المؤبد لـ"ذئاب التحرير".. حكم ينهي التحرش أو يبقي الحال على ما هو عليه
المؤبد لـ"ذئاب التحرير".. حكم ينهي التحرش أو يبقي الحال على ما هو عليه
الهتافات وضجيج المكبرات يسود المشهد، لا صوت يعلو فوق أصوات الزغاريد وأغاني النصر والصافرات التي تنطلق مدوية من أفواه الشباب، الكل يبذل كل ما لديه ليبتكر أسلوبه في الفرحة بعهد جديد طالما تمسك بطله بالفضيلة ومكارم الأخلاق.. ذلك كان المشهد في ميدان التحرير ليلة تنصيب الرئيس عبدالفتاح السيسي لتولي مهام منصبه قبل أن يظهر حفنة من الشباب ليصيبوا القلوب بجرح عميق يقتل الفرحة، ويضيقوا الخناق على سيدة ويجردوها من ملابسها ويرتكبوا بحقها فظائع يندى لها الجبين دون أن تحل في نظرهم، لحظة، محل الأم أو الأخت أو الابنة أو الشريكة في الوطن.
مطالبات عديدة، عقب الواقعة، بإعدام المتحرشين، وإعلامية تظهر على الهواء تهون الموقف وتبرره بقولها "مبسوطين بقا"، قبل أن تعلن وزارة الداخلية عن القبض على مرتكبي "تحرش التحرير" ثم إحالتهم لمحكمة جنايات جنوب القاهرة التي تحكم عليهم بعقوبات تتراوح بين المؤبد والسجن 20 عامًا، ليطرح ذلك الحكم تساؤلات عديدة حول إمكانية إنهائه لظاهرة التحرش، أو يكون وجوده كعدمه.
"حكم المؤبد لن يقلل من حدة ظاهرة التحرش في العيد"، ذلك ما توقعته فاطمة الشريف، مؤسس حركة "هيباتيا" المناهضة للتحرش، لأن ذلك الحكم صدر في الأساس لاستخدام المتهمين آلات حادة أثناء ارتكابهم لتلك الجريمة، وهو ما لا ينطبق على مرتكبي جريمة التحرش في المواسم والأعياد.
ظاهرة التحرش في العيد قوامها الأساسي، بحسب مؤسس حركة هيباتيا، يكمن في هؤلاء الأطفال والمراهقين الذين ينزحون من الأرياف ويعتبرون أن التحرش بالفتيات وسيلة للاحتفال، إضافة إلى تردد المتحرشين على أماكن بعينها، مثل شارعيّ طلعت حرب و26 يوليو، لأنهم يعلمون جيدًا أنهم سيتحرشون بالفتيات دون أن يمسهم أحد، لافتة أيضًا إلى أن حكم المؤبد ضد متحرشي التحرير ربما لم يصل إلى تلك الفئة أصلاً ولم يعلموا عنه أي شيء.
الآليات الحقيقية لمواجهة التحرش لم تتحقق، وفقًا لفاطمة التي اعتبرت أن أول طريق لمقاومتها هو إعادة هيكلة وزارة الداخلية التي ينتشر رجالها في الشوارع المتوقَّع ممارسة التحرش بها، ورغم ذلك يتم رصد العديد من حالات التحرش بالفتيات دون أن يستطيع الأمن منعها، علاوة على مقاومة الرسائل التي تبثها بعض الأفلام السينمائية التي تصور البطل يخلع ملابسه بكل سهولة ويمارس هذه الأفعال النكراء، والرد عليها برسائل أخرى ترسخ مبدأ العقاب لكل مرتكبي تلك الحماقات في الأعياد وغيرها.
"دور القانون انتهى عند هذا الحد"، هكذا قالت الدكتورة فوزية عبدالستار، أستاذ القانون الجنائي، والتي رأت أن فاعلية الحكم المؤبد على متحرشي التحرير ستردع عددًا كبيرًا ممن هم على دراية بالحكم وتفاصيله، مشيرة إلى أن نسبة الأمية العالية وعدم اهتمام الكثير من المراهقين بما يجري حولهم من أحداث قد يعوق وصوله إلى نسبة من المتحرشين الذين قد لا يهتمون أصلًا بهذا الحكم.
عقوبة المؤبد أو السجن المشدد هي أقصى عقوبة يمكن اتخاذها ضد مرتكبي جريمة التحرش، بحسب فوزية، إلا أنها ترى أن معالجة الظاهرة تعتمد بشكل أساسي على ترسيخ مبدأ مكارم الأخلاق في نفوس الشباب وبذل الدولة قصارى جهدها في بث القيم والنزعة الدينية لدى الشباب، رافضة تغليظ عقوبة التحرش إلى ما هو أكثر من المؤبد لأنه ليس من العدل مساواة جريمة التحرش بالقتل العمد والحكم على مرتكبها بالإعدام.
"الخوف والقلق وأنا ماشية في الشارع لسه ماتغيروش"، بتلك الكلمات بدأت دينا، (22 عامًا) حديثها لـ"الوطن" عن ظاهرة التحرش في العيد، مؤكدة أنه لا توجد أي خطوات فعلية من الدولة لمواجهتها، وأن الحكم الذي صدر بحق متحرشي التحرير ليس نهائيًا ويمكن الاستئناف عليه "اللي بيعملوا كده ممكن يعاندوا ويمارسوا التحرش بشكل متوحش أكتر من الأول".
وتروي الفتاة العشرينية بعض المشاهد التي لا تنساها والمتعلقة بتحرشات العيد، حيث تؤكد أن بعض الشباب لا يشعرون بقدوم مواسم الأعياد إلا بممارسة تلك الفظائع ضد الفتيات، "والموقف اللي حصل قدام عيني إني لقيت شباب بيحاولوا يتحرشوا ببنات ماشيين في الشارع قبل صلاة العيد وبعدها".[FirstQuote]
المواجهة الجنائية ليست الحل وفقًا لـ"دينا"، التي ترى ضرورة بحث منبت المشكلة وأصولها داخل الشباب ومحاولة حلها نفسيًا قبل التفكير في العقاب الجنائي، وضرورة تأكيد أن تلك الجريمة هي منافية بكل المقاييس لمعنى الرجولة: "ويا ريت ماحدش يتحجج بإن ده بيحصل عشان مفيش وظيفة والشباب مش لاقيين فلوس، لأن زمان كانت الظروف أصعب من كده والبنت بتمشي في الشارع مش خايفة على نفسها".
الأخبار المتعلقة
"كورنيش النيل".. فيه تحرش قاتل
بالصور| "الفسطاط" ضحية التحرش والسرقة والبلطجة.. ومدير الحديقة: "ده كلام عايم"
ميدان طلعت حرب.. هنا "قبلة المتحرشين"
الحديقة الدولية بمدينة نصر.. عندما يتحول المربع الأخضر إلى منطقة "افتراس"
مع اقتراب العيد.. حملات مواجهة "التحرش" تنتشر في الأماكن العامة بالإسكندرية
المنظمات النسائية تواجه التحرش بـ"أرقام الاستغاثة".. ومتطوعون لضبط المتحرشين والتعامل معهم
التحرش "وليمة" للإعلام.. وخبراء: عدم المهنية تسيطر على المشهد
التحرش والعيد.. مرض يقتل الفرحة
"وسط البلد".. منطقة شهدت ظهور "أول تحرش جماعي" في مصر