وقع فى يدى عدد من مجلة «التقدم»، التى كان يصدرها حزب التجمع كنشرة داخلية لأعضائه، عوضاً عن جريدة «الأهالى» لسان حال الحزب، التى كان يتم مصادرتها بوتيرة شبه منتظمة، أواخر عهد الرئيس السادات، وبدايات عهد الرئيس مبارك.
العدد صدر فى فبراير عام 1982، وعلى صفحاته حوار مع خالد محيى الدين، عضو مجلس قيادة ثورة يوليو، ومؤسس حزب التجمع، الذى تمر مائة عام على ميلاده فى أغسطس المقبل -رحل عام 2018- وتحدث «محيى الدين» عن رأيه فى الحوار الوطنى الذى كان قد دعا إليه الرئيس مبارك -بين الحكومة وأحزاب المعارضة فقط- بعد مرور 4 أشهر على توليه الحكم فى أكتوبر 1981.
ما قاله «محيى الدين» رغم مرور 40 عاماً بالتمام والكمال، يكاد يتطابق مع ما نشهده حالياً من أحاديث وحوارات «تمهيدية» حول الحوار الوطنى الذى دعا إليه مؤخراً الرئيس عبدالفتاح السيسى، ليس بين الحكومة والمعارضة فقط، وإنما بمشاركة الأحزاب والنقابات، والاتحادات النوعية، وممثلى جميع فئات المجتمع، وقادة الرأى فى مصر.
اللافت أن خالد محيى الدين أبدى ترحيبه بالحوار، وأكد مشاركته بدون شروط مسبقة، رغم تردى الوضع السياسى والديمقراطى فى البلاد، والذى تفاقم فى أعقاب اغتيال الرئيس السادات، مع ملاحظة أن جريدة الحزب ولسان حاله «الأهالى» كانت قيد المصادرة، والعشرات من أعضاء التجمع كانوا رهن الاعتقال، وقال إن الحوار لن يكون مثمراً كما يتمنى فى وجود قوانين استثنائية، وفى ظل حالة الطوارئ -وتجدر الإشارة هنا إلى قرار الرئيس السيسى بعدم تمديد حالة الطوارئ فى أكتوبر من العام الماضى- وأكد «محيى الدين» أنه رغم ذلك سيشارك ليطرح هذه «الإشكاليات» على مائدة الحوار.
ودعا خالد محيى الدين إلى ضرورة مشاركة الجماهير فى الحوار، وذلك من خلال التغطية الإعلامية الواسعة لفعالياته، وقال إن الجماهير هى صاحبة المصلحة الأولى، وتتأثر حياتها المعيشية وحرياتها بالقضايا المطروحة، ولذلك يلزم أن يجرى الحوار تحت رقابتها، وأن يصل إلى علمها رأى كل طرف من الأطراف المشاركة.
وعن القضايا التى يجب أن يشملها الحوار، قال رئيس التجمع الأسبق إن كل الموضوعات التى تهم المصريين قابلة للنقاش، ويجب طرحها كلها مرة واحدة دون أولويات، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو المسألة الوطنية، وبشرط التركيز على القضايا الرئيسية -وليست التفصيلية- فى كل محور، وعند هذا الجزء من الحوار يمكن الوقوف أمام مشهد مهم، وهو أن حزب التجمع ما زال ممسكاً بهذا المنهج من التفكير فى التفاعل مع المستجدات السياسية، ومن بينها الدعوة الحالية للحوار الوطنى، فرئيس «التجمع» الحالى سيد عبدالعال أكد ما قاله مؤسس الحزب ورئيسه الأسبق حول القضايا المطروحة للنقاش، ودون تقديم قضية على الأخرى، مضيفاً فقط ضرورة أن يتضمن الحوار المرتقب وضع مشروع ثقافى جديد، يساعد على الانتقال بمصر لأن تكون دولة مدنية ديمقراطية حديثة.
فى الحوار مع مجلة «التقدم» ركز خالد محيى الدين على الجانب السياسى فى الحوار -تاركاً الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للمتخصصين- وكلها تقريباً من العناصر الرئيسية التى تطالب بها الأحزاب والقوى السياسية الحالية، وقال يجب تقوية الحياة الحزبية، وإتاحة الفرصة للأحزاب للتعبير عن آرائها. وأكد أن الشعوب تتعلم من صراع الآراء وهذه هى أفضل وسيلة للتربية السياسية، وطالب الحكومة بعدم الخوف من الرأى الآخر لتجنّب المجتمع الهزات العنيفة التى تنتج من الرأى الواحد، وفتح آفاق التغلب على كل المشكلات التى تواجه البلاد.
رحم الله فارس الديمقراطية خالد محيى الدين الذى كرمه الرئيس السيسى بمنحه قلادة النيل العظمى، تقديراً لتاريخه النضالى الكبير، ولآرائه التى عاش ومات من أجلها، وآن الأوان للأخذ بها قبل أن ننتظر 40 عاماً أخرى، ثم نبدأ من جديد.