محمد نجيب.. ورث بطولة الجد ضد الاحتلال وأصبح صاحب أول شهادة «حقوق» بالجيش المصري

محمد نجيب.. ورث بطولة الجد ضد الاحتلال وأصبح صاحب أول شهادة «حقوق» بالجيش المصري
ولد والنضال مرسوم بين عينيه، وتشرب البطولات حتى اختلطت بعظامه وكيانه فأصبحت لهفته ومراده، عرف اللواء محمد نجيب، النضال منذ صغره، فكانت جدته تجلسه في حجرها وتقص عليه بطولات جده والمعارك التي خاضها ضابطا بالجيش، وخاله وكيف سافر من السودان إلى القاهرة مشيا، فنشأ محبا للجندية راغبا في أن يصير بطلا تحكى عنه الحكايات كما تحكى له حكايات جده وعاشقا للمغامرة كخاله.
حتى جاءه نبأ وفاة خاله وهو بعد لم يتجاوز 13 عاما ليلحق به الأب ويتشح البيت بسواد لم يجد نجيب الطفل له معينا على مواجهته، ليمسي يتيما بعمر الـ13 عاما وفي نفس السن التي يُتِّم فيها والده. يذكر في كتابه «كنت رئيسا لمصر» أن الحياة بالنسبة إليه كانت قاسية بمعنى الكلمة فقد ترك أبوه أسرته المكونة من عشرة أفراد، بنحو 196 جنيها، مكافأة خدمته، وجنيهين و30 مليما كمعاش شهري، و7 جنيهات ونصف إيجار منزلهم المؤجر لنادي الموظفين.
ترك لهم والدهم 12 فدانا، رأت فيها الأسرة معينا على الحياة ومشاقها؛ إلا أن عمه وضع يده عليها وأصر على أنها من حقه لأنه ادعى أنه قد أعطى شقيقه ألف جنيه، لم يردها له قبل رحيله، وقال إنه سيأخذ الأرض حتى سداد المبلغ، و«كان مستحيلا أن ندفع له ما يطلبه لأن دخلنا لا يكفينا أصلا، وأحسست حينها بالمسؤولية قبل الأوان».
أول صدام مع الإنجليز
يحكي نجيب أن أول صدام له مع الإنجليز كان وعمره لم يتجاوز 13 عاما، فقد دخل كلية «غوردن» بالسودان، وهي مدرسة يقوم على التدريس فيها وإدارتها معلمون إنجليز، وكان دخول المصريين إليها ممنوعا إلا أنه دخلها استثناءً لأن والده رغم مصريته كان من موظفي الحكومة السودانية.
ويذكر في مذكراته، أنه عام 1914 جاء معلم اللغة الإنجليزية ليملي على الطلاب قطعة إملاء جاء فيها: «إن مصر يحكمها البريطانيون»، فلم يعجبه ما ذُكر، فتوقف عن الكتابة ونهض واقفا، وقال لمعلمه: «لا يا سيدي، إن مصر محتلة من بريطانيا، ولكنها مستقلة داخليا»، فثارت ثائرة المدرس الإنجليزي، وأصر على أن يذهب أمامه إلى مكتبه وأمر بجلده عشر جلدات. ويقول إنه استسلم للعقوبة المؤلمة دون أن يتحرك أو يفتح فمه.
ويرجع سبب رفضه لما قاله معلمه، كما ذكر، أنه كان متأثرا بكتابات مصطفى كامل، التي كانت تهرب من مصر إلى السودان، وتُقرأ سرا بعيدا عن الأعين، كما كان وزملاؤه يحاولون تقليدها على قدر استطاعتهم.
وكان جزاؤه الجلد ثلاث مرات أخرى لاعتراضه على سياسات الكلية الإنجليزية بعد ذلك، لمواقف مختلفة، منها لاعتراضه مرة على وصفه وزملائه بالحيوانات فجلدوه عشر جلدات. فرد عليهم كما ذكر في مذكراته: «أنا أقبل الجلد، ولكن لا أقبل الإهانة».
ثورة 1919 وأثرها على الضابط الصغير
كان الصدام الأول له في بداياته العسكرية، عام 1919 في محطة القطار عندما مر أمامه ضابط إنجليزي كبير، برتبة أميرألاي، وكان قائد الكتيبة الأولى للجيش المصري، ولم يؤد له التحية العسكرية، «كنت لا أجد مبررا لتحيته والبلد بها ثورة ضد الإنجليز، جاء لي الرجل وسألني، لماذا لم تؤد التحية العسكرية؟ قلت لأن بيننا وبينكم خصومة والبلد في حالة ثورة، ولو أديت التحية لأحسست بالعار، ولتعرضت لاحتقار المدنيين الذين يملأون المحطة من حولنا، ثم إن المحطة كالميدان العام لا تحية فيه بين الرتب، ولما غضب أخبرته أنها قوانين الجيش»، ويذكر أن هذا الضابط شكاه لقادته ولكنهم استطاعوا احتواء الأمر والاعتذار للضابط، كما ذكر في كتابه «كلمتي للتاريخ».
لقاء مع مصطفى النحاس زعيم الوفد وهو لم يكمل عامه الثلاثين
يروي «نجيب» لقاء جمعه بمصطفى النحاس، عندما حل الملك فؤاد البرلمان عام 1929 ومنع مجلس النواب من الانعقاد؛ وكانت أغلبيته وفدية، فقرر التنكر وارتداء جلباب سوداني فوق بذلته العسكرية لمقابلة زعيم الوفد، «لم يكن سهلا على ضابط في ملابسه الرسمية أن يذهب إلى منزل لا شك أنه موضع المراقبة، ولم يكن لي من سبيل للوصول إليه عن طريق صديق مشترك، وقررت أن أذهب إليه متنكرا معتمدا على لون وجهي الذي يقترب في لونه من أبناء النوبة والسودان».
وعلم «نجيب» أن النحاس بمنزل حمد الباسل باشا فتوجه إليه في زيه التنكري، «لبست جلبابا بلديا فوق ملابسي الرسمية، وقفزت فوق سور الحديقة من منزل حمد الباسل باشا بعد صعوبة، وكان معهم مكرم عبيد باشا، وتحدثا بحديث عاطفي حماسي عن استعداد الجيش لمقاومة الإجراءات غير الدستورية التي يرتكبها الملك»، حسبما أورد بكتابه «كلمتي للتاريخ».
يذكر هو أن المقابلة كانت مثيرة ومرحة وتبادلوا الضحكات، وخاصة عندما ارتدى الجلباب مرة أخرى استعدادا للخروج، وعانقه ثلاثتهم وتمنوا له التوفيق.
ويقول إن خروجه من المنزل لم يكن سلسا أبدا؛ بل تبعه أحد المخبرين الذين يحيطون المنزل، فأسرع في خطاه إلى أن اختفى عند ناصية أحد الشوارع، وخلع جلبابه؛ فظهرت ملابسه الرسمية، واستدار راجعا ليواجهه المخبر ويمر به مسرعا في طريقه باحثا عن الرجل صاحب الجلباب!
ولم ينسَ نجيب أبدا وصية والده التي عدها نضالا من نوع خاص، فقد كان أول ضابط مصري يحصل على ليسانس الحقوق وكذلك الدراسات العليا في القانون، وفقا لموقع «رئاسة الجمهورية».