في 14 مارس 1914، كانت مصر على موعد مع حدث تاريخي أسعد المصريين وأزعج الاحتلال البريطاني.
وقف الخديو عباس حلمي الثاني أمام قطعة أرض كبيرة تملكها عمته الأميرة فاطمة، ابنة الخديو إسماعيل، وسط احتفال كبير، ليفتتح أول جامعة مصرية، أصبحت بعد سنوات منارة للعلم والفكر والتنوير في الشرق كله.
ومنذ أيام، أهدانا أستاذنا الدكتور سمير حسين، أستاذ الإعلام، صورة نادرة للأميرة الجميلة مذيلة بعبارة مكتوبة بخط بديع تقول «هذه من آثار حضرة صاحبة السمو الأميرة فاطمة إسماعيل»، ويبدو أن الصورة مأخوذة من لوحة كانت معلقة في الجامعة المصرية، وأرفقت بها معلومات قيمة حول فكرة الجامعة ونشأتها، وكيف باعت الأميرة مجوهراتها ليكتمل إنشائها.
والقصة يعرفها المصريون منذ 109 سنوات، هي عمر الجامعة وعمر حضورها الطاغي وتأثيرها الهائل في حركة النهضة والوطنية المصرية، ومع ذلك فإن الأثر العظيم الذي تركته هذه الشخصية الاستثنائية في الحياة المصرية وحياة الأجيال، لم يحظ بالعرفان والإجلال الذي يستحقه من المصريين بعد كل هذه السنوات!.
بعد نشر صورة الأميرة وأثرها الخالد، توالت التعليقات على جروب يضم نخبة من الأساتذة والقيادات الإعلامية من خريجي «كلية فاطمة إسماعيل»، (هكذا كان طلاب الكليات الأخرى يطلقون على طلبة كلية الآداب في جامعة القاهرة)، وقتها ربما لم نكن ندرك قدر الاسم العظيم ومعناه.
الآن نشعر بحق كم كان شرفاً وفخراً لطلاب مصر الذين التحقوا بالجامعة المصرية أن يقولوا «نحن أبناء جامعة فاطمة.. نرفع رؤوسنا ونفخر»، انتمينا لأول جامعة أهلية في مصر والشرق، تعلمنا بقروش أهلنا التي تبرعوا بها لاستكمال مشروع وطني كان حجر الأساس لانتفاضة المصريين ضد الاحتلال، وانتزاع حقهم المشروع في العلم والحرية.
وتساءل صديقنا العزيز الإعلامي الكبير عبد الله حسن «ألا تستحق هذه السيدة العظيمة احتفالا وتكريماً لائقاً من جامعة القاهرة؟!»، ونحن بدورنا نسأل أين الجامعة التي آمنت بفكرتها ومنحتها فاطمة إسماعيل عمرها، وأهدتها أرضها الشاسعة، وأوقفت على التعليم فيها ريع ممتلكاتها؟.
إن دول العالم تفخر بنسائها ورجالها الذين قدموا أعمالا جليلة لشعوبها وللإنسانية، وهذه سيدة سبقت عصرها، وتمردت على لامبالاة طبقتها الثرية، وانحازت للعلم وتعليم أبناء وطنها، ألا تستحق تكريماً، تمثالاً، أو حتى إطلاق اسمها على شارع الجامعة؟!.
نحن نحتفل هذه الأيام بيوم المرأة العالمي ويوم المرأة المصرية، أما آن الأوان لتحصل ابنة الرجل ذو الإسهام العظيم في بناء مصر الحديثة على الاعتراف والعرفان بما قدمته لبلدها التي أحبتها، وسعت لرفعة شأنها بين الأمم؟
أن القانون المصري يمنح بطاقة هوية لأي أجنبي بشروط معينة، وهذه السيدة سلبت منها كتب التاريخ مصريتها هي وعائلتها لسنوات طويلة، ألا تستحق فاطمة إسماعيل بقدر ما قدمت وما تركت من أثر عظيم أن نعيد لها الاعتبار، وأن نعترف أخيراً بانتمائها وعطائها للبلد الذي ولدت ونشأت ودفنت فيه؟!.