«جرائم عائلية» مرعبة.. وكلمة السر: «القاتل مريض نفسي»

كتب: أسماء أبوالسعود

«جرائم عائلية» مرعبة.. وكلمة السر: «القاتل مريض نفسي»

«جرائم عائلية» مرعبة.. وكلمة السر: «القاتل مريض نفسي»

خلال الشهور القليلة الماضية، طفح على السطح عدد من الجرائم والمجازر العائلية البشعة، راح ضحيتها أحياناً كثيرة أفرد الأسرة بالكامل، وكان كلمة السر فيها هو «الوسواس القهرى»، فأغلب الضحايا راحوا ضحية هذا المرض اللعين، بعد أن أصيب به أحد أفرد العائلة، فقرر أن ينهى حياة أسرته، بعد أن أوهمه المرض بأن الموت سبيل الخلاص لهم من أى معاناة.

فرّان ذبح زوجته وأبناءه الستة في مجزرة السحور بالفيوم

مذبحة تقشعر لها الأبدان، ويشيب لها الولدان، استيقظ عليها أهالى محافظة الفيوم، ليلة 25 رمضان بعدما أقدم زوج على ذبح زوجته وأبنائه الستة بدمٍ بارد، ولم يرق قلبه لأنين أطفاله، أو توسّلات زوجته، ولم تمنعه ابتسامة طفله الصغير من ارتكاب جريمته.

دخل «عماد» شقته، فوجد زوجته «مها» تقف فى المطبخ لإعداد وجبة السحور، فافتعل مشكلة معها، ثم استل سكيناً وحاول أن يطعن زوجته، مُردداً «هاقتلك وأرتاح منك.. هاقتلكم كلكم»، وقاومته الزوجة كثيراً وبدأ يطعنها فى مناطق متفرقة بجسدها حتى خارت قواها وسقطت أرضاً، فمسك رأسها وذبحها، ثم دخل غرفة أبنائه الستة «أحمد ومحمد وآلاء وبلال ومعتصم ويوسف» خلال نومهم وبدأ فى ذبحهم واحداً تلو الآخر، ثم توجه إلى «الفرن الخاص به» وحاول إحراق نفسه إلا أنّ الأهالى أطفأوا النيران، فسلم نفسه للشرطة، وتبين إصابته بمرض نفسى.

وقبل أسبوع، شهدت محافظة الدقهلية واقعة بشعة، حيث أقدم تاجر مواد غذائية على قتل زوجته وطفله فى 5 دقائق فقط، وتوجه إلى مستشفى للعلاج النفسى.

يعانى محمد إبراهيم من مرض نفسى (وسواس قهرى) تسبب فى تكوين صورة سيئة عن زوجته «أنوار» وشكّه فى نسب أطفاله، حيث كان دائماً يُهيأ له أنّ زوجته تخونه مع صديقه، وأنّ ابنه «نبت شيطانى»، نظراً لأنه «شقى»، فاستل سكيناً وتخلص من الزوجة ثم طفلهما عبدالله (7 أعوام)، فيما نجت الطفلتان بسبب صراخهما حينما شاهدتا والدهما يذبح شقيقهما وهو نائم على السرير بجوارهما.

مدمن بولاق الدكرور تخلص من زوجته بـ8 طعنات

وفى الجيزة، كتبت 8 طعنات نهاية سيدة على يد زوجها بمنطقة بولاق الدكرور، حيث سدّد الزوج لها عدة طعنات فى الرقبة والصدر والبطن لشكه فى نسب ابنته، ومرضه بـ«الوسواس القهرى».

وتبين أنّ زوج المجنى عليها هو مرتكب الواقعة، وأنَّه مدمن مخدرات، ومصاب باضطراب نفسى، ويعانى من الوسواس القهرى جعله يشك فى نسب ابنته فقلتها.

فتاة سوهاج قتلتها أمها بلا رحمة

وفى سوهاج، أبلغت ربة منزل قوات الشرطة عن انتحار ابنتها ذات الـ17 عاماً شنقاً داخل غرفتها بواسطة «إيشارب حريمى»، وعلى الفور انتقلوا إلى مكان الحادث، ولاحظوا وجود آثار بعثرة فى محتويات المنزل، مما يُرجح أن هناك آثار مشاجرة أو مقاومة من الفتاة قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة.

وقالت الأم إنّ ابنتها تعانى من «الوسواس القهرى»، وإنها مريضة منذ عام ونصف، وقدّمت للضباط أوراق تفيد عرضها على أطباء نفسيين، ومشايخ للعلاج، لذلك تخلصت من حياتها بسبب مرضها.

وفجّر شقيق الفتاة القتيلة مفاجأة، بعدما أكد أنّ والدته قتلت شقيقته، بسبب مرضها النفسى الذى جعلها دائمة التعدى بالسباب والشتائم على والدتها باستمرار، مما دفع أمها لقتلها وشنقتها بـ«إيشارب» وادّعت انتحارها.

الوسواس القهرى لا يقل خطورة عن الإرهاب، نظراً لأنّ المريض به يُصاب بأفكار سوداوية تسيطر على عقله بصورة متكررة، وتبدأ ترجمتها فى صورة هلاوس سمعية تعطيه أوامر لا يستطيع مخالفتها، ليتحول فى النهاية إلى قاتل تلوثت يداه بدماء أقرب الناس إليه، ورغم أن «الوسواس القهرى» مرض يجب علاجه، إلا أنّ الكثير من المرضى يرفضون الاعتراف بإصابتهم بمرض نفسى، إمّا لرفضهم تقبل الأمر، أو خوفاً من معاملة المجتمع لهم على أنّهم «مرضى نفسيون».

 

 «فرويز»: المريض النفسي لا يُعفى من المسئولية الجنائية عن جرائمه

وقال الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، لـ«الوطن» إنّ الوسواس القهرى يضم 5 صور «الفكرية والحركية والمخاوف والتوهم المرضى»، وآخرها «الومضية»، وهى مرحلة متأخرة من الوسواس تدفع الشخص لارتكاب الجرائم وقتل أشخاص، سواء كانوا قريبين منه أو حتى لا يعرفهم.

وأوضح «فرويز» أنّ الوسواس القهرى الفكرى عبارة عن فكرة متكررة ملحة تطارد المصاب به رغماً عنه، تليها المرحلة الحركية، حيث يبدأ المريض فى عمل حركات لاإرادية مثل غسيل الأيدى بصورة متكرّرة غير طبيعية، أو حركة فى كتفه أو قدمه أو عينيه أو فمه، أو أى جزء آخر بجسده، ثم المخاوف التى تعترى المصاب بالوسواس من الأماكن المرتفعة أو الأماكن المزدحمة أو الضيقة، ثم التوهم المرضى، حيث يتوهم المريض النفسى إصابته بمرض معين، ويشعر بآلام المرض ويخضع لفحوصات طبية وأشعة وتحاليل، والتى تثبت عدم إصابته بذلك المرض، إلا أنّه يصر على إصابته وأن تشخيص الأطباء خاطئ.

وأضاف «فرويز» أنّ الومضية هى أخطر مراحل الوسواس القهرى ويصل إليها المريض النفسى بسبب عدم الخضوع للكشف النفسى وعدم الحصول على العلاج اللازم، فيُصاب بفكرة ملحّة تطارده وتسيطر عليه، مثل «الخيانة الزوجية والشك فى نسب أبنائه»، وتتسبّب هذه الفكرة فى ارتفاع نسبة «النورأدرينالين» بصورة غير طبيعية فى الجسم وارتفاع الضغط والسكر والاختناق، ويشعر المريض أنّه سيموت، فيتخيل أنّه سيقتل من أمامه لينجو بحياته، مثلما حدث فى الكثير من الجرائم الأسرية خلال الفترة الماضية، حيث يقوم رب أسرة بقتل زوجته وأطفاله.

وشدّد على أنّ مريض «الوسواس القهرى» لا يُعفى من المسئولية الجنائية لأنه مريض نفسى وليس مريضاً عقلياً، نظراً لأنّ المريض كانت أمامه فرصة ليُعالج، ولكنه لم يتلقَّ العلاج اللازم، أمّا إذا كان مريضاً عقلياً ومعه ما يثبت ذلك فإنّه يُعفى من المسئولية الجنائية مع ضرورة إثبات أنّ الحادث وقع تحت وطأة المرض، فليس كل مريض عقلى لا يحاسب على جرائمه إلا إذا حدثت وقت مرضه.

وعلق «فرويز» على واقعة مجزرة الفيوم بالقول، إنّ مرتكب الواقعة ربما يكون مريضاً بالفصام أو اضطراب الضلالات، فإذا كان مريضاً بالفصام وأهمل حالته ولم يحصل على العلاج فإنه يرتكب مثل هذه الجريمة بالفعل، أمّا اضطراب الضلالات فغالباً تكون فكرة مسيطرة عليه مثل أنّ «زوجته تخونه وهؤلاء ليسوا أبناءه»، وتحدث له «هلاوس سمعية»، حيث يسمع أصواتاً تطلب منه قتل زوجته وأبنائه، لأنهم ليسوا من صلبه، ولكن يستحيل أن يرتكب جريمة، وهو يحصل على العلاج مثلما قال القاتل فى اعترافاته أمام النيابة.

وكشف أنّ المريض العقلى لا يعترف بإصابته، لكنه دائماً يرى من حوله «مجانين»، بينما هو العاقل الوحيد، لذلك فالقاتل الذى يعترف على نفسه بأنّه مصاب بمرض عقلى أو نفسى يكون كاذباً، فمرضه يجب تحديده من خلال إخضاعه للفحص النفسى للتأكد من إصابته بمرض عقلى أو نفسى يجعله يرتكب جريمة من عدمها.

وأشار إلى أنّ المريض النفسى دائماً يأتى متأخراً، لذلك تكون حالته مزمنة، ويستغرق وقتاً أطول فى العلاج، حيث لا يذهب للطبيب النفسى إلا بعد استنزافه مادياً وفقدانه الأمل فى الشفاء على يد «الشيوخ»، مؤكداً أنّ المريض الذى يذهب للطبيب النفسى قبل مرور 6 أشهر على مرضه، يكون أسهل وأسرع فى علاجه.

«هاجر»: معظم المرضى لا يخضعون للعلاج الطبي

من جانبها، كشفت الدكتورة هاجر بيومى أخصائية نفسية، أنّ مريض الوسواس القهرى يسهل علاجه إذا خضع للكشف مبكراً وتابع مع طبيب متخصّص والتزم بالعلاج الذى يُحدّده الطبيب، ولكن الكارثة أنّ معظم مرضى «الوسواس» لا يخضعون للكشف، لكنهم يلجأون للذهاب إلى الشيوخ والدجالين، حيث يرون أن تلك الأعراض ما هى إلا «قلة إيمان» أو «سحر»، ويرفضون الذهاب للطبيب النفسى حتى تتدهور حالتهم ويصلوا إلى مرحلة متأخرة من المرض تتسبب فى ارتكابهم جرائم بشعة.

وأوضحت أنّ نسبة انتشار الوسواس القهرى من 2 إلى 3% فى المجتمع حسب من يذهبون للأطباء، لكنها على أرض الواقع أكثر بكثير، لأن هناك عشرات المصابين بالوسواس القهرى لا يذهبون إلى أطباء، ونسبة الإصابة بالفصام 1%، وله علاقة بإدمان المخدرات، فالمدمن يُصاب فى النهاية بالفصام الذى ينتهى بارتكابه الجريمة.


مواضيع متعلقة