الحديقة الدولية بمدينة نصر.. عندما يتحول المربع الأخضر إلى منطقة "افتراس"
الحديقة الدولية بمدينة نصر.. عندما يتحول المربع الأخضر إلى منطقة "افتراس"
وسط ضجيج المدينة الصاخب والسيارات المزدحمة، والعمارات الشاهقة تمتد الحديقة الدولية بمدينة نصر على مساحة خمسة فدادين، التي تحتوي على أشجار يافعة، ونباتات خضراء، بنيت في الأساس بمشاركة 16 دولة حول العالم، كل دولة تزرع جزءًا خاصًا بها من النباتات وتضع بعض الأنواع النادرة من الحيوانات، تم الافتتاح عام 1987، لتكون ملاذًا لأهل المدينة من روتين الحياة السريع بها.[FirstQuote]
وسميت بالحديقة الدولية لأن لكل دولة ملكًا خاصًا داخلها، وتكون فارغة طوال العام، رغم ما بها من مساحات شاسعة خضراء، ونباتات نادرة، ومع قدوم الأعياد يتحول المربع الأخضر إلى صندوق كبير من التحرش، فتيات وأشباه بشر ينهشوهن، الشهوة تسيطر على الموقف وما إن يرى أحد المتحرشين فتاة حتى يصبح شهوانيًا عدائيًا، ويتحول المشهد إلى غضب وضجيج وصريخ.
على الباب الأمامي للحديقة يقف حازم شاكر، أحد أفراد الأمن الداخلي الذي يعتني بالحديقة، ممسكا بـ"خرطوم" المياه لري الزرع وأعمال النظافة، يروي من ذاكرته التي تعدى عمرها عامًا في تلك الحديقة ما حدث عيد الأضحى الماضي، "بنتين و3 ولاد، منظرهم كان مرعب، اتحرشوا بالبنات ولمسوهم وكان الموضوع هيتطور للاغتصاب لولا تدخل الأمن"، ويكمل الشاب العشريني أنه توجد حالات تحرش حتى في غير الأعياد، "لأن الجنينة هنا فيها أشجار عالية ومناطق كتير مختفية وزوايا".[SecondQuote]
تزيد حالات التحرش بالحديقة الدولية كل عيد، وفق رواية حازم، الذي اتضحت على ملامحه علامات السأم مما يحدث كل عيد، فصوت الفتاة العالي أو استغاثتها لم يعد بالأمر الغريب الذي يلفت انتباه الناس والمارة في الشوارع، "البنات ساعات تشتكي هنا للأمن وبيتم تسليم الولد للشرطة، وساعات يمشوا من غير دوشة، عشان الإجراءات الطويلة".
آلاف البشر الذين يحتلون الحديقة الدولية في العيد يجعلها بيئة خصبة لنمو حالات التحرش الجماعي، الذي عادة ما يكون حلقة من ذئاب بشرية تلتف حول ضحية لا تستطيع أن تخرج من بين براثنها، وينتهي الأمر بمحضر روتيني داخل درج مكتب الأمن بالحديقة، "مفيش أي حاجة بتحصل.. عادي محضر وسحب البطايق وكل واحد يروح لحاله" يقولها حازم زافرا أنفاسه، وذلك رغم تكثيف الشرطة من تواجدها في محيط الحديقة لإثبات أي حالات تحرش تحدث وللقبض الفوري على الأولاد وقت العيد.
تقع الحديقة الدولية في حي هادئ بمدينة نصر، وليلا تصبح أكثر هدوءًا وفضاء، ربما هو الأمر الذي أدى لعزوف حركات مناهضة التحرش عن تلك الحديقة ويصبح الأمر برمته متروكًا للأهالي أو أصحاب المحال المجاورة، للإمساك بالمتحرش، وربما تدخل الشرطة، ويؤكد حازم: "الشرطة بتمنع 80% من حالات التحرش هنا".
"ولا أمن ولا شرطة لا في العيد ولا غير العيد"، ينفي رفيق رشاد، أي تواجد أمني بمحيط الحديقة الدولية لمنع حالات التحرش، بغضب شديد ينتقد ما يحدث في محيطه، وعدم قدرته على تغيير الأمر الواقع، "مع قلة التعليم وعدم وجود اخلاقيات وتذاكر الحديقة منخفضة السعر بيزيد التحرش كل عام وبتبقى كارثة".
حرارة الشمس المرتفعة زرعت ذرات من الندى على جبهة الرجل الخمسيني الذي يحاول مسحها مرارًا، ينفعل فتزداد جبهته توردًا ورطوبة، فما تحويه ذاكرته من روايات عن التحرش أمام الحديقة الدولية قد ضرَّه هو شخصيًا، "ست عندها أربعين سنة هي وابنها جايين يستخبوا في المحل عندي.. خلعت عصيان من الأقفاص ووقفت أنا وأصحاب المحال في مواجهة 20 أو 30 بشري متحول ليفترس ضحيته".
يجلس رشاد أمام محل الحيوانات الأليفة الذي يملكه، ويقع مباشرة في مواجهة الباب الرئيسي للحديقة الدولية، ما يضعه في مكان المراقب لما يحدث، فكان هو الملجأ الأول لتلك السيدة التي جاءت مع وليدها للاستمتاع في العيد، فأخذت درسًا في عالم التحرش وأعطت له آخر، "كنت بحاول أدافع عن مصدر رزقي وست ميتة من الرعب، بس الحمد لله استطعت مساعدتها، وفضلت مخبيها لغاية ما ركبت ميكروباص".
"شغل حيوانات ورغبة في الافتراس، مهو البني آدم لما يتحول لحيوان لازم تخاف، حتى معملوش حساب أن معاها طفل صغير"، لا يستطيع رشاد أن ينسى النظرات الحيوانية التي سيطرت على المتحرشين آنذاك، وأشد ما يثير سخطه أن تتم المصالحة بين الشاب والفتاة فيذهب الأخير دون عقاب أو رادع حقيقي عما يفعله مع الفتيات، فهو يجلس أمام الحديقة منذ أربع سنوات، لم يشهد خلالها ما يحدث من تحرش مهين إلا في آخر سنتين، "عشان بقى في انفلات أمني وعشوائية وقلة تعليم".
"هو أنا مجنون؟"، يستنكر صاحب محل الحيوانات الأليفة إمكانية فتحه للمحل خلال العيد المقبل، فالأمر أصبح أمنه الشخصي، وليس مجرد حوادث تحرش في المنطقة التي يقع بها مصدر رزقه، "الناس دي مبيخافوش حتى من ربنا.. والظباط مش فاضيين كان الله في عونهم.. رغم أنه موسم بس كل اللي بكسبه هخسره تاني، وممكن أخسر المحل كله".
ضجيج يزعج أهالي الحي الهادئ، مشادات كلامية أمام إحدى نوافذ بيع التذاكر في الحديقة الدولية، لم يعتد الأهالي على مثل هذا الضجيج إلا في أيام العيد حيث يتوافد الآلاف من المواطنين على الحديقة الدولية بمدينة نصر، لكن هذه المرة كان الحدث أهم من ذلك، وفق ما يرويه مصري المنشاوي صاحب أحد المحال المحيطة بالحديقة، حيث قرر بعض المطربين الشعبيين، وعلى رأسهم سعد الصغير وأمينة وبوسي، إحياء حفل في الحديقة ما دفع المئات من المعجبين بالازدحام أمام نوافذ بيع التذاكر للحصول على فرصة لمشاهدة مطربهم المفضل.
وتوقَّع منظمو الحفل عيش "أجواء كرنفالية"، لكن التحرش قلب المشهد رأسًا على عقب، فبمجرد صعود الفنانة أمينة على المسرح حتى تزاحم الشباب وحدث "هرج ومرج" وحاول البعض اقتحام المسرح، لولا تدخل الأمن الذي نجح في إخراج الفنانين سالمين بعد أن أعلن إلغاء الحفل؛ لم ينتهِ المشهد عند هذا الحد فقد أصر بعض الشباب على تكسير المسرح وسرعان ما فقد الأمن السيطرة على الموقف، ونشبت اشتباكات بين بعض الشباب.
التحرش كان ختام الحفل حيث اعتدى بعض الشباب على الفتيات بعدما أخلت قوات الأمن الحديقة، وأصبح الشارع الأمامي لها مسرحًا للمتحرشين يطاردون فيه الفتيات بطريقة غير آدمية، فتدخل أصحاب المحال المطلة على الحديقة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفق المنشاوي، وقاموا بإخفاء بعض الفتيات داخل محالهم حتى لا يتم الاعتداء عليهن، ما أدى إلى تعرضهم لاشتباكات بالعصي والشوم مع البلطجية والمتحرشين.
"محال مكسرة وأصحاب محلات مصابين، وفتيات يبكين" كان هذا هو نهاية المشهد الذي شهدته الحديقة الدولية في مساء أحد أيام عيد الفطر الماضي، بحسب ما يروي مصري المنشاوي، ويكمل الشاب الثلاثيني: "في عهد مبارك وقبل الثورة مكناش بنشوف تحرش خالص، والظاهرة دي بدأت تنتشر بعد الثورة على طول بسبب غياب الأمن من الشارع، وانتشار الأغاني الهابطة".
صقر محمود، أحد سياس السيارات، كان شاهدًا هو الآخر على وقائع للتحرش حدثت أمام الباب الخلفي للحديقة الدولية في العيد الماضي، بالرغم من التواجد الأمني المكثف الذي تشهده الحديقة في داخلها وخارجها، "بعض البنات بتتخانق مع المتحرشين وبتلم الناس وأحيانًا رجال الشرطة هما من نفسهم بيقبضوا على متحرش بدون طلب من البنت"، ويكمل الشاب الثلاثيني حديثه بمدينة نصر، فيقول: "التحرش خارج الحديقة وأمام البوابة أكثر بكثير من ما يحدث من تحرش داخل الحديقة، لأن الأمن يشدد من إجراءاته بالداخل على عكس خارج الحديقة وأمام البوابة".
الأخبار المتعلقة
"كورنيش النيل".. فيه تحرش قاتل
بالصور| "الفسطاط" ضحية التحرش والسرقة والبلطجة.. ومدير الحديقة: "ده كلام عايم"
ميدان طلعت حرب.. هنا "قبلة المتحرشين"
مع اقتراب العيد.. حملات مواجهة "التحرش" تنتشر في الأماكن العامة بالإسكندرية
المنظمات النسائية تواجه التحرش بـ"أرقام الاستغاثة".. ومتطوعون لضبط المتحرشين والتعامل معهم
التحرش "وليمة" للإعلام.. وخبراء: عدم المهنية تسيطر على المشهد
المؤبد لـ"ذئاب التحرير".. حكم ينهي التحرش أو يبقي الحال على ما هو عليه
التحرش والعيد.. مرض يقتل الفرحة
"وسط البلد".. منطقة شهدت ظهور "أول تحرش جماعي" في مصر