"كورنيش النيل".. فيه تحرش قاتل
"كورنيش النيل".. فيه تحرش قاتل
منطقة كورنيش النيل من ميدان عبدالمنعم رياض وحتى مبنى الإذاعة والتليفزيون، تعد متنزهًا بسيطًا لغالبية المصريين في الأعياد والمناسبات الرسمية، نظرًا لما تحتويه تلك المنطقة من حدائق عامة تابعة للدولة على النيل، ومراكب نيلية منخفضة التكاليف، كما يعد شارع الكورنيش من أهم شوارع العاصمة الذي يربط عدة مناطق ببعضها البعض، وظل كذلك حتى تفحَّل داء التحرش داخل المجتمع المصري، فأصبحت منطقة كورنيش النيل بمثابة الضوء الأحمر الذي يمنع دخول الفتيات في الأعياد، وإلا حدث ما لا يحمد عقباه.
تقف شيماء، بائعة الورد، على سور كورنيش النيل من جهة ميدان التحرير، مرتدية عباءة سوداء مع غطاء لرأسها من نفس اللون، تهرول إذا ما رأت شابًا وفتاة في المنطقة لتطلب منهما شراء الورود لتكتمل نزهتهما "الرومانسية" على ضفاف النيل، وتتحدث شيماء عن التحرش في الأعياد وكأنه من الأمور المسلَّم بها: "طبعًا بيحصل تحرش في العيد، وأنا اتعرَّضت لمواقف تحرش، بس أنا بحاول أحمي نفسي كويس منه وبعمله فضيحة وبلم الناس عليه قبل ما يلمسني"، تتحدث شيماء عن كيفية حماية الفتاة لنفسها في الأعياد قبل أن يتم التحرش بها.
وتقاطعها فتاة أخرى، لا تختلف هيئتها عن شيماء، تروي ما تتعرض له من تحرش كلما جاء العيد في منطقة كورنيش النيل: "أنا مريت بتحرش في العيد، ولما جيت أتخانق مع واحد لاقيت شباب كتير عاملين نفسهم بيدافعوا عني وبيبعدوه لكن هما بيستغلوا الفرصة ويتحرشوا بيا هما كمان".
يسدل الليل ستائره على كورنيش النيل، ويصبح مصدر الضوء الوحيد أعمدة إنارة تشع ضوءًا خافتًا، وتكمل شيماء مشاهدتها عما يحدث من تحرش خلال الليل، متحدثة عن الوجود الأمني في المنطقة: "الشباب بيخرجوا في مجموعات عشان يعرفوا يستفردوا ببنت واحدة، والعساكر بياخدوا المتحرشين وبيعملوا لهم محاضر"، وأما رد فعل الفتيات عن التحرش لم يصبح معظمه إيجابيًا: "في بنت متسيبش حقها وبنت بتقصر الشر، وفي حالات التحرش كتير جدًا يمكن توصل لعشرين حالة، خاصة بالليل التحرش بيكون أكتر من الصبح بكتير".
وفي الجهة المقابلة لفندق رمسيس، يقف عربي صابر، ممسكًا بقطعة من الورق المقوى للتهوية على الذرة، يوثق بعينيه حالات التحرش الجماعي بكورنيش النيل، وجهود مجموعات مكافحة التحرش خلال العيد: "ناس لابسين زي واحد بيسلموا العيال اللي بيتحرشوا للشرطة، وبيحاولوا على قد ما يقدروا يمنعوا حالات التحرش، الولاد هنا بيتحرشوا بالبنات بطريقة قاسية جدًا".
مستخدمًا سيخه الحديدي الذي يضع عليه الذرة، وبعض الفحم المشتعل، يركد بائع الذرة تجاه مجموعة مكونة من خمسة شباب كونوا حلقة دائرية حول ضحية للتحرش، "الباعة بيحوشوا التحرش على قد ما يقدروا في العيد، وبنحمي البنات من التحرش، وبنسلم الولاد اللي بيعملوا كده للشرطة، وساعات الولاد بيضربوا رجالة الشرطة"، يروي عربي حالة تحرش حدثت أمام عينيه العيد الماضي، وكيف تكاتف الباعة الجائلون لإخراج الضحية من منطقة الانتهاك.
"وجود الباعة الجائلين وبائعي الشاي هو السبب الرئيسي للتحرش بالفتيات في العيد"، يتحدث حسين كامل، أحد المترددين على منطقة كورنيش النيل بشكل دائم، بسبب طبيعة عمله في منطقة الضاهر، ومسكنه في شارع فيصل: "الشباب اللي نازل يتحرش ويغلس على البنات بيتجمع عند الناس دي، هم جاذبين للمتحرشين وبيمثلوا مأوى لهم بالإضافة للزحمة بيحصل تحرش بنسب كبيرة"، ويحاول حسين، الشاب الثلاثيني، تجنب المرور من منطقة كورنيش النيل في العيد، خاصة إذا كان برفقة زوجته أو أخته، حتى لا يتعرضا للمضايقات، كما يمنعهما من المرور من تلك المنطقة، "التحرش بيبقى قدام الشرطة عيني عينك، ومبتقدرش تعمل حاجة عشان عدد المتحرشين كبير جدًا خاصة في التجمعات".
ترتفع الأغاني الشعبية من سماعات ضخمة على مراكب نيلية تتزين بأنوار ملونة في كل منطقة من مناطق كورنيش النيل، فتتداخل الألوان مع صوت الأغاني الشعبية، مكونة مشهد غير متسق وغير واضح، يتزاحم الأفراد على طول شارع النهر مرتدين ملابس جديدة تتماشى مع أجواء العيد الاحتفالية، وتزداد الدراجات البخارية التي تأتي من كل صوب، "الموتوسيكلات دي بتساعد الشباب جدًا في عملية التحرش"، يكمل حسين وصفه لأنواع التحرش في العيد، مستنكرًا الكم الهائل من الدراجات البخارية التي غزت شوارع العاصمة فأصبحت وسيلة سهلة وسريعة للسرقة والتحرش ومضايقة المارة وحتى السيارات.[FirstQuote]
يقف رجال الأمن خارج دار الأوبرا المصرية، وتعد تلك النقطة هي أكبر مناطق تجمعهم في العيد لمناهضة التحرش وضبط الأمن بالمنطقة، ويقول ياسر، أحد سائقي "الكرتَّة" بمنطقة كورنيش النيل، إن حالات التحرش في ازدياد كل عيد، ورغم وجود الشرطة إلا أنها لا تستطيع ضبط الأمن والمتحرشين، "العيد بيحصل فيه تحرش جامد، خصوصًا من الأولاد تحت سن العشرين، الحوادث بتبقى كتيرة جدًا ولا الشرطة ولا الأهالي ولا حتى البائعين بيعرفوا يسيطروا عليها".
بحكم عمله كسائق "كرتَّة" فإنه يلف في المنطقة ذهابًا وإيابًا، ويرى أن أكثر منطقة موبوءة بالتحرش هي منطقة كوبري قصر النيل، وفي المراكب النيلية ذاتها، وأحيانًا يصبح هو "الكرتَّة" الخاصة به ملجأ للفتيات ضحايا التحرش، "بنقذ البنت بإني أركبها الكرتَّة وأحاول أهرب بيها من مكان التحرش لغاية ما أروح حتة أمان وأركبها أي مواصلة لغاية بيتها"، ويستكمل حديثه واصفًا الشرطة في العيد بأنها ضعيفة ولا تستطيع السيطرة على مثل تلك الحوادث، "الأعداد كتيرة جدًا.. وممكن يضربوا الظباط".
وسط تجمع المتحرشين على ضفاف النيل، توجد "حديقة الجزيرة"، التي تعد ملاذًا آمنًا للفتيات للخروج بها في العيد بعيدًا عن منطاق التحرش في الخارج، فيقول المهندس سامي، المسؤول عن الوردية الليلة في الحديقة، إن "التحرش في الحديقة أقل بكتير من برة، تقريبًا مفيش غير حالات بسيطة لا تتعدى المعاكسات"، لا يلبث أمن الحديقة أن يرى حالة تحرش حتى يسلمها للأمن والشرطة في الخارج ويتم تحرير محضر وبذلك تنتهي الواقعة، قبل حدوث فعل التحرش باللمس أو غيره، ولذلك لا توجد إجراءات أمنية استئنائية للحديقة قبل العيد.
الأخبار المتعلقة
بالصور| "الفسطاط" ضحية التحرش والسرقة والبلطجة.. ومدير الحديقة: "ده كلام عايم"
ميدان طلعت حرب.. هنا "قبلة المتحرشين"
الحديقة الدولية بمدينة نصر.. عندما يتحول المربع الأخضر إلى منطقة "افتراس"
مع اقتراب العيد.. حملات مواجهة "التحرش" تنتشر في الأماكن العامة بالإسكندرية
المنظمات النسائية تواجه التحرش بـ"أرقام الاستغاثة".. ومتطوعون لضبط المتحرشين والتعامل معهم
التحرش "وليمة" للإعلام.. وخبراء: عدم المهنية تسيطر على المشهد
المؤبد لـ"ذئاب التحرير".. حكم ينهي التحرش أو يبقي الحال على ما هو عليه
التحرش والعيد.. مرض يقتل الفرحة
"وسط البلد".. منطقة شهدت ظهور "أول تحرش جماعي" في مصر