تاريخ من النضال الوطني بـ«الكلمة ونشر التعليم الكنسي»
«البابا» يتفقد معرض الصحف القبطية
دخل الأقباط ميدان الصحافة منذ بداياتها الأولى فى سبعينات القرن التاسع عشر، مشاركين الشوام والمسلمين والصحفيين المهاجرين فى هذا الميدان، وذكر الأنبا مكاريوس، أسقف المنيا للأقباط الأرثوذكس، فى كتاب «الصحافة والدوريات القبطية»، أن هناك عدة عوامل أدت لدفع الأقباط لإصدار الصحف الخاصة بهم لتكون منبراً للتعبير عن رأيهم فيما يمر به الوطن، بالإضافة إلى نشر الثقافة الدينية، وأبرز تلك العوامل كانت المواطنة، حيث لم ينفصل الأقباط عن الأحداث التى تمر بها الأمة، وقد عبّر عبدالرحمن الرافعى عن تلك الحالة بقوله «كان المسلمون والأقباط يشتركون على السواء فى احتمال ظلم الحكام وسوء الإدارة».
ويُعد العامل الثانى لظهور الصحف القبطية هو النهضة الثقافية والعلمية التى شهدها النصف الثانى من القرن التاسع عشر، وهو ما دفع لظهور الصحف والمؤلفات القبطية فى هذا الوقت، فضلاً عن النهضة التعليمية التى قام بها البابا كيرلس الرابع، البطريرك 110، الملقب بـ«أبوالإصلاح»، والذى كان له دور اجتماعى يتجاوز حدود الكنيسة، فقد اهتم بإنشاء المدارس للمصريين جميعاً، كما جلب مطبعة من الخارج، وهو الذى شجّع الأقباط على إصدار جرائد ومجلات لها فاعليتها فى حياة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والمجتمع المصرى، وقد كان لتلك الخطوة أثر كبير فى ربط الأقباط بالمجتمع والكنيسة.
وبحسب الدكتور موريس أسعد، رئيس تحرير مجلد من موسوعة تراث القبط، كانت جريدة «الوطن» باكورة الصحف القبطية، أصدرها ميخائيل عبدالسيد فى 17 نوفمبر 1877، وكان هدف الجريدة منذ بدايتها هو نبذ الرذائل والتحلى بالخلق والفضائل ونقل صورة العالم عبر صفحات الجريدة، فقد كانت جريدة ناطقة بلسان جميع المصريين، مسلمين ومسيحيين.
وتوقفت جريدة «الوطن» ثلاث مرات فى الفترة من 1879 حتى 1888، وذلك بسبب موقفها الوطنى المعادى للاحتلال الإنجليزى فى ذلك الوقت، وفى 23 أغسطس 1900 توقفت جريدة «الوطن» ولكن أعاد جندى إبراهيم إصدارها، بصورة يومية، لتهتم بالشئون القبطية، وصدر العدد الأخير من الجريدة فى 19 أكتوبر 1930.
ثم ظهرت بعد ذلك جريدة «مصر»، التى صدرت فى 22 نوفمبر 1895، كجريدة أسبوعية ثم تحولت إلى جريدة يومية، وقد أولت جريدة «مصر» اهتماماً خاصاً للأخبار السياسية الداخلية والخارجية، كما شاركت فى القضايا الوطنية وفتحت صفحاتها للمسلمين والأقباط، فقد كان يكتب بها عدد من كبار الكتّاب فى ذلك الوقت، منهم عباس العقاد وطه حسين، إلى جانب جرجس فيلوثاؤس عوض.
«أسعد»: جريدة «مصر» تصدت لمحاولات الاحتلال فى التفرقة بين عنصرى الأمة وكتب فيها «العقاد وطه حسين».. و«الوطن» توقفت 3 مرات بسبب معادات الإنجليز
وقد تصدّت جريدة «مصر» لمحاولات الإنجليز فى التفرقة بين عنصرى الأمة، كما قامت الجريدة بتناول القضايا القبطية بتعمق، فقد قامت بتأييد المؤتمر القبطى فى أسيوط 1911، الذى جاءت أبرز توصياته بتدريس الدين المسيحى فى المدارس وإلغاء القيود العشرة على بناء الكنائس، كما طالبت الإذاعة المصرية بتخصيص وقت لإذاعة القداس الإلهى، وفى 1966 صدر قرار بتوقفها عن الصدور.
كما تبرز جريدة «وطنى» التى تصدر يوم الأحد من كل أسبوع منذ بدايتها 1958، وأسسها أنطون سيدهم بهدف أن ينال الشعب المصرى كله حق المساواة والعدالة الاجتماعية، وكانت الصفحة الأولى من الجريدة مخصصة للمقالات بقلم أنطون سيدهم الذى كان يتناول موضوعات الوحدة الوطنية بشجاعة وكل ما يتعلق بحقوق الأقباط كمواطنين، كما أولت الجريدة الظواهر الروحية اهتماماً بدءاً من ظهور السيدة العذراء فى كنيستها بالزيتون بالقاهرة فى 2 أبريل 1968 وحتى ظهورها فوق كنيسة مارمرقس الرسول بأسيوط سنة 2000.
وكانت جريدة «وطنى» تعطى للشباب حرية التعبير عبر صفحاتها، كما كان يصدر ملحق باللغة الإنجليزية أسبوعياً لخدمة الأقباط بالخارج، كما أطلقت بوابة إلكترونية «وطنى نت» لتواكب مجريات العصر التكنولوجى.
ولم يكتفِ الأقباط بالمشاركة فى صناعة الصحف، وإنما أصدروا مجلات قبطية، وكانت «مجلة الكرازة» أبرز تلك المجلات، لسان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والمنبر الإعلامى الرسمى لها حتى الآن، صدرت عام 1965 فى عهد البابا كيرلس السادس على يد البابا شنودة الثالث الذى كان أسقفاً للمعاهد التعليمية والتربية الكنسية حينها.
وعبّر البابا شنودة الثالث، خلال افتتاحية العدد الأول من المجلة، عن التوجه العام للمجلة: «سنقول الحق ونشهد له فى قوة لأننا إن لم نفعل هذا لا يرضى الحق عنا»، وكانت مجلة الكرازة فى بدايتها تتناول الأخبار الكنسية المتخصصة، حيث كانت تعرض أخبار الكليات الإكليريكية ومناهج التربية الكنسية والجوانب الروحية، وبعد تجليس البابا شنودة الثالث فى 14 نوفمبر 1971، عرضت مجلة الكرازة الأخبار والمشروعات المستقبلية للكنيسة فى عهد البابا، كما تناولت عدداً من القضايا والأحداث التى تعرضت لها الكنيسة القبطية.
وأصدرت كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بدمنهور، التابعة لإيبارشية البحيرة، مجلة «رسالة الكنيسة»، التى تأسست على يد القمص ميخائيل جرجس صليب، وكانت تنشر أخبار الكنيسة والمجتمع، كما كان للأنبا باخوميوس، مطران البحيرة، والأنبا تواضروس مقالات، فضلاً عن المقالات الروحية وتاريخ الكنيسة.
وأسس «بيت مدارس الأحد» مجلة «مدارس الأحد» لتكون صورة حقيقية عن الكنيسة الأرثوذكسية بما فيها من جمال وعمق روحى وبما لديها من تراث فكرى يجب أن يتصل بالحاضر، وكان هدف «مدارس الأحد» هو إصلاح الفرد والأسرة والمجتمع، وتناولت أعداد المجلة شرح عقائد الكنيسة الأرثوذكسية وطقوسها وتاريخها، كما عرضت شرحاً للكتاب المقدس وسير القديسين والشهداء، وبعض الموضوعات الخاصة بالأسرة واختيار شريك الحياة.
وقد توالى على رئاسة تحرير مجلة مدارس الأحد إدوارد بنيامين (١٩٤٧م -١٩٤٩م)، والبابا شنودة الثالث وقت أن كان علمانياً باسم نظير جيد (١٩٤٩م -١٩٥٤م)، والدكتور وليم سليمان (١٩٥٤م -١٩٥٩م)، والدكتور ميخائيل عياد (1959م -١٩٧٦م)، ومختار فايق، والدكتور عادل شكرى.
ويأتى بعد ذلك مجلة «مرقس» التى تأسست عام 1956، ويصدرها دير أبومقار بوادى النطرون، وتُطبع بمطبعة الدير، وشعارها «رسالة الفكر المسيحى للشباب والخدام»، وتتنوع موضوعات المجلة بين شرح العقائد الكنسية الأرثوذكسية وطقوسها وتاريخها، وبحسب الدكتور موريس أسعد، كان الأب متى المسكين يكتب افتتاحية المجلة، وكان كل عدد من المجلة يشتمل على مقال باللغة الإنجليزية من كتابات الأب متى المسكين.