في ذكرى 11 سبتمبر.. رحلة العقل المدبر «بن لادن» من السودان لأفغانستان

كتب: خالد عبد الرسول

في ذكرى 11 سبتمبر.. رحلة العقل المدبر «بن لادن» من السودان لأفغانستان

في ذكرى 11 سبتمبر.. رحلة العقل المدبر «بن لادن» من السودان لأفغانستان

في الذكرى العشرين لليوم الذي خُطط فيه لبث الرعب في نفوس الأمريكيين، فيما عرف بهجمات 11 سبتمبر، تتداعى تفاصيل الرحلة المثيرة التي خاضها المليونير السعودي مؤسس تنظيم القاعدة الإرهابي، أسامة بن لادن، من السودان إلى أفغانستان، انتهاء بمقتله عام 2011 في عملية أمريكية في باكستان، وُصفت بـ«الأصعب والأكثر سرية».

هو المليونير ابن الملياردير السعودي محمد بن عوض بن لادن، والذي كان نصيبه من تركة ابيه 300 مليون دولار، أطلق بها، بالتحالف مع الولايات المتحدة، «خلايا الجهاد الأمريكية» ضد التواجد السوفيتي في أفغانستان، ثم طورها بعد ذلك إلى تنظيم القاعدة الذي حارب به الولايات المتحدة نفسها، وصولا إلى هجمات 11 سبتمبر التي هزت الولايات المتحدة الأمريكية والعالم.

جاء للسودان تحت غطاء رجل الأعمال

جاء أسامة بن لادن، الذي يُعرف بالأب الروحي للحركات الإرهابية الإسلامية المتشددة، إلى السودان في 1991 تحت غطاء رجل الأعمال والمستثمر، لكنه بطبيعة الحال كان مقرباً من الجماعة الإسلامية التي كانت تحكم البلاد آنذاك والتي تتبنى شعارات جهادية ضد الغرب ودول الجوار التي تتوافق معه، وهناك جمعت بن لادن لقاءات عديدة في العلن والسر بقادة الجماعة، أمثال عمر البشير وحسن الترابي، حسبما أشار تقرير لجريدة الشرق الأوسط.

كان السودان قبل مجئ أسامة بن لادن بسبع سنوات، قد وقع في قبضة الجماعة الإخوانية الإسلامية عبر انقلاب عسكري تحت اسم «الإنقاذ» في 30 يونيو (حزيران) 1989، قام بتخطيطه عراب الجماعة في السودان، حسن الترابي، وتحولت بعده الأراضي السودانية إلى قاعدة وملجأ للحركات الجهادية الإسلامية من الدول الأخرى، خاصة العربية.

إدراج السودان بقائمة الدول الراعية للإرهاب

وبعد مجيئه بعامين، وتحديدا عام 1993، أدرجت الولايات المتحدة السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب بعد اتهام حكومته برعاية أنشطة إرهابية، واستضافة زعيم «القاعدة»، وفتح أراضي البلاد للجماعات المتطرفة من شتى أنحاء العالم.

 في السودان، أقام بن لادن في حي الرياض، شرق الخرطوم، وحسب أحد سكان الحي، فقد «كان بن لادن قليل الحديث والاختلاط بالناس، عدا رد التحايا بصوت منخفض يكاد لا يسمع»، وقد كانت تحرس منزله قوة من جهاز الأمن والمخابرات السوداني، حسبما ذكر تقرير لجريدة الشرق الأوسط.

بن لادن استأجر منزل مدير مصنع قصفته الولايات المتحدة

ومن اللافت أن المنزل الذي استأجره أسامة بن لادن مملوك لشخص سوداني تردد أنه كان مديراً لمصنع «الشفاء» الذي قصفته الولايات المتحدة بصواريخ كروز في 1998، زاعمة أن له صلة بشبكة بن لادن وتنتج فيه أسلحة كيماوية، وذلك في رد فعل غاضب على تفجير سفارتي الولايات المتحدة في دار السلام ونيروبي. كما تزامن تدمير مصنع الشفاء مع ضربات وجهها الطيران الأميركي لمعسكرات «المجاهدين» في أفغانستان، كانت تستهدف إحداها قتل بن لادن.

وقالت مصادر إنه «عندما طلب زعيم تنظيم (القاعدة) القدوم إلى السودان رحب به الترابي الذي كانت تداعبه تمنيات بأن يكون السودان قبلة يأوي إليها العلماء ورجال الأعمال الإسلاميون من كل أنحاء العالم الإسلامي، لذلك ألغى أمامهم تأشيرات الدخول، وفتح الحدود، ومنح الجنسية السودانية لكل من يرغب منهم».

تحويل مزرعة بجامعة الخرطوم لمعسكر تدريب

وبعد وصوله إلى السودان انصرف بن لادن إلى استثمار ملايين الدولارات في مشروعات مختلفة، وأسس شركة «وادي العقيق» وشركات أخرى، ونفذ مشاريع في الزراعة والطرق والإنشاءات، ثم اشترى مزرعة تابعة لجامعة الخرطوم تقع في ضاحية سوبا، جنوب العاصمة، واتخذها معسكراً لتدريب جماعته المتعددة الجنسيات، وخصص جزءاً منها كإصطبل لتربية الخيول التي كان مولعا بها.

وأفادت مصادر بأن جماعة بن لادن الذين جاءوا معه إلى السودان كانوا في الأصل مقاتلين تلقوا تدريباً عسكرياً عالياً قبل قدومهم، وأن التدريبات التي يجرونها في المزرعة كان الهدف منها الحفاظ على اللياقة البدنية.

توريط السودان في مستنقع الإرهاب

إلا أن إيواء هذه العناصر القتالية قاد لاحقاً إلى توريط السودان في مستنقع الإرهاب، وذلك استناداً للصلات التي كانت تربط بين قادة نظام الجبهة الإسلامية السودانية بزعيم تنظيم «القاعدة»، والتي تشير إلى قدم العلاقة بين الترابي وتنظيمه مع «الجهاد الأفغاني»، وهي خيوط ترابطت وشكلت صحيفة اتهام للنظام الإسلاموي الذي كان يحكم السودان.

وأرجعت مصادر علاقة الترابي بتنظيم الجهاد الأفغاني إلى عام 1979 بعد الاحتلال السوفيتي لأفغانستان حين كان الرجل وقتها يشغل منصب وزير العدل في حكومة الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري.وبحسب المصادر، فقد أقنع الترابي رئيسه النميري بفتح أول مكتب للجهاد الأفغاني في العالم العربي بالخرطوم، وتم ذلك في سرية تامة في 1980، وعَيّن للمكتب رئيساً من جماعة برهان الدين رباني، كان على صلة وثيقة بالترابي.

كان بن لادن شخصية محورية في الجهاد الأفغاني بما يملك من ثروة، ومن ثم علاقته بالإخواني عبد الله عزام الذي ترجح مصادر أنه كان وراء فكرة تأسيس تنظيم «القاعدة».

وتعود علاقة الحركة الإسلامية السودانية بالولايات المتحدة إلى فترة الحرب الباردة وحرب أفغانستان حين صنفت الاستخبارات السوفيتية حركة الإخوان المسلمين ضمن الحركات الواقعة تحت نفوذ المخابرات الأميركية. ويتردد في السودان أن أجيالاً متعددة من قيادات الحركة الإسلامية السودانية تلقوا دراسات جامعية وفوق جامعية في الولايات المتحدة، وأشهرهم أحمد عثمان مكي، والتجاني أبو جديرة، وأمين حسن عمر، وسيد الخطيب، وإدريس عبد القادر، وربيع حسن أحمد، وغيرهم.

وكان أول لقاء بين الترابي وبن لادن قد تم في الخرطوم بمنزل الترابي في عام 1988، عقب الفيضانات التي اجتاحت السودان، وجاء بن لادن حينها على رأس وفد إغاثي يرافقه شقيقه الأصغر.

وتؤكد ذات المصادر أن الرئيس المعزول البشير كانت تجمعه صلات جيدة أيضاً بـ«بن لادن»، وكان يزوره في منزله ويظهر معه في لقاءات مشهودة خلال افتتاح عدد من مشاريعه في السودان. وكان قادة الدولة يتحاشون الحديث عن أي صلة تربطهم بزعيم تنظيم «القاعدة»، إبان إقامته في السودان، ما عزز الشكوك والريبة لدى القوى الدولية بأن بن لادن لم يقتصر نشاطه على الاستثمار بل تعداه إلى أنشطة أخرى، وأن ذلك يتم بعلم الحكومة السودانية.

محاولة اغتيال مبارك تقود لرحيل بن لادن

سارت الأمور على هذا النحو إلى أن حدثت المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس مصر الأسبق حسني مبارك، في أديس بابا، عام 1995، ووجهت اتهامات للنظام السوداني بالتورط فيها. بعدها غادر بن لادن السودان، مجبرا على متن طائرة عسكرية، إلى جبال «تورا بورا» في أفغانستان في عام 1996.

وقالت مصادر من دوائر اتخاذ القرار في التنظيم الإسلامي آنذاك، إن الرئيس المخلوع عمر البشير، ونائبه علي عثمان طه، ذهبا إلى بن لادن في منزله بحي الرياض في الخرطوم، وأبلغاه بترتيبات نقله إلى أفغانستان، وبأن طائرة عسكرية جاهزة في انتظاره، حسبما أشارت وكالة الشرق الأوسط.

وفي الليلة التي حلقت الطائرة التي تحمله خارج الأجواء السودانية، توجه الرئيس ونائبه إلى منزل زعيم الحركة الإسلامية، حسن الترابي، الذي كان يمسك بزمام السلطة الحقيقية، وأبلغاه أن الرجل طلب المغادرة تقديراً منه للأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد، وهذه هي الرواية الرسمية.

التضحية بـ«بن لادن»

لكن المصادر تقول إن طرد زعيم تنظيم «القاعدة»، كانت فكرة علي عثمان محمد طه، في أعقاب المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، 1995، والتي أشيع وقتها أنه وراء فصولها. وقد نجح في استمالة عمر البشير إلى صفه في قبول فكرة الطرد.

وذكرت مصادر متطابقة للشرق الأوسط أن طه سعى إلى «التخلص سريعاً» من بن لادن، بعدما شاعت أحاديث عن وجود دلائل تشير إلى ضلوعه مع عناصر في النظام في هذه العملية، وأنه قام بتوفير وسائل لوجيستية لمدبريها.

وتؤكد المصادر أن الرواية الرسمية المتداولة عن مغادرة بن لادن السودان، والادعاء بأنها جاءت بـ«رغبة» منه، مجافية للحقيقة، مؤكدة أن بعض «إخوان السودان ضحوا بالرجل» خوفاً مما يمكن أن يجره عليهم من تداعيات فشل محاولة اغتيال مبارك، والتي أيضاً أطاحت بمدير جهاز المخابرات حينها، نافع علي نافع، وقيادات بارزة من الإسلاميين في الجهاز.

ضغوط إقليمية كثيفة لإبعاده

وأشار مدير جهاز الأمن والمخابرات السوداني الأسبق قطبي المهدي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى رواية تقول إن الترابي والبشير هما من قررا أن يخرج بن لادن من السودان بشكل عاجل، بعد ضغوط كثيفة من دول الإقليم، بيد أنه لا يستبعد أن يكون نائب الرئيس علي عثمان طه جزءاً من هذا التدبير.

وأضاف المهدي «بعد خروج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان في مطلع تسعينات القرن الماضي، وعقب معارك ضارية خاضها المجاهدون الأفغان العرب بدعم أميركي، خافوا أن تقوم أميركا بتسليمهم إلى حكومات بلادهم». وأضاف «دخلت أعداد كبيرة من مقاتلي الجهاد الأفغاني السودان، الذي فتح لهم أراضيه وعمل بعضهم مع بن لادن في مجالات الاستثمار».

وقال قطبي المهدي إن «أميركا مسؤولة عن صناعة الإرهاب، فهي التي دعمتهم بالسلاح لمحاربة الروس، وبعد انتهاء الحرب الباردة، مارست ضغوطاً على السودان لإبعاد مقاتلي الجهاد الأفغاني من أراضيه، ولو كانت تركتهم لكانوا تحت مسؤولية الحكومة التي تراقب أنشطتهم»، مضيفاً «لم يكن أمامنا سوى إبلاغ تلك العناصر بمغادرة الأراضي السودانية إلى بلدانهم، ولم يتورط جهاز الأمن والمخابرات في ذلك الوقت بتسليمهم إلى المخابرات الأميركية».

وذهب مصدر أمني طلب عدم ذكر اسمه إلى أنه «كانت هناك إدارة خاصة في جهاز المخابرات والأمن السوداني، بجماعة بن لادن وكل الجماعات الجهادية. وعندما بدأ التعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب سلم مدير الجهاز، صلاح عبد الله قوش (آنذاك) للاستخبارات الأميركية 300 ملف ومعلومات قيمة عن جماعة بن لادن، واعتبرت طعنة وجهها النظام في السودان لإخوانه من الإسلاميين. واعتبرت المخابرات الأميركية عدم تعاون إدارة الرئيس بيل كلنتون مع السودان سبباً مباشراً في هجمات سبتمبر، وأنها لو اطلعت على تلك المعلومات المهمة التي سلمتها لهم المخابرات السودانية، لتجنبت نيويورك الضربة التي غيرت وجه العالم. وهكذا كانت أفغانستان هي الخيار الأوحد الآمن لاستقبال بن لادن، لأنها كانت تحت حكم طالبان وصدقت توقعات الرجل، إذ إن طالبان رفضت تسليمه وظل تحت حمايتها إلى أن لقي مصرعه».

التخطيط لتنفيذ هجمات 11 سبتمبر من أفغانستان

ومن مقر القاعدة في أفغانستان، كان التخطيط والتوجيه لتنفيذ هجمات11 سبتمبر المدمرة.

وبطبيعة الحال، بدأت حرب الولايات المتحدة على الإرهاب من هذا البلد، فبعد أقل من شهر على الهجمات، أعلن الرئيس الأمريكي حينها جورج دبليو بوش، عملية غزو أفغانستان بدعم من تحالف دولي، للقضاء على تنظيم القاعدة وإلقاء القبض على بن لادن.

ورغم ذلك لم تتمكن الولايات المتحدة من معرفة مكان بن لادن إلا بعد مرور عشرة أعوام على الهجمات، حيث نجحت القوات الأمريكية في تحديد موقعه وقتله في باكستان المجاورة، حيث قُتل في عملية للقوات الخاصة الامريكية على عهد الرئيس الامريكي باراك أوباما يوم الاثنين 2 مايو 2011 بمنطقة بابيت اباد بباكستان، واعلنت الإدارة الامريكية ان جثته قد القيت في البحر.

عملية قتل بن لادن.. الأكثر صعوبة

وكان الرئيس الأمريكي الأسبق قد التقى في 28 أبريل 2011 بكبار المسؤولين في غرفة العمليات في البيت الأبيض الموجودة تحت الأرض. وفي صباح اليوم التالي، أعطى أوباما الضوء الأخضر للقوات الخاصة للقيام باغتيال بن لادن، في عملية وصفها المدير السابق لـ«سي آي أيه» جون برينان بأنها "الأكثر صعوبة وسرية والأفضل تخطيطا" في مسيرته المهنية. 

ونفذت القوات الخاصة العملية، يوم الأحد أول  مايو 2011، وقتل فيها بن لادن في باكستان. وألقى الأمريكيون جثته في البحر، لمنع تحوّل قبره الى رمز لمعاداة الأمريكيين ومحجة للإسلاميين الجهاديين المتطرفين. ورغم أن قوة تنظيمه تراجعت الى حدّ كبير بعد مقتله ثم مقتل ابنه في وقت لاحق، إلا أنه يبقى رمزًا بالنسبة الى العديد من الجهاديين.


مواضيع متعلقة