بكل تجرُّد وقَّعتُ على استمارة «تمرد»
فى بدايات شهر يونيو 2013 وقَّعت على استمارة حركة «تمرد».
أوقفنى شاب قال إنه يدرس فى كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، أمام مبنى جامعة القاهرة، ليمنحنى استمارة لملئها وتوقيعها وإعادتها إليه، وبعد مناقشة قصيرة، استجبت لطلبه.
كانت حركة تمرد قد بدأت نشاطها فى أوائل شهر أبريل، بعد أن أصبحت ميادين مصر مسرحاً لحرب أهلية بين جماعة الإخوان وأنصارها، وبين معارضيها من مختلف فئات الشعب المصرى، وجاءت حركة «تمرد» الشبابية لتترجم بالاستمارة مطالب المتظاهرين فى كل ميادين محافظات الجمهورية.
كان مطلب الحركة الرئيسى الذى ترجمته الاستمارة، بجانب التعهد بنشر حملتها بين الجماهير، هو سحب الثقة من رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى، والدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
وهو ما كان يعنى أن بإمكان جماعة الإخوان وحزبها الحرية والعدالة، إعادة خوض الانتخابات الرئاسية مرة ثانية، لو رغبت فى ذلك.
لكن الجماعة كانت تعلم علم اليقين أن النهر الذى سبحت فيه للوصول إلى قصر الاتحادية فى المرة الأولى، لم يعد هو نفس النهر إذا ما كررت نفس التجربة.
اختارت الجماعة بدلاً من ذلك تشكيل حركة عرجاء هزيلة أسمتها «تجرد» لرفض مطالب حركة تمرد ومواجهتها، بنغمة مشابهة لها فى الصوت وعدد الأحرف، سرعان ما تاهت وباخت وتوارت مع هدير أصوات الرصاص والقنابل والتدمير لحرب الإرهاب التى شنتها على الدولة والمجتمع تمسكاً بالبقاء فى السلطة.
كانت الجماعة تعلم علم اليقين أن قدرتها على الوصول إلى تقلد الحكم مرة أخرى فى أية انتخابات حرة ونزيهة باتت مستحيلة، بعد أن اختبر المصريون بأنفسهم فشلها الذريع فى إدارة حكم البلاد، وانعدام الكفاءة وغيبة المعرفة والنزاهة والحكمة عن مسئوليها وإدارييها فى كل المواقع.
هددتنا جماعة الإخوان بأنها باقية فى الحكم لخمسمائة عام. لا أنكر أن التهديد أخافنى.
لكن المشاركة فى معظم الأنشطة العامة والانخراط فى التحركات الشعبية شبه اليومية المناهضة للجماعة، التى عمَّت شوارع وميادين القاهرة للمطالبة برحيل دولة المرشد، قد قللت تلك المخاوف، ورست بها على احتمال استمرارهم فى الحكم لدورة رئاسية واحدة.
لكن حالة الإرباك التى لازمت عاماً واحداً من حكم الجماعة، وكشفت شرهها للتسلط وللثروة وعبثها بمقومات المجتمع ومؤسسات الدولة، وترسيخ دعائم حكمها بالعنف والترويع والتشريع، قدَّمت بوضوح تام لكل من الخائفين والمترددين والمنعزلين واللامبالين الأدلة القاطعة على أن مصر فى خطر داهم، وأن وضعاً كمثل الوضع الذى جرَّت إليه الجماعة مصر، الدولة والمجتمع، من المحال أن يبقى ويستمر.
بعد خطاب الدكتور «محمد مرسى» فى 15 يونيو 2013، فى مؤتمر نصرة سوريا، الذى أعلن فيه قطع العلاقات معها وإغلاق سفارتها فى القاهرة وسحب القائم بالأعمال المصرى من دمشق أدركت، مع كثيرين غيرى، أن التنظيم الدولى للإخوان، بدعم من الغرب الأمريكى والأوروبى، يسعى لإحكام قبضته على كل دول المنطقة.
كانت الأحزاب والقوى السياسية قد رفضت دعوة من الجماعة لمناقشة الأزمة السياسية التى أفلتت من زمامها، وباتت خارج حدود السيطرة، وعطلت كل مؤسسات الدولة، وقامرت بمصالح المواطنين.
وحين استجابت القوى السياسية لدعوة مماثلة من قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح السيسى، ألغى الدكتور مرسى الدعوة، بعد أن كان قد سبق ووافق عليها.
بعد أقل من أسبوعين فى 26 يونيو ألقى الدكتور مرسى خطاباً آخر احتفالاً بمرور عام على تسلمه السلطة، وفى هذا الخطاب تحديداً تأكد لكثيرين مثلى أن أيام الإخوان فى السلطة باتت معدودة.
ففيه أشار إلى الاستعداد لإجراء انتخابات برلمانية، بما يشكل رفضاً لمطلب إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهو المطلب الذى نجحت استمارة تمرد خلال أقل من شهر فى جمع أكثر من 22 مليون توقيع عليه، بزيادة 9 ملايين صوت عن الأصوات الذى حاز عليها دكتور مرسى فى الانتخابات الرئاسية.
وفى نفس الخطاب كرر الدكتور مرسى أكثر من مرة جملة لافتة للنظر وهو يقول: أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وأضاف أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأن مؤسسات الدولة، وعلى رأسها القوات المسلحة وباقى أجهزة الوطن السيادية، تعمل بانسجام وانضباط تام تحت قيادة رئيس الدولة.
بعد هذا الخطاب أمست كل التوقعات تتجه إلى أن جماعة الإخوان تمهد للصدام مع الجيش، فى خطوتها التالية، لضمان استمرار بقائها فى السلطة.
لكن الوعى الذى تكوَّن وتراكم بالفطرة والبداهة والحس السليم لدى معظم المواطنين بضرورة سقوط دولة المرشد الفاشية المتاجرة بالدين، قد تجلى فى منح حركة تمرد الثقة واحتضان أنشطتها، ودفع جموع المصريين بعد هذا الخطاب بأقل من أربعة أيام إلى الاستجابة لدعوتها للتظاهر والاحتشاد فى الميادين فى الذكرى الأولى لتولى الدكتور مرسى السلطة فى 30 يونيو.
وحتى تلك اللحظة كان المطلب لا يزال هو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
وكانت استجابة الجيش برئاسة الفريق السيسى لمطالب الجماهير الحاشدة والغاضبة فى الميادين، ومساندته لمطالبها أمراً متوقعاً، وجزءاً أصيلاً من عقيدة الجيش المصرى، مسطور بحروف من نور فى سجلات التاريخ الوطنى للدولة المصرية المعاصرة.
وفى اليوم التالى، فى الأول من يوليو، أعلن القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع الفريق أول «عبدالفتاح السيسى» فى بيانه الشهير، أن القوات المسلحة تكرر الدعوة لتلبية مطالب الشعب، وتمهل الجميع 48 ساعة كفرصة أخيرة، للتوصل إلى صيغة توافق وطنى لتنفيذ تلك المطالب.
وكان ذلك البيان هو الذى قاد ليوم الإعلان عن سقوط دولة جماعة الإخوان فى الثالث من يوليو، وهو السقوط الذى شكَّل بداية لهزيمة مشروعها، ليس فى مصر فحسب، بل فى كل دول المنطقة.