رايدر المتحدث باسم البنتاجون- وستبقى لفترة وجيزة فى منطقة مسئولية القيادة الأوروبية للقوات الأمريكية فى البحر المتوسط وستحل محلها حاملة الطائرات الأمريكية «روزفلت» التى كانت متمركزة فى منطقة المحيطين الهندى والهادى.. إذن تمت عملية إعادة انتشار للقوات الأمريكية فى المنطقة على النحو التالى («حاملة الطائرات آيزنهاور» للبحر المتوسط و«حاملة الطائرات روزفلت» للبحر الأحمر) والأسباب معروفة للجميع، ولا تحتاج لافتراضات المحللين السياسيين، ومنها:
- إن ما يحدث فى جنوب لبنان من عملية شد وجذب بين حزب الله اللبنانى وإسرائيل يؤكد على وجود تخوُّف مشروع من زيادة حدة الصراع فى الشرق الأوسط فى ضوء التخلى عن الحفاظ على بقاء منطقة فض الاشتباك آمنة، وزيادة وتيرة الضربات بين الجانبين من مُسيّرات وقذائف وصواريخ، وتسريب معلومات أمنية سرية من كل منهما ضد الآخر، ورغم إعلان حزب الله بأنه (جبهة إشغال) لإسرائيل فى حربها على قطاع غزة وأنه لن يكون (جبهة إشعال) للمواجهة مع إسرائيل إلا أن الأمر تحول لإشعال المنطقة بأكملها، وهو ما يراه جميع المتابعين للمشهد السياسى.
- الدور الفرنسى كوسيط بين الطرفين -حزب الله وإسرائيل- تزايد خلال الفترة الماضية لكن دون جدوى وحال دون الوصول لنقطة اتفاق تمنع التصعيد.
- التحذيرات المتوالية من الاتحاد الأوروبى بعدم التصعيد جعلت معظم الدول الأوروبية والعربية تحذر رعاياها بعدم السفر إلى لبنان، وهو ما يؤكد بأن الأجواء أصبحت مُهيأة للحرب.
- (٥٠٠) ألف مُستوطن إسرائيلى غادروا شمال إسرائيل والهواجس بالتصعيد جعلتهم يرفضون العودة مرة أخرى.
- دخول ميليشيات مسلحة على الخط فى مواجهة إسرائيل بصورة علنية، خاصة فى اليمن والعراق وسوريا، وهذا يحتاج لليقظة فى أحيان والمواجهة فى أحيان أخرى.